فرنسا والنيجر.. «خروج إجباري» ينهي مقاربة الغرب ضد الإرهاب بالساحل
خروج فرنسا مرغمة من النيجر يطوي صفحة النموذج الغربي في مكافحة الإرهاب بساحل أفريقيا، ويمهّد الطريق أمام مواجهة غير واضحة المعالم.
اليوم الجمعة، غادر آخر الجنود الفرنسيين الـ1500 الذين كانوا منتشرين في النيجر، في ختام تجاذب طويل بين باريس والمجلس العسكري في نيامي أعقب انقلاب يوليو/تموز الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.
وإضافة إلى الانسحاب العسكري أكدت مصادر دبلوماسية، الخميس، أن فرنسا قررت إغلاق سفارتها في النيجر.
وقال الأستاذ في جامعة الأخوين في المغرب جليل لوناس إن خروج العسكريين مؤشر على "فشل، هو نهاية الانخراط الفرنسي في الساحل"، مضيفا أن "هذه نهاية التدخلات الكبيرة".
ويعود الوجود الفرنسي إلى عام 2013، ونشرت باريس ما يصل إلى 5500 عسكري في إطار عملية "برخان" بالتعاون مع القوات المسلحة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وانضمت إليها قوات خاصة أوروبية، ونالت دعما استخباريا ولوجستيا من واشنطن انطلاقا من قاعدة أمريكية في نيامي.
لكن الأنظمة العسكرية التي انبثقت بعد انقلابات عسكرية متتالية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، طلبت مغادرة الفرنسيين، ما يعكس تراجعا كبيرا للنفوذ الغربي في هذه المنطقة.
وتتطلب عمليات مكافحة الإرهاب اتفاقات ثنائية خصوصا مع ألمانيا وإيطاليا.
وقال الباحث في المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن دينيس تول لوكالة فرانس برس إنه بالنسبة للأوروبيين، فإن "الانخراط العسكري يُختصر بالتعاون العسكري والأمني، مرورا بالتجهيزات والتدريبات.. إلخ".
روسيا حاضرة
وتساءل الخبير "هل يريد الأوروبيون وهل يرغبون في إقامة علاقات مع الأنظمة (العسكرية) القائمة؟ لا إجماع على ذلك".
أما بالنسبة للولايات المتحدة فالمهام التي تمّ تأديتها على مدى الأعوام الماضية ستكون موضع مراجعة.
وأوضح الباحث أن "غالبية الجهود الأمريكية في النيجر كانت لدعم ما تقوم به فرنسا".
ومن منظور قانوني لا يمكن لواشنطن التعاون أمنيا مع أنظمة عسكرية، وفي حين لم تتخذ بعد قرارا بإغلاق قاعدة الطائرات المسيّرة العائدة لها في النيجر وسحب جنودها الـ1500 المنتشرين فيها، فإن "الفائدة من هذه المساعدة ستكون ضعيفة ولن تكون في أية حال من الأحوال بدلا لتلك التي كانت تقدّمها فرنسا".
وفي ظل ذلك ستصبح روسيا الطرف الخارجي الوحيد، إذ إن مجموعة فاغنر الموجودة في مالي باتت هدفا لعمليات من المجموعات الإرهابية.
وتجري فاغنر بدورها عملية إعادة هيكلة منذ تمرّدها الفاشل على القيادة العسكرية بموسكو في يونيو/حزيران الماضي ومقتل زعيمها يفغيني بريغوجين، في تحطم طائرة قرب العاصمة الروسية بعدها بأشهر.
وتحافظ روسيا على وجودها الميداني في أفريقيا، ويوجد عشرات المدرّبين العسكريين الروس في العاصمة البوركينية واغادوغو، على الرغم من أن السلطات لا تؤكد ذلك رسميا، كذلك تمّ مؤخرا توقيع اتفاق شراكة روسي-نيجيري لم تكشف تفاصيله.
لكن خبراء يستبعدون أن تتمكن "فاغنر، مع بضع مئات من الرجال، من التأثير ما لم تقم الجيوش المحلية" بدور أساسي.
مفاوضات؟
جليل لوناس عاد ليقول إن مستقبل المنطقة سيتحدد بناء على المواجهة بين تنظيمي القاعدة وداعش من جهة، والأنظمة العسكرية التي أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي تشكيل "تحالف دول الساحل"، متعهدة من خلاله مكافحة الإرهاب والإيفاء بـ"واجب المساعدة والإغاثة" ضد أي اعتداء.
وأبدى مدير مشروع الساحل في "مجموعة الأزمات الدولية" جان-إيرفيه جيزيكيل خشيته من إغفال الجوانب السياسية في عملية مكافحة الإرهابيين بالساحل.
وأشار الى أن أنظمة المنطقة "تستثمر كثيرا في الردّ العسكري (على هذا التهديد)، هذه كانت المشكلة على مدى العقود الماضية، وتزداد حدّة" حاليا.
ويمكن للمفاوضات مع الإرهابيين أن تنتج بارقة أمل، وهو ما كان غير ممكن مع الغربيين.
وأشار الباحث في "14 نورث ستراتيجيز" مايكل شوركين إلى أنه خلف الخطاب الصارم للأنظمة "يتم عمليا ملاحظة بعض الانفتاح هناك وهناك، بشكل غير رسمي".
وأضاف أنه في حال "اقتنعت الأنظمة بأن الحوار قد يكون وسيلة مكمّلة ستكون في حوزتها أوراق" للمناورة.
وشدد على أنه إضافة لمبادرات وطنية ومحلية "يمكن توقع مفاوضات مشتركة مع الدول الأعضاء في تحالف الساحل. لكن ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك".
aXA6IDE4LjIyNi4yMDAuOTMg
جزيرة ام اند امز