تأشيرة موحدة لـ«تحالف الساحل الأفريقي».. فرصة أم مخاطرة؟
خطوة جديدة من النيجر ومالي وبوركينا فاسو لدعم «تحالف دول الساحل الأفريقي» عبر بلورة تأشيرة موحدة لتعزيز التكامل الإقليمي إلا أنها أثارت مخاوف في ظل غياب آليات رقابة فعالة وتنامي الإرهاب بالمنطقة.
وخلال اجتماع أمني عُقد في باماكو يومي 1 و2 فبراير/شباط الجاري، أحرز المشاركون من الدول الثلاث تقدمًا في "تأشيرة ليبتاكو" من خلال التأكيد على توحيد الأنظمة الوطنية والمصادقة على آليات أمنية لضمان التنفيذ الآمن لهذه المبادرة التي تستهدف تسهيل حركة المواطنين، وتعزيز التبادل التجاري، وفقاً لموقع "سنغال نيوز" الإخباري الناطق بالفرنسي.
ووفق خبراء لـ«العين الإخبارية» فإن هذا المشروع يشبه نظام تأشيرة "شنغن" الذي يتيح حرية التنقل بين عدة دول أوروبية. ومع ذلك، فإن الوضع في الساحل يختلف تمامًا؛ إذ يعتمد فضاء شنغن على مؤسسات قوية وأنظمة رقابة متطورة، في حين لا تزال دول تحالف الساحل بحاجة إلى تعزيز بنيتها التحتية الأمنية وتحسين التعاون المشترك. وفي ظل غياب هذه الآليات، قد يكون تنفيذ "تأشيرة ليبتاكو" أمرًا معقدًا ومحفوفًا بالمخاطر.
وفي سبتمبر/أيلول 2023 أنشأت الدول الثلاث هذا التحالف لتجاوز مرحلة رفض المجتمع الدولي للانقلابات العسكرية بها وخاصةً عقب العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، وأتبعته بجملة من الاتفاقيات سواء الاقتصادية أو العسكرية كان بينها إنشاء قوة أمنية موحدة لمحاربة الإرهاب.
وتسعى هذه التأشيرة الموحدة إلى تسهيل حركة المواطنين، وإنعاش الاقتصاد، وتعزيز التعاون بين دول تحالف الساحل. لكن في ظل التحديات الأمنية المتفاقمة، أثيرت تساؤلات ومخاوف بشأن لعل أبرزها هل ستصبح هذه التأشيرة أداة لتنمية المنطقة، أم أنها قد تتحول إلى ثغرة تُستغل من قبل الجماعات المسلحة والشبكات الإجرامية؟
وبين الطموح إلى وحدة إقليمية، والتخوف من التداعيات الأمنية، تجد دول الساحل نفسها أمام معادلة صعبة: كيف يمكن تحقيق حرية التنقل دون التنازل عن أمن الحدود؟
التطبيق صعب
أستاذ القانون الدولي في المعهد الكاثوليكي بيير إيمانويل ديبون قال لـ"العين الإخبارية" إن استمرار عدم الاستقرار الأمني في هذه البلدان الثلاثة يثير تساؤلات حول مدى إمكانية تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع.
فالتأشيرة المرتقبة يمكن أن تعزز حرية التنقل والتبادل الاقتصادي والتعاون الإقليمي، لكنها قد تصبح أيضًا وسيلة تُستغل من قبل الجماعات المسلحة الناشطة في المنطقة، ولذلك، فإن إنشاء نظام متين لمراقبة الحدود وتتبع عمليات الدخول والخروج يعد أمرًا ضروريًا لضمان أن تحقق هذه التأشيرة هدفها في تعزيز التكامل دون الإضرار بالأمن، وفق ديبون.
وأكد أن المناقشات الجارية ستحدد ما إذا كان هذا المشروع سيشكل رافعة للتنمية، أم أنه سيؤدي إلى تفاقم التحديات الأمنية في المنطقة.
من جانبه، يرى الدبلوماسي الفرنسي السابق لدى دول الساحل الأفريقي نيكولا نورماند لـ"العين الإخبارية"، أن "تأشيرة ليبتاكو" تمثل خطوة طموحة نحو تعزيز التكامل الإقليمي بين دول الساحل، لكن نجاحها مرهون بتوافر إطار قانوني وأمني صارم.
ويتطلب إقرار تأشيرة موحدة بين دول تشهد اضطرابات أمنية آليات رقابة فعالة وتعاوناً استخباراتياً مكثفاً، وفق نورماند الذي أوضح أنه بدون ذلك، قد تتحول هذه المبادرة من فرصة لتعزيز التجارة والتنمية إلى نقطة ضعف تُستغل من قبل الجماعات المسلحة والعناصر الإجرامية.
ولم تخل تجربة منطقة شينغن في أوروبا رغم نجاحها من التحديات الأمنية، مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة بوركينا فاسو ومالي والنيجر على تأمين حدودها مع الحفاظ على انسيابية التنقل، بحسب الدبلوماسي الفرنسي السابق.
وأكد أن "الرهان الأساسي يكمن في تحقيق التوازن بين الانفتاح الاقتصادي ومتطلبات الأمن القومي".
تحديات أمنية
ورغم الفوائد الاقتصادية المحتملة لفكرة التأشيرة الموحدة، فإنها تواجه عقبة كبيرة تتمثل في حالة عدم الاستقرار الأمني التي تعاني منها المنطقة، فبوركينا فاسو ومالي والنيجر تواجه تهديدات متزايدة من قبل الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية العابرة للحدود.
وفي هذا السياق، قد تؤدي إزالة القيود على التنقل إلى تسهيل تحركات العناصر التي تهدد استقرار هذه الدول، ما يستوجب تحقيق توازن بين فتح الحدود وتعزيز إجراءات الرقابة.
ومن الحلول المطروحة إنشاء نظام رقمي متطور لمتابعة الدخول والخروج، مع تبادل المعلومات الأمنية بين الأجهزة المختصة في الدول الثلاث. ويكمن التحدي في ضمان عدم تحول "تأشيرة ليبتاكو" إلى نقطة ضعف تُستغل من قبل الجهات المعادية، وفق الدبلوماسي الفرنسي السابق.
فيما يرى نورماند أن نجاحها سيعتمد إلى حد كبير على التدابير الأمنية المصاحبة لها، موضحاً أنه من الضروري إيجاد توازن بين تسهيل التنقل وضمان السيطرة الفعالة على الحدود، حتى لا يتحول المشروع إلى عامل يفاقم التحديات الأمنية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
وتابع:" بالتالي، فإن مستقبل هذه المبادرة مرهون بمدى قدرة الحكومات على تكييف استراتيجياتها مع الواقع الميداني، من خلال الجمع بين الابتكار التكنولوجي والتعاون الإقليمي الفعّال".
ويأتي هذا الاجتماع الأمني بعد أيام قليلة من إطلاق جواز السفر البيومتري المشترك لتحالف دول الساحل في 29 يناير/كانون الثاني، ووفقًا لما ذكره وزير الأمن والحماية المدنية المالي، الفريق داود علي محمدين، فإن مشروع التأشيرة الموحدة يأتي في إطار استكمال عملية توحيد وثائق السفر التي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.