"حب غير متوقع".. فيلم أرجنتيني يجسد أزمة منتصف العمر بواقعية ساخرة
الفيلم يدور في سياق اجتماعي كوميدي حول أسرة من الطبقة المتوسطة في الأرجنتين تعاني أزمة "العش الفارغ" بعد رحيل الابن للدراسة
كيف يمكن أن تصبح حياة زوجين بعد 25 عاما من الحياة الهادئة المستقرة؟ هل تستمر كما هي بعد رحيل الابن لإسبانيا للدراسة؟ أم أنها ستنقلب رأسا على عقب؟ وهل تنجح الذكريات الجميلة في أن تجعلك تعيش مع شريك حياتك بالرغم من تسلل الملل والرتابة إلى روتين الحياة اليومي؟ وهل الحرية كافية للسعادة؟
هذه هي التساؤلات التي حاول فيلم" حب غير متوقع" أو El amor menos pensado أن يجيب عليها، والذي عرض بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في أول أيام العروض السينمائية الأربعاء بحضور بطلته مرسيديس موران ومخرج الفيلم ومؤلفه جوان فيرا.
القضية التي يطرحها الفيلم الذي تم إنتاجه 2018 هي القضية التي تعالجها أغلب الأفلام الأمريكية والأوروبية حاليا، وحتى أفلام ومسلسلات "نتفليكس" وهي قضية الزواج والحب في ظل الحياة ذات الإيقاع السريع والعلاقات المتعددة عبر الفضاء الأزرق، ووجود "السوشيال ميديا" في حياة الأزواج؛ حيث أصبح لهم علاقات أخرى متعددة أثناء الزواج مع رفضهم للتخلي عن زوجاتهم في الوقت الذي لا يدرك بعضهم أن الزوجة أيضا تمر بأزمة منتصف العمر، وترفض أن تشعر بأنها تذبل وتشيخ وعليها أن تنتظر حصاد عمرها في تربية أبنائها ومن ثم تصبح جدة.
لكن بفعل التحولات التي تحيط بعالمنا أصبحت المرأة تتمرد على تلك الصورة النمطية وترغب في أن تعيش مغامرات وحياة جديدة غير الحياة الروتينية التي عايشتها طوال ربع قرن من الزمن في خدمة أسرتها.
بطلة الفيلم مرسيديس موران لعبت بجدارة دور (آنا) المتزوجة من (ماركوس) الذي يلعب دوره الممثل المتميز ريكاردو دارين، يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي بارع يصور مكتبة جامعية ضخمة بينما الزوج ماركوس منهمكا في قراءة "موبي ديك"، مخاطبا المشاهدين عن شعوره الذي يشبه شعور بطل الرواية الأمريكية الشهيرة. وهنا تبدأ الأحداث التي تدور في إطار اجتماعي كوميدي مجسدا حياة الطبقة المتوسطة في الأرجنتين.
الإطار الزمني للفيلم 3 سنوات تبدأ في الوقت الذي يغادر فيه الابن حضن الأسرة ويتواصل الأب والأم معه عبر "سكايب"، تبدأ الأم في معاناة مع الشعور بالوحدة ويصبح يومها يقوم على الجدال اللامتناهي مع زوجها، وتصارحه بأنها غير سعيدة ويرفض زوجها تخوفها من أن حياتهما معا تمر بما يعرف بأزمة" العش الفارغ"، ويحاول أن يقنعها مستعينا بخلفيته الثقافية الفلسفية أن ما تمر به وهم ومجرد تخوف.
وبالرغم من محاولات احتواء الزوج، تبدأ الزوجة (آنا) في محاولة تمرد لا إرادي على كل عاداتها اليومية، وتمارس التدخين ويزداد شعورها سوءا عقب معرفتها أن أمها التي دخلت عامها الـ 80 مخطوبة وستتزوج، وابنها يقع في قصة حب مع زميلته في الدراسة، تنتابها الرغبة في خوض مغامرة عاطفية وتتفق مع زوجها على الانفصال بحجة أن حياتهما معا أصبحت بلا معنى أو جدوى.
وبالفعل ينفصلان ويعايش كل منهما 3 قصص حب مختلفة، ويلتقي الزوج والزوجة بشخصيات مختلفة تماما عنهما، فالزوجة ارتبطت عقب انفصالها برفيق دراستها الجامعية ثم ما لبثت أن انفصلت عنه وارتبطت بشاب أصغر منها يعشق الفنون ومتخصص في العطور، وهنا تألقت البطلة في مشهد تنهر فيه نفسها أمام المرآة محاولة أن تحد من جموحها وأن تعود لعقلها لكنها لا تتمكن من الانتصار على نفسها وشغفها بخوض المزيد من المغامرات العاطفية، ثم ترتبط بعد ذلك برجل مثقف روتيني يحب الحديث بشكل دائم عنه نفسه وذكرياته، تنتقل للعيش معه لكنها تكتشف أنها لا تزال غير سعيدة، أما زوجها فلم يتأقلم عقب الانفصال بسهولة حيث عاد لحياة العزوبية مجبرا.
ونجح المؤلف وفريق العمل أن ينقلوا لنا تبعات الانفصال على الرجل ومشاعره ما بين الحنين للماضي والخوف من أن يموت وحيدا. هنا يحاول البطل الخروج من تلك الحالة ومقابلة نساء أخريات يلتقي بسيدة في نفس مرحلته العمرية، ثم شابة تعزف الموسيقى ثم أساتذة جامعية؛ في هذا السياق المتوازي استطاع المؤلف أن يكتب كل شخصية بعناية شديدة موضحا نقاط ضعفها وطموحاتها ورغباتها. وبشكل غير تقليدي لم يستغل تكنيك"فلاش باك" ليلعب على عواطف المشاهد، بل قدم له بشكل واقعي وساخر أحيانا كثيرا ما تفعله بنا الحياة عبر تقلباتها الكبيرة.
وظف المؤلف منزل الزوجية كرمز للذكريات وسنوات عمر مضت بحلوها ومرها، فبعد مرور 3 أعوام لم يلتق خلالها الزوج والزوجة، اكتشفت "آنا" أنها لم تتخلص من منزل الزوجية فتحاول الزوجة مرة بعد أخرى التخلص من أثاث المنزل وديكوراته ومتعلقات الزوج، وتطلب منه أن يأتي لأخذ متعلقاته لكنها تكتشف أن هذا المنزل بما ترويه جدرانه من حكايات يكفي لكي يعطيها السعادة. وتجد أن حوارها مع زوجها وشريك عمرها مليء بالذكريات والمرح والسخرية، وأن وجوده معها يشعرها بالأمان. لكنها تظل تعاند ذلك الشعور إلى أن تجد في المشهد قبل الأخير أنها تستمع بمشاكسة رفيق عمرها عبر محادثة "سكايب"، ويطلب منها الزوج أن تقابله عند المكتبة، ويتركنا المؤلف لدقائق ننتظر هل ستأتي الزوجة لتكمل حياتها مع زوجها أم لا؟ وينتهي الفيلم نهاية سعيدة بروح كوميدية نجح بطلا العمل في خلقها.
مدة الفيلم 110 دقائق، ويعتمد على لقطات مطولة وحوار طويل لكنه مكتوب باحترافية شديدة، وتمكن الكاتب أن يترك مساحة للتشويق بالرغم من توقع بعض الأحداث لكنه جعل كوميديا الموقف تضفي جاذبية على الفيلم.
ففي ندوة أعقبت الفيلم أكد مخرج الفيلم ومؤلفه جوان فيرا أنه استغرق في كتابته 4 سنوات وأنه بناه على تجربة شخصية، معتبرا أن بطلة الفيلم هي ممثلة بارعة استطاعت أن تتقن الدور بشكل خيالي. "حب غير متوقع" فيلم بسيط لكنه عميق في مضمونه استطاع أن يوقع المشاهد في فخ توقع حب جديد يدخل حياة كل من الزوجين لكنه جاء ليؤكد أن الحب بطبيعته غير متوقع؛ لكن الحب الذي ينمو عبر السنين يمكنه أن يستمر بأشكال أخرى، ويمنح السعادة بصور كثيرة تستند على الذكريات الأسرية الحميمة.