في السنوات الثلاث الماضية، شهدت منطقة الساحل تغييراً كبيراً في مشهدها الجيوسياسي، فكان تشكيل تحالف دول الساحل، الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بمثابة نقطة تحوّل، أعاد تشكيل المنطقة وأدّى إلى ظهور تحالفات وتوترات جديدة.
ويقدّم تحالف دول الساحل، الذي ينحاز إلى روسيا، نفسه كقوة موازنة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي تحافظ على علاقات ودّية مع فرنسا.
وعلى الرغم من أن هذه التحالفات تمثل اختلافات ملحوظة، فإن من المتوقع مع مرور الوقت أن يتم التوصل إلى اتفاقيات وتنازلات. وتستند هذه التوقعات إلى حقيقة مفادها أن حدود الساحل تشترك مع 11 دولة، حيث ستتغلب المصالح الاقتصادية والجغرافيا على الخلافات الجوهرية بين التحالفين.
وبالإضافة إلى الأسباب الأولية لتشكيله، فإن بلدان تحالف دول الساحل تشترك في الحدود مع خمس دول لا تنتمي إلى التحالف المذكور، مما يؤكد ضرورة إعادة هيكلة هذا التحالف. وينفذ تحالف دول الساحل بالفعل عمليات عسكرية مشتركة، مثل العملية الأخيرة في كيدال بمالي، التي شاركت فيها مالي والنيجر وبوركينا فاسو بالتعاون مع القوات الروسية.
لقد حدث مؤخراً تعديل كبير في العلاقات بين الجزائر ومالي. إن قلق الجزائر بشأن التطورات السياسية ومكافحة الإرهاب في مالي، خاصة منعها من التأثير على حدودها الجنوبية الممتدة بطول 1300 كيلومتر، تسبب في خطأ دبلوماسي أدّى إلى ضرورة إعادة النظر في اتفاق الجزائر الذي رعته منذ عام 2015 من أجل الحفاظ على السلام الهش في شمال مالي.
إن الوضع الحالي، مع الحكومة الانقلابية الجديدة، وزيادة النشاط الإرهابي، وميل مالي نحو روسيا، دفع باماكو إلى السعي لبلورة اتفاق سلام خاص بها، مع ما يترتب على ذلك من مراعاة مصالح الآخرين.
ونشأت التوترات بين مالي والجزائر عندما استقبلت الأخيرة إمام جماعة كونتيا في مالي، محمود ديكو، دون التنسيق مع الحكومة المالية. ورغم أن الأمر بدا في البداية وكأنه ضرر لا يمكن إصلاحه، مما دفع البلدين إلى استدعاء سفيريهما، فإن المهارة الدبلوماسية للدولتين أعادت ضبط الأمور، على أمل زيارة مرتقبة للرئيس المالي إلى الجزائر.
وكدليل على رغبة باماكو في الحفاظ على علاقات جيدة مع جيرانها، جاء الاجتماع الأخير بين مالي وموريتانيا والسنغال للتخطيط للعمليات العسكرية في عام 2024. ويظهر هذا الاجتماع، الذي عقد في 11 يناير/كانون الثاني الجاري في تامباكوندا (السنغال)، الالتزام المستمر من جانب مالي وموريتانيا والسنغال لتنسيق الجهود في شؤون الأمن والدفاع. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاجتماع يأتي بعد اجتماعات مماثلة سنة 2022 في موريتانيا وفي 2023 في مالي، مما يعزز التعاون الإقليمي المستمر.
التحالفات والارتباك المحتمل
وخلال تغيير السيناريو الذي نشهده، من الضروري تجنّب الخلط بين تحالف دول الساحل الجديد وكيان سابق يسمى تحالف الساحل، الذي تأسس في عام 2017. والهدف الرئيسي لهذا الأخير هو التعاون الدولي لتعزيز ودعم مبادرات التنمية في منطقة الساحل، بمشاركة دول غربية وكيانات مالية مثل بنك التنمية الأفريقي، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنك تنمية غرب أفريقيا، بالإضافة إلى البنك الدولي. ويواصل تحالف الساحل العمل بمشاريع طويلة الأمد، على ما يبدو دون التدخل في الشؤون الداخلية لأعضاء تحالف دول الساحل.
في المقابل، واجهت مجموعة بلدان الساحل الخمس (جي5)، التي تم إنشاؤها في عام 2014، تحديات كبيرة بعد التعديلات التي طرأت مع ظهور تحالف دول الساحل. وأعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو عن انسحابها من منظمة بلدان الساحل الخمس التي كانت لها مهمة مزدوجة: الأولى عسكرية لمواجهة تقدّم الإرهابيين والثانية للتعاون في تنمية منطقة الساحل.
إن الخلط بين المشاريع غير العسكرية لمجموعة الساحل الخمس ومشاريع تحالف الساحل أمر متوقع، نظراً لأن كليهما يشتركان في أهداف التنمية. ومع ذلك، تواجه مجموعة بلدان الساحل الخمس، بمكونها العسكري المبدئي، صعوبات بسبب مشاريع التنمية الاجتماعية التي لا تزال قيد التطوير وعزمها الثابت على عدم التورط في قضايا الدفاع الوطني.
ويزداد التعقيد مع إنشاء "مؤسسة بلدان الساحل الخمس" من قبل أعضاء تحالف الساحل. ويتميز هذا الكيان، الذي يتولّى مهمة مماثلة لتحالف الدول الغربية، بالنفوذ الألماني الملحوظ وإدارة سبعة مشاريع في مجال التنمية، مدعومة بمساهمات مالية كبيرة تصل إلى عشرات الملايين من اليوروهات.
الاستنتاجات
لقد ولّدت الاتفاقيات والتحالفات الجديدة في منطقة الساحل سيناريو معقداً ومتغيراً؛ فرغم أن تحالف دول الساحل، يمثل بتحالفه مع روسيا، قوة جديدة في المنطقة، يمكن أن تتحدّى الوضع الراهن القائم، فإنه من المرجح أن تتراجع الخلافات بين التحالفات المختلفة بمرور الوقت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة