البطالة في ليبيا.. تأشيرة موت أو هجرة بلا عودة
آلاف الخريجين الليبيين يعانون من البطالة ما يدفع غالبيتهم للهجرة إلى الخارج أو إلى امتهان مهن لا تناسب تعليمهم
"ليبيا يملؤها الفساد الإداري والمحسوبية والجهوية ويوظفون أشخاصا غير مؤهلين فقط لأنهم أبناء عمومتهم أو تربطهم بهم مصالح مشتركة، فالتوظيف في ليبيا ليس بالكفاءة أو الخبرة بل يعتمد على المصالح" فقط.
هذه المأساة دفعت الشاب محمد بدر أحد الشباب الليبيين الذين هاجروا إلى إيطاليا عبر البحر أن يلقي باللوم على جميع القطاعات الحكومية في البلاد، التي دفعته للهجرة.
ويحمل بدر مسؤولية استمرار أزمة البطالة للحكومات الليبية المتعاقبة منذ العام 2011 حتى الآن، مشيرا إلى أن معظم الشباب يرى أن الحل الوحيد هو الهجرة خارج الوطن لضمان حياة جيدة وهذا مؤشر خطير لأن جميع الخبرات ستغادر في حالة تحصلت على فرص خارج البلاد.
أضاف أن كل شاب يحلم بالحصول على فرصة عمل تساعده على الاستقلال نسبيا عن الأسرة، وتحقيق ذاته واستغلال طاقاته في عمل يدر عليه دخلا ويشغل أوقاته، ليفيد بذلك كامل البلاد ومستقبلها ويسهم في تقدمها غير أن هذا الحلم يصطدم أحيانا كثيرة بواقع مرير يحرم الشباب من الوظائف الأمر الذي يعود بالسلب على الشخص والمجتمع معا.
طوابير البطالة
لم يستسلم الخريج الجامعي الليبي، سليمان البركي، لشبح البطالة ويقول إنه بحث كثيرا عن عمل في عدد من الجهات الحكومية لكن دون جدوى، مما جعله يتجه إلى أحد مراكز التدريب ويحصل على دورة في الحلاقة الرجالية استمرت لمدة 30 يوما بعدها تحصل على شهادة وفتح محلا خاصا به يعمل فيه هو وعدد من الشباب الآخرين.
ويقول "البركي" لـ"العين الإخبارية" إن هذا الأمر جنبه الانضمام إلى طوابير البطالة وساعده على تحقيق الدخل.
مضيفا "هناك عدد كبير من الشباب لم يعد يثق في العمل الحكومي واتجهوا للأعمال الأخرى مثل الحلاقة أو طلاء المنازل والتي يكون المردود المالي فيها كبيرا جدا".
وخاطب الشباب الليبي بضرورة عدم الاستناد إلى وظيفة تمنحها الدولة للمواطن أو الشاب فقط، وأن يبحث الجميع عن فرص عمل شريفة بقدر المستطاع، لأن الاجتهاد وحده يأتي بالنتائج الفعالة لا مجرد التواكل على آخرين.
معدلات العمل في ليبيا
وزارة العمل التابعة لحكومة الليبية قالت أخيرا إنه وفقا لنتائج الإحصاءات نصف السنوية التي نفذها مركز المعلومات والتوثيق التابع للوزارة فإن أعداد الموظفين في القطاع العام ضمن منظومات مكاتب العمل والتأهيل بالمناطق بلغ مليوني و330 ألفا و897 موظفا.
وأشارت الوزارة إلى أن عدد العاملين في القطاع الإداري بلغ أكثر من مليون و704 آلاف موظف، بينما وصل عدد العاملين خارج الجهاز الإداري إلى نحو 599 ألف موظف.
وفي الوقت ذاته وصل عدد الموظفين ما بين السن العمرية 26 و45 عاما إلى مليون و266 ألف شخص منهم 781 ألفا من الذكور و480 ألفا من الإناث تقريبا.
مؤكدة أنها تبذل قصارى جهدها لتوظيف الشباب الليبي الباحث عن العمل.
البطالة بعد 17 فبراير
وفي دراسة للبنك الدولي عن البطالة في ليبيا صادرة في العام 2016 فإن ليبيا ومنذ 17 فبراير 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي وقعت فريسة لصراع سياسي عميق ما أدى إلى وجود فرص محدودة فقط لإعادة دمج الشباب في سوق العمل.
وعلى مر العقود الأربعة التي سبقت 17 فبراير لم يتبق من مؤسسات ما بعد المملكة الليبية إلا أسماؤها فقط، فالاقتصاد الليبي الذي كان اقتصادا زراعيا ذات يوم شهد تحولا شاملا، ليصبح اقتصادا ريعيا يعتمد اعتماداً كاملا على عائدات النفط، وكانت أموال الدولة تنفق على جهاز حكومي مترهل لا يؤدي وظائفه وعلى التحويلات الاجتماعية والإعانات وفق الدراسة.
وفي العام 2013 تضاعف بند الأجور والرواتب العامة مقارنة بتقديرات ما قبل الثورة ليصل إلى 17% من إجمالي الناتج المحلي الليبي حسب صندوق النقد، فيما أشارت دراسة البنك الدولي إلى أن نحو 85% من الأيدي العاملة النشطة في ليبيا تعمل في القطاع العام وتصل نسبة النساء في هذا القطاع إلى نحو 93% من مجموع النساء العاملات.
وتؤكد الدراسة أن ليبيا تعاني من أحد أعلى معدلات البطالة في العالم خاصة بالنظر إلى ارتفاع نسبة الالتحاق بالتعليم الجامعي.
صعوبات
يرى أخصائي علم الاجتماع بجامعة إجدابيا الليبية، خالد عطية، أنه من الصعب التخلص من أزمة البطالة التي يعانيها الشباب بصفة عامة وخريجي الجامعات بصفة خاصة لأنها أزمة متوارثة في كافة الأجيال، موضحا أن البطالة تعرف أنها وجود فائض في العمال أو الموظفين ونقص في فرص العمل سواء العمل الحكومي أو الخاص.
وأضاف "عطية" أن الشاب الليبي اليوم يبحث عن وظيفة ذات امتيازات أو عمل إداري بدون تعب ولا يحتاج أي مشقة، لأن معظم الشباب في يومنا هذا متكلين على آبائهم ويرفضون العمل باليومية كعمال في بعض الحرف أو الصنائع التقليدية التي تزخر بها بلادنا منذ عدة سنين.
"وهؤلاء لا يسيرون وفق المثل الشعبي الذي يقول (صنعة اليدين ولا مال الجدين)، في رسالة إلى الدعوة للعمل الحرفي والصناعات التقليدية دون الاعتماد على مال الأسرة"، بحسب عطية.
العمالة الأجنبية
من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة إجدابيا الدكتور ميلود صالح أن زيادة نسبة البطالة بين فئة الشباب والخريجين تعود إلى اعتماد عدد من الجهات في الدولة على العمالة الأجنبية في عدد من الوظائف بحجة أن الشباب الليبي غير قادرين على العمل أو لا يملكون الخبرة الكافية في تلك الوظائف .
ويطالب صالح في تصريح لـ"العين الإخبارية" المؤسسات الحكومية بضرورة دمج الشباب في كافة الوظائف الإدارية والفنية من خلال إطلاق خطة تعتمد على عدة دورات تدريبية داخل وخارج حدود الوطن مثل دورات صيانة الأجهزة الإلكترونية أو دورات في كيفية التنمية والتطوير.
ويرى الناشط الاجتماعي والإعلامي الليبي خالد اعتيقة أن للبطالة عدة سلبيات قد تؤثر على المجتمع وتؤثر أيضا على النسيج الاجتماعي فلا شك أن المجتمع المتطور والمتقدم في العالم يقاس بما قدمه الشباب إلى مجتمعه من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية فإذا كانت نسبة البطالة في المجتمع كثيرة ستؤثر سلبا على المجتمع.
وأضاف أنه ناقش موضوع البطالة كثيرا مع عدة جهات ولكن دون جدوى إذ إن المسؤول يضع اللوم على الشاب لأنه يبحث عن عمل يناسب حالته الاجتماعية بمعنى أن الشاب لا يريد العمل في مصنع أو محل أو مزرعة مثلا، لأنه يرى أنها تنقص من مكانته الاجتماعية.
وأشار إلى تعدد سلبيات البطالة وآثارها الضارة على المجتمع الليبي إذ تؤدي إلى زيادة معدل الجريمة والسرقة وتجارة المخدرات والظواهر الهدامة مثل سرقة كوابل الكهرباء والتجارة في الممنوعات والحرابة.