"نيويورك تايمز": وسط غموض الاقتصاد العالمي.. تركيا مهددة أكثر من غيرها
صحيفة "نيويورك تايمز" تسلط الضوء على وضع تركيا الاقتصادي تحت سلطة أردوغان الجديدة والأفق المظلمة إذا استمر مستوى الاقتراض الحالي.
يجسد مشروع الحكومة التركية لبناء أضخم مطار في العالم بتكلفة 12 مليار دولار أمريكي في إسطنبول رغبة أنقرة في استعادة مجدها، لكنه أصبح أيضا رمزا لجانب أقل جذبا في وضع تركيا هذه الأيام يتمثل في الإهمال المتهور لحسابات الدولة واستقلال المؤسسات الحساسة عن الحكومة مثل البنك المركزي، وهو ما يجعل أنقرة في خطر متنامٍ من الانزلاق إلى كارثة مالية.
فوسط اقتصاد عالمي مليء بالمخاوف والشكوك، بين آفاق الحرب التجارية بين أمريكا والصين وارتفاع أسعار النفط، تعتبر تركيا السبب الأكثر إلحاحا لإثارة قلق الخبراء والدول الأخرى، خاصة بعد فوز الرئيس رجب طيب أردوغان الذي سيطر على الدولة لـ15 عاما بفترة رئاسية جديدة تأتي بسلطات جديدة خارجة عن المألوف، حيث يسعى لتحويل نظام الحكم إلى نظام الرئاسة التنفيذية.
ووسع أردوغان نفوذه للوفاء بوعوده بتحقيق نمو اقتصادي قاسٍ عبر الاقتراض غير المقيد ورفع الدين إلى مستويات قياسية مثيرة للقلق، في ظل اختبار السلطات الجديدة التي منحها لنفسه حدود واقع الاقتصاد التركي المتدهور، حسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وفي إشارة جلية إلى عدم الارتياح بين المستثمرين العالميين، هبطت قيمة الليرة التركية بحوالي خمس قيمتها هذا العام، ما رفع أسعار العقارات والأعمال التجارية على حد سواء، بل وانخفضت الليرة أكثر، أمس الإثنين، بعد أن كلف أردوغان منصب وزير المالية لصهره، وهو ما اعتبرته الأسواق أنه لا ينوي تبني نظام إدارة أكثر مسؤولية في أي وقت قريب.
ويعود مشروع مطار إسطنبول الجديد، الذي يفتتح أولى مراحله في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لتوضيح مخاوف الأسواق المحلية في تركيا، حيث تم تمويل المشروع بأكوام من أموال الشعب وتسليمها إلى شركات إنشائية على علاقة وثيقة بالرئيس التركي أردوغان الذي منحهم ضمانات ضد أي خسائر.
فإذا أثبت المطار، الذي تماثل مساحته حجم حي مانهاتن الأمريكي (60 كم مربع تقريبا) ويتوقع أن يستقبل 200 مليون راكب سنويا، أنه أكبر من تدفق الركاب، وهو ما يتوقعه معظم الخبراء الاقتصاديين، فإن الشعب التركي هو من سيتحمل فاتورة المشروع وليست الشركات والمستثمرين من أصدقاء أردوغان.
أما بالنسبة للمزارعين الذين تم طردهم من أراضيهم لإتاحة مساحة كافية للمطار الجديد، فإن المشروع أصبح بالنسبة لهم رمزا لأسوأ مخاوفهم، وهو اهتمام أردوغان بالقريبين منه فقط وإهمال بقية الشعب، وهو ما قاله بورا دايلار المزارع الذي فقد أرضه لصالح مشروع المطار: "أردوغان يهتم بأناسه فقط.. لم يعد لدينا أي شيء".
وذكرت "نيويورك تايمز" أن المخاوف من وقوع كارثة في تركيا قد تبدو غير واقعية أمام اقتصاد يبقى أحد أكثر الاقتصادات نموا في العالم، لكن هذا النمو يغذيه الاقتراض غير المستدام لكلا القطاع العام والخاص.
ودعمت الحكومة التركية مشروعات بنية تحتية شاسعة مثل المطار ومشروع قناة لربط البحر الأسود ببحر مرمرة بتكلفة 13 مليار دولار، بجانب اقتراض العديد من الأعمال التجارية والمشروعات الخاصة للعملات الأجنبية، وهو ما يعني ارتفاع أعبائهم من الدين أمام هبوط قيمة الليرة التركية.
وتحاول الشركات التركية الكبيرة حاليا إقناع البنوك والمقرضين الآخرين لتمديد العون، وهو ما قد يعود لتنبأهم بموجة من الإفلاسات التي ستترك المؤسسات المالية والشعب التركي أمام خسائر لا تعد ولا تحصى، وفي نهاية أبريل/نيسان الماضي كانت شركات القطاع الخاص في تركيا مدينة بأكثر من 245 مليار دولار أمريكي للدين الأجنبي، وهو ما يعد تقريبا ثلث حجم الاقتصاد التركي بأكمله.
ورغم ذلك، فإن الحكومة التركية تشجع أصحاب القطاعات الخاصة على المزيد من الاقتراض، وهو ما يجعل الحل الوحيد للحفاظ على حجم الدين الحالي هو استمرار المستثمرين الأجانب في إيداع أموالهم إلى تركيا، وهو مسألة تتزايد الشكوك حولها بمرور الوقت.
ويمكن لتركيا جمع المال بالاستمرار في رفع معدلات الفائدة، التي تبلغ حاليا 17.75%، لكن هذا من شأنه تخفيض النمو الاقتصادي وإنهاء الاحتفالات التي يحظى بها حاليا سوق العقارات والصناعات الإنشائية بسبب سياسات أردوغان.
أو يمكن لتركيا الاستمرار في حفلة رفع النمو الاقتصادي على حساب الدين الخارجي، بينما تشاهد التضخم يتفاقم مع استمرار غرق الليرة، وهو ما سيحكم على الشركات الضخمة الهامة بالإفلاس وربما سيجبر الحكومة على السعي للإنقاذ من صندوق النقد الدولي، وهو مسار بالتأكيد سيحتوي على تخفيضات مؤلمة في الإنفاق.