بين مطالب الإصلاح وواقع الانقسام.. أي مستقبل لمجلس الأمن؟

قبل ثمانية عقود، أسس المنتصرون في الحرب العالمية الثانية منظمة الأمم المتحدة ليحولوا دون اندلاع نزاعات جديدة ويرسموا معالم النظام الدولي لما بعد الحرب.
ومنذ ذلك الحين، أُنيطت مهمة القيادة داخل المنظمة بخمس قوى كبرى – الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي (آنذاك)، وبريطانيا، والصين، وفرنسا – التي مُنحت مقاعد دائمة في مجلس الأمن مع حق النقض (الفيتو)، لتصبح بمثابة "شرطيي العالم".
غير أن المشهد اليوم، حسب تقرير لمجلة «تايم»، يبدو بعيدًا عن طموحات المؤسسين. فالقوى الخمس تجد نفسها في مواجهة انقسامات عميقة حول:
- الحرب في غزة
- أزمة أوكرانيا
- الملف النووي الإيراني
- أزمات تمتد من السودان إلى ميانمار.
من التعاون إلى الانقسام
خلال الحرب الباردة، كانت الخلافات بين القوى الكبرى تعيق اجتماعات مجلس الأمن بعض الأحيان لشهور، لكنها لم تمنع استخدامه كمنصة لإدارة الأزمات، كما حدث في الصراع العربي-الإسرائيلي.
ومع نهاية الحرب الباردة، ساد مناخ تعاون نسبي؛ إذ دعم المجلس عملية "عاصفة الصحراء" عام 1991 لإخراج العراق من الكويت، وأشرف على سلسلة من مهمات حفظ السلام والعقوبات الدولية.
غير أن هذا الزخم سرعان ما تراجع مع مطلع الألفية، بدءًا من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، مرورًا بالحرب السورية، وصولًا إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وبلغ الشلل ذروته عام 2024، حين أصدر المجلس 41 قرارًا فقط، وهو أدنى معدل منذ ثلاثة عقود.
نفوذ متقادم ومطالب بالإصلاح
تتصاعد الانتقادات الموجهة لهيمنة القوى الخمس؛ إذ تطالب قوى صاعدة مثل الهند والبرازيل بمقاعد دائمة، فيما ترى دول أفريقية أن القوى الاستعمارية السابقة ما زالت تمارس وصايتها عبر المجلس. وحتى أوكرانيا تساءلت علنًا عن شرعية استمرار روسيا في شغل مقعد الاتحاد السوفياتي السابق.
ومع ذلك، يظل مجلس الأمن أحد الأماكن القليلة التي تجمع الدبلوماسيين الأمريكيين والروس والصينيين بشكل يومي، بما يسمح بإبقاء قنوات الحوار مفتوحة، والتوافق على ملفات إنسانية وأمنية محددة.
ترامب ومقاربة جديدة
يشير التقرير إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع 2025 ألقت بظلالها على سياسة واشنطن تجاه الأمم المتحدة. فبعد دعم إدارة سلفه جو بايدن توسيع عضوية المجلس وطرح مقترحات لإصلاحه، فضّلت إدارة ترامب العودة إلى صيغة القوى الخمس كمنصة لتفاهمات كبرى.
هذا التحول لقي ترحيبًا في موسكو التي خففت من لهجتها العدائية، فيما تراجعت الحماسة لدى دول صغيرة ومتوسطة كانت تدفع باتجاه الإصلاح، بانتظار إشارة واضحة من واشنطن. غير أن الرهان على القوى الخمس يصطدم بواقع الانقسامات الحادة التي تجعل التوصل إلى توافق شبه مستحيل.
3 ملفات تفجّر الانقسام
أوكرانيا:
في فبراير/شباط الماضي، طرحت واشنطن مشروع قرار يدعو إلى سلام عاجل مع روسيا، دون أي إشارة إلى وحدة الأراضي الأوكرانية، ما أثار صدمة لدى باريس ولندن.
ومنذ ذلك الحين، تذبذبت مواقف إدارة ترامب بين الضغط على موسكو ومحاولة استرضائها، ما أثار مخاوف أوروبية من انحياز أمريكي لروسيا مستقبلًا.
غزة:
تواصل الولايات المتحدة منفردة استخدام الفيتو لحماية إسرائيل من القرارات الدولية، فيما تطالب فرنسا وبريطانيا ومعظم الأعضاء بوقف فوري لإطلاق النار، وهو الموقف ذاته الذي تتبناه روسيا والصين.
وفيما اعترفت بريطانيا رسميا يوم الأحد بدولة فلسطين في مؤتمر دولي، يتوقع أن تحذو فرنسا ودول أخرى حذوها، اليوم، ما يمنح القضية الفلسطينية زخما دبلوماسيا كبيرا.
إيران:
بادرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى استعادة العقوبات الأممية على طهران، بدعم من واشنطن. غير أن روسيا، ومعها الصين بدرجة أقل، اعتبرتا أن الأوروبيين فقدوا حقهم في تفعيل هذه الآلية بعد فشلهم في الوفاء بالتزاماتهم الاقتصادية تجاه إيران.
نقص البدائل وصعوبة التجاوز
تشير الخلافات المتكررة بين الدول الخمس الدائمة العضوية إلى أن مجلس الأمن لن يكون قادرًا على لعب دور حاسم في توجيه الأمن العالمي في المستقبل القريب. ومع ذلك، تبقى لآلية "الكبار الخمسة" قيمة لا يمكن إنكارها.
فالمجلس، رغم انقساماته، يوفر ساحة تتيح لهذه القوى إدارة خلافاتها، والاتفاق – ولو جزئيًا – على قضايا محددة، مع الحفاظ على حد أدنى من التعاون.
وتبرز قوة المجلس في قدرته على جمع هذه الدول حول طاولة واحدة، ما يتيح لهم توضيح خطوطهم الحمراء والبحث عن مسارات بديلة لتجنب التصعيد. كما يمنحهم فرصة لتشكيل تحالفات مرنة وفق كل أزمة، بعيدًا عن الاستقطاب الحاد بين الشرق والغرب.
وعليه، قد يكون من الواقعية اليوم النظر إلى مجلس الأمن ليس كمنصة لإيجاد حلول شاملة للأزمات الكبرى، بل كإطار يتيح على الأقل إدارة النزاعات، وفتح ثغرات للحلول السلمية.
ففي عالم تسوده توترات جيوسياسية متصاعدة، من الصعب إنشاء مؤسسات دولية جديدة بسرعة وفعالية. لذلك، يبقى الحفاظ على الحد الأدنى من التعاون بين القوى الخمس الكبرى داخل مجلس الأمن مصلحة عالمية مشتركة، حتى وإن بدت المؤسسة اليوم متقادمة وضعيفة التأثير.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA== جزيرة ام اند امز