التكلفة واللوجستيات.. تعقيدات تهدد خطط أوكرانيا للمقاتلات
تعقيدات خطيرة يُتوقّع أن تهدد خطة أوكرانيا لبناء قوة جوية جديدة ضخمة تضم أعدادًا كبيرة من الطائرات الحربية الفرنسية والسويدية.
فقد وقّع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الإثنين الماضي، خطاب نوايا لشراء ما يصل إلى 100 طائرة مقاتلة من طراز «رافال» ثنائية المحرك من إنتاج شركة داسو خلال السنوات العشر المقبلة.
وجاء هذا الإعلان بعد أسابيع قليلة فقط من توقيع كييف اتفاقية تعاون مع السويد تتضمن شراء ما بين 100 و150 طائرة مقاتلة من طراز «غريبن إي» أحادية المحرك، من إنتاج شركة ساب.
وبينما ترسل هذه الصفقات رسالة إيجابية حول مستقبل القوات الجوية الأوكرانية ودعم أوروبا لها في مواجهة الهجمات الروسية المستمرة، إلا أن عقبات مالية ولوجستية وصناعية كبيرة بانتظارها، وذلك وفقًا لما ذكرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية.
ولا يزال سلاح الجو الأوكراني يعتمد بدرجة كبيرة على طائرات من الحقبة السوفياتية مثل «ميغ-29» و«سو-25» و«سو-27»، لكنه يشغّل أيضًا طائرات «إف-16» من إنتاج لوكهيد مارتن، بالإضافة إلى عدد محدود من مقاتلات «ميراج 2000-5» الفرنسية.
وإذا نجحت كييف في بناء قوة جوية حديثة تضم أكثر من 200 طائرة حربية غربية جديدة، فستضطر في النهاية إلى تشغيل أسطول مقاتلات مختلط، وهو أمر تتردد بعض الدول الغربية في القيام به بسبب الصعوبات اللوجستية، فضلًا عن تحديات تدريب الطيارين والميكانيكيين.
وقال إيلي تينينباوم، مدير مركز الدراسات الأمنية بالمعهد الدولي للعلاقات الدولية: «إن تشغيل عدة أنواع من الطائرات المقاتلة أمر صعب نظرًا لعدم تشارك قطع الغيار، وغياب وفورات الحجم، والحاجة إلى زيادة قطاعات التوريد ودورات التدريب الميكانيكي».
وأضاف أن المشكلة الأساسية هي أن شراكة «رافال» الأخيرة «ستستغرق وقتًا طويلًا ولا يمكن أن تكون استجابة لحالات الطوارئ الفورية في ساحة المعركة»
.
وبالنسبة لأوكرانيا، فمن المؤكد أن هدفها المتمثل في بناء أسطول مختلط من المقاتلات متعددة الأدوار الفرنسية والسويدية سيواجه مشكلات مالية كبيرة، إذ تواجه كييف أزمة سيولة نقدية وشيكة، وليس من الواضح في هذه المرحلة كيف ستموّل شراء هذه الطائرات دون دعم خارجي.
وقال دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى: «إن خطة أوكرانيا لشراء طائرات رافال بالإضافة إلى غريبن أمر مثير للدهشة... فهم لا يملكون المال الكافي».
وقد يصعب تحديد التكلفة الدقيقة للطائرات المقاتلة، إذ تختلف باختلاف الأسلحة والتدريب. وتقدَّر تكلفة طائرة «رافال» بين 70 و100 مليون يورو بدون صواريخ، وقد تصل إلى 250 مليون يورو مع الأسلحة المرافقة، فيما تبلغ تكلفة طائرة «غريبن» نحو 125 مليون يورو.
وترغب دول الاتحاد الأوروبي في استخدام الأصول الروسية المجمّدة -البالغة 140 مليار يورو- لتمويل دعم أوكرانيا، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين عواصم الاتحاد بشأن هذه الخطوة.
وفي السويد، تبحث الحكومة عن وسائل مالية لدعم صفقة «غريبن». وقال وزير الدفاع بول جونسون، في تصريحات لـ«رويترز» مطلع الشهر الجاري، إن ستوكهولم يمكن أن تساهم في تمويل عملية الشراء ضمن حزم المساعدات العسكرية، مشيرًا إلى أن صفقة كبيرة قد تدفع الدول التي تورّد المكوّنات الفرعية للطائرة إلى المشاركة ماليًا.
أما في فرنسا فيحول الوضع المالي المتردي دون استخدام أموال حكومية مباشرة لشراء طائرات «رافال» لصالح كييف. كما لا تخطط باريس لاستخدام مخزونها العسكري أو إعطاء الأولوية لأوكرانيا على حساب زبائن آخرين، فيما تعمل شركة «داسو» على رفع إنتاجها بهدف تصنيع خمس مقاتلات شهريًا.
ويثق ماكرون بأن الأدوات الأوروبية والأصول الروسية المجمّدة ستساعد في تمويل عملية الشراء. وقال للصحفيين يوم الإثنين: «سيأتي التمويل مع هذه الاتفاقية»، مشيرًا إلى برامج القروض الأوروبية، بالإضافة إلى الآلية التي تقودها مجموعة السبع لتقديم قروض لأوكرانيا مدعومة بفوائد الأصول الروسية المجمّدة.
وتبرز مشكلة أخرى تتعلق بالطاقة الإنتاجية لمصنّعي الطائرات المقاتلة الغربيين وتراكم طلباتهم. وقال مسؤول عسكري أوكراني لـ«بوليتيكو»، شريطة عدم الكشف عن هويته: «حتى لو امتلكنا كل الأموال، فلن نحصل على الطائرات بسرعة... ببساطة، لا أحد يبيع ما يكفي في العالم».
وأضاف: «ابحثوا فقط في غوغل عن عدد الدول التي تنتظر في طوابير للحصول على طائرات رافال... وأشك أن أحدًا سيسمح لأوكرانيا بتخطي الطوابير والحصول عليها أولًا».
وتعمل شركة «ساب» على إيجاد حلول لتسريع وصول طائرات «غريبن» إلى أوكرانيا. وقال الرئيس التنفيذي للشركة، ميكائيل جوهانسون، الأسبوع الماضي لصحيفة «ذا غلوب آند ميل» الكندية إن الشركة تناقش إمكانات إنتاج طائرات «غريبن» بموجب ترخيص من الحكومة الكندية وشركة «بومباردييه» لتزويد القوات الجوية الكندية وأوكرانيا.
لكن التحديات لا تتوقف عند شراء الطائرات. فحتى لو حصلت كييف عليها، ستستمر التكاليف. وقال أناتولي خرابشينسكي، خبير الطيران والضابط السابق في القوات الجوية الأوكرانية: «في ظل المشكلات الاقتصادية الحالية التي تعاني منها أوكرانيا، سيكون من المكلف للغاية الحفاظ على مثل هذا الأسطول الضخم بمفردها».
وأضاف: «لكن إذا انضمت أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو أنشأت تحالفًا دفاعيًا داخل أوروبا، يمكن عندها الحديث عن ميزانية دفاع مشتركة تساعد في الحفاظ على الأسطول».
وأوضح أن تشغيل أسطول مختلط ينطوي على تحديات كبيرة، لكنه أكثر أمانًا لأوكرانيا من الاعتماد على نوع واحد فقط من الطائرات. وتابع: «لماذا اختارت القوات الأوكرانية عدة طرازات مختلفة؟ ببساطة لأنه من المخاطرة وضع كل البيض في سلة واحدة».