رحلات الصمود في "آزوفستال" الأوكراني.. تذاكر ذهاب بلا إياب
7 رحلات جوية أوكرانية لتوفير الإمدادات والإنقاذ جرت في كنف السرية للمحاصرين في مصنع "آزوفستال" للصلب بمدينة ماريوبول.
قصص تبدو شبيهة بأحداث أفلام الحركة وإن تبدو القصة الكاملة غائبة، لكن وكالة "أسوشيتد برس" أجرت مقابلات مع ضابط مخابرات حربية طار في المهمة الأولى، ومع اثنين من الجرحى الناجين ومسؤولين في الجيش كشفوا عن إحدى هذه "المهمات المستحيلة".
مقابلات كشفت الكثير من المستور عما جرى في سرية مطلقة بمصنع الصلب الذي ظل مقاومون أوكران يرابطون به حتى سقوطه بيد الروس، ليستكملوا بذلك حلقة السيطرة الكاملة على المدينة الاستراتيجية.
والمصنع يمتد على مساحة 11 كيلومترا مربعا مع متاهات معقدة من الأنفاق والمخابئ الجوفية، وبطبقات مختلفة تجعله شبيها بحصن مضاد حتى للقصف النووي، وفق تقارير متخصصة.
الهليكوبتر السرية
"أوليكسندر"؛ كان ذلك اسمه المستعار.. طيار مخضرم في الجيش الأوكراني.. كان يقف بهدوء بجانب طائرته الهليكوبتر "Mi-8"، قبل أن يمرر يده على طول الجسم المعدني الثقيل، فيما غابت نظراته تستشرف مستقبلا قريبا بالغ الضبابية.
كانت تلك رحلتهم الأخطر في حياتهم المهنية، وكانت تلك حركته الدائمة لجلب الحظ له ولفريقه.. في داخله، كان يدرك أن هذه المهمة مختلفة عن غيرها حتى بعد اندلاع الحرب مع موسكو فالمجازفة باختراق الطوق الروسي في المصنع الضخم، يجعل فرضية الموت الأقرب في كل الحالات.
كان الطيار البالغ من العمر 51 عاما يعرف أنها مخاطرة، وأنها أصعب رحلة في حياته المهنية التي استمرت 30 عاما، لكنها كانت بالنسبة له مهمة للغاية. فقد كان يريد أن يعلم الصامدون في ماريوبول أنهم ليسوا منسيين، وأنه لا يمكن تركهم يموتون، خاصة مع نفاد إمداداتهم وتكدس المصنع بالقتلى والجرحى.
لكن الهيلوكوبتر السرية تظل أحد العوامل المشجعة في كل ذلك، ففي أوكرانيا يتم التباهي بسلسلة من المهام السرية لهذه المروحية التي تحدت الصعاب والتضاريس، حتى وصلت بسلام إلى المحاصرين بمصنع "آزوفستال" باعتبارها من بين أكثر الإنجازات البطولية للجرأة العسكرية، رغم انتهاء بعضها بكارثة.
فقط، بعد أن بدأ أكثر من 2500 من المدافعين الذين بقوا في أنقاض آزوفستال في الاستسلام، أعطى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إشارته لبداية المهام رغم تكلفتها المميتة.
وقال زيلينسكي إن الطيارين تحدوا الدفاعات الجوية الروسية القوية، وغامروا لإيصال الطعام والماء والأدوية والأسلحة حتى يتمكن المدافعون عن المصنع من مواصلة القتال وإخراج الجرحى.
التفاصيل الغائبة
حتى الآن لم يتم سرد القصة الكاملة لسبع رحلات جوية لتوفير الإمدادات والإنقاذ، لكن وكالة أسوشيتد برس أجرت مقابلات مع ضابط مخابرات حربية طار في المهمة الأولى، ومع اثنين من الجرحى الناجين ومسؤولين في الجيش.
ومع أن المقابلات لا تقدم جميع التفاصيل اللازمة لتشكيل ملامح القصة الكاملة، لكنها استطاعت على الأقل أن ترسم تصورا لحجم المجازفة في رحلات سرية اتخذت وجهتها نحو الموت.
وقال ضابط المخابرات العسكرية إن مروحية واحدة أُسقطت فيما فقدت طائرتان ومن كانوا على متنهما.
وأثناء الرحلة، ارتدى "أوليكسندر" ملابس مدنية، معتقدا أنه يمكن أن يذوب وسط السكان إذا نجا من حادث تحطم: "كنا ندرك أنها قد تكون تذكرة ذهاب فقط".
ومن بين الناجين من المصنع المحاصر الذين تم إخلاؤهم "بافالو"، والذي ما كان ليعيش حتى اللحظة لولا أنه تم إنقاذه بعد أن مزقت قذائف هاون من عيار 120 ملم ساقه اليسرى.
أصيب "بافالو" (20 عاما) خلال قتال بماريوبول في 23 مارس/آذار الماضي، ودخلت شظايا بظهره وذلك أثناء محاولته تدمير دبابة روسية بواسطة صاروخ يحمله على كتفه في اليوم الأخير من الشهر الأول للحرب.
وبعد أن سقط مصابا بجوار حطام سيارة محترقة، جر نفسه ليختبئ في مبنى قريب و"قرر أنه من الأفضل الزحف إلى الطابق السفلي والموت بهدوء هناك"، على حد قوله.
لكن أصدقاءه أخلوه إلى مصنع إيليتش للصلب، ومنه إلى آزوفستال حيث التقى فلاديسلاف زاهورودني، وهو عريف يبلغ من العمر 22 عاما، أصيب برصاصة في الحوض، وكانا يعرفان بعضهما، فكلاهما كانا من مدينة تشيرنيهيف الشمالية.
رحلة العودة
تم إخلاء زاهورودني من آزوفستال بطائرة هليكوبتر في 31 مارس/آذار الماضي، بعد ثلاث محاولات فاشلة. فقد اشتعلت النيران في أول رحلة مروحية له بطائرة Mi-8.
وعندما جاء دور بوفالو في الأسبوع التالي، تناقضت مشاعره بشأن المغادرة، فمن ناحية شعر بالارتياح لأن نصيبه من الطعام والماء المتناقصين سيذهب الآن إلى آخرين لا يزالون قادرين على القتال؛ ومن ناحية أخرى "كان هناك شعور مؤلم أن أترك زملائي يقاتلون من دوني".
وخلال محاولة إخراج بافالو من مخبئه، بدا انتظار أوليكسندر في قمرة القيادة وكأنه لا نهاية له، فالدقائق كانت تشبه الساعات، "الوضع كان مخيفا جدا، ترى انفجارات حولك وقد تصل القذيفة التالية إلى موقعك"، فكان يحاول بعصبية ملء الطائرة والصراخ في وجه الجنود الجرحى للاستعداد للبدء بسرعة في رحلة العودة المليئة بالمخاطر.
كانت رحلة عودة أوليكسندر وبافالو في ليلة الخامس من أبريل/نيسان مخيفة. يتذكران كيف تعرضت الطائرة لإطلاق نار من قبل سفينة لكن مناورة الطيار المخضرم في الهروب مكنتهم من النجاة من الصاروخ.
وكان أوليكسندر على علم بمهمة مروحية ثانية أخبره قائدها في رحلة عودته أن وقوده ينفد من طائرته، وكان اتصالهما الأخير.
وفي رحلة العودة، كان بافالو يشاهد التضاريس حيث تتنقل الطائرة وتحلق فوق الحقول وبين الأشجار قبل الوصول إلى دنيبرو بأمان، وعند الهبوط فتح الباب فتعالت موجة من التصفيق الحار الموجهة لأوليكسندر على نجاح المهمة المستحيلة.
aXA6IDMuMTMzLjE1Ny4xMzMg جزيرة ام اند امز