دعم جهود البيئة والمناخ.. خبراء يكشفون الدور الاستراتيجي للأمم المتحدة

تلعب الأمم المتحدة دوراً محورياً في دفع عجلة العمل المناخي والبيئة، كيف ذلك؟
في أكتوبر/تشرين الأول من العام 1945، انطلقت الأمم المتحدة من سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بهدف إنهاء الحروب، وتعزيز السلام والعدالة وتوفير حياة أفضل للبشر حول العالم. وقد تنوعت القضايا التي اهتمت بها الأمم المتحدة، من ضمنها القضايا البيئية؛ خاصة مع تسارع التغيرات المناخية التي تسببت في خسائر اقتصادية وأضرار بشرية جسيمة، وهنا ظهرت الحاجة لدعم مناخ الأرض.
أهم جهود الأمم المتحدة لدعم البيئة والمناخ
هناك العديد من المنظمات والكيانات والمنظومات والمعاهدات القوية التي أُنشئت تحت مظلة الأمم المتحدة، والتي تهتم بقضايا البيئة والمناخ، نذكر منها:
1- اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)
وهي معاهدة دولية انبثقت من قمة الأرض من ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992، وتهدف إلى دعم القضايا المناخية وإيقاف التدخلات البشرية المتسببة في تسارع التغيرات المناخية، وتُعد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ هي المعاهدة الأم لبروتوكول كيوتو واتفاق باريس.
من جانبه، يُوضح الدكتور "هشام عيسى"، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لـ"العين الإخبارية"، قائلًا عن الاتفاقية إنها "هي الكيان المركزي، تشرف على مؤتمرات الأطراف (COPs) وتتابع تنفيذ اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو". وبحسب الدكتور "جواد الخراز"، مدير الشبكة المتوسطية للطاقة النظيفة والمدير التنفيذي السابق للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE)؛ فإنّ الاتفاقية "تُدير عملية COP، حيث أدى إلى تبني اتفاقية باريس في 2015، التي حددت هدف الحد من الاحترار إلى أقل من 2 درجة مئوية، ودعم تقديم NDCs الجديدة في 2025 لـ77% من الانبعاثات العالمية".
2- الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)
وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، أُنشئت في عام 1988 بواسطة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، بهدف تقييم المعلومات والبيانات المتعلقة بالتغيرات المناخية، ومنذ انطلاقها، تُقدم تقارير دورية توضح التطورات في التغيرات المناخية، ما يساعد صناع القرار والمفاوضون في السياسات المناخية في استيعاب الصورة كاملة.
ويشرح الدكتور "هشام عيسى" للعين الإخبارية دور الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في دعم قضية المناخ، قائلًا إنها "ذراع العلمي، تقدم تقارير دورية (تقييمات) توضح حالة المناخ، مسارات الانبعاثات، والآثار المحتملة وتعتبر تقاريرها هي المرجع الأساسي لصنّاع القرار". ويرى الدكتور "جواد الخراز" أنّ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "تُقدم تقارير علمية حاسمة، مثل التقرير السادس (2021-2023) الذي أكد الحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول 2030، مما أثر على سياسات دولية وأدى إلى زيادة الاستثمارات في التكيف".
3- برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)
في يونيو/حزيران 1972، تأسس برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة لعام 1972 في ستوكهولم بالسويد، وهو أول مؤتمر عالمي يهتم بقضية البيئة ويضعها في مركز القضايا العالمية. ويهتم البرنامج بمراقبة البيئة ووضع السياسات وتنسيق الاستجابات البيئية، وفي عام 2012، رفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة عضوية البرنامج.
ويقوم البرنامج بالعديد من الأدوار، يوضح منها الدكتور "هشام عيسى" للعين الإخبارية: "يصدر "تقرير فجوة الانبعاثات" (Emissions Gap Report) سنويًا. كما يقود مبادرات التمويل الأخضر، والتكيف، والطاقة النظيفة حيث أصدر المبادرة التمويلية الخضراء ( UNEP.FI) والتي بدأت توجه التمويل الدولي إلى مسارات مستدامة وخضراء".
كما يُطلق البرنامج كل عام "تقرير فجوة التكيف" (Adaptation Gap Report)، ويُضيف الدكتور "جواد الخراز"، قائلًا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) للعين الإخبارية إنه: "يدعم التحولات منخفضة الكربون، وأطلق مبادرات مثل "Climate Promise 2025" لمساعدة 125 دولة نامية في تحديث NDCs، ما ساهم في تقليل الفقدان والضرر المناخي من خلال آليات التمويل والتكيف".
4- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)
تأسس "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" (UNDP) في عام 1966، ويهدف إلى دعم القضايا التي تركز على تعزيز التنمية المستدامة، وتوفير فرص العمل، إضافة إلى دوره في حماية البيئة.
ويساهم البرنامج أيضًا في دعم القضايا المناخية، ويوضح ذلك الدكتور "هشام عيسى"، قائلًا للعين الإخبارية إنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "يساعد الدول النامية في إعداد وتنفيذ خططها الوطنية للمناخ، مثل: المساهمات المحددة وطنيًا، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد ودعم مشاريع التكيف".
ويوضح الدكتور "جواد الخراز"، قائلًا إنّ البرنامج "يركز على التنفيذ الميداني، حيث ساعد في بناء قدرات الدول للطاقة النظيفة والمرونة، مما أدى إلى مشاريع تقلل الانبعاثات في الدول النامية بنسبة تصل إلى 30%".
5- منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)
تأسست منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) عام 1966، بهدف تعزيز الصناعة في البلدان النامية، وتوسعت أنشطتها بمرور الوقت، وفي عام 2013، شمل نطاقها تعزيز التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة عبر تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.
ويوضح الدكتور "جواد الخراز" للعين الإخبارية دور اليونيدو قائلًا إنها "تركز على تسريع التحول الصناعي المستدام، من خلال استراتيجيتها لتغير المناخ وخطة عملها لـ2025-2029، التي تدعم خفض الانبعاثات الصناعية عبر برامج مثل الابتكار في التكنولوجيا النظيفة العالمية (GCIP) الذي يستهدف دعم 1,250 شركة صغيرة ومتوسطة بحلول 2025، مما يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة المباشرة، بالإضافة إلى استثمارات بقيمة 51 مليون دولار في 2024 لمشاريع الكفاءة الطاقية واستبدال المواد الضارة".
6- صندوق المناخ الأخضر (GCF)
أُنشئ "صندوق المناخ الأخضر" (GCF) في عام 2010، بموجب اتفاقيات كانكون، بهدف أن يكون الصندوق هو الآلية المالية الرئيسية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ويهدف ذلك الصندوق إلى دعم الدول النامية في جهود التخفيف من آثار التغيرات المناخية وتحقيق التكيف.
ويرى الدكتور "هشام عيسى" أنّ الصندوق بمثابة "ذراع التمويل المناخي الرئيسي التابع لاتفاقية المناخ، ويدعم مشروعات التكيف والتخفيف في الدول النامية".
7- مرفق البيئة العالمي (GEF)
أُنشئ مرفق البيئة العالمي (GEF) في عام 1991، بهدف تعزيز التنمية المستدامة، وصار آلية مالية دائمة ومستقلة للاتفاقيات الدولية الرئيسية للبيئة في العام التالي 1992 خلال قمة الأرض في ريو دي جانيرو. وهو يعني بجمع التمويل لدعم وحماية مجالات عديدة في الدول النامية مثل: التغيرات المناخية والتنوع البيولوجي واستنفاذ طبقة الأوزون والمياه الدولي.
ويرى الدكتور هشام عيسى أنّ مرفق البيئة العالمي "يعد من أهم مبادرات التمويل البيئي التي ترتبط بعمل الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية".
تقدم ملموس.. أم ماذا؟
ما زال التغير المناخي في حالة تسارع، وترتفع درجات الحرارة العالمية عامًا بعد عام. مع ذلك، لا شك في أنّ جهود الأمم المتحدة لدعم قضية التغيرات المناخية لم تذهب هباءً.
ويقول الدكتور "جواد الخراز" للعين الإخبارية: "نعم، ساهمت منظمات الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ بشكل ملموس في تعزيز العمل المناخي العالمي، من خلال بناء الإطار القانوني، توفير البيانات العلمية، ودعم الدول في التنفيذ، رغم التحديات مثل الفجوات في التمويل والتنفيذ".
وعلى الرغم من أنّ الدكتور "هشام عيسى" يرى أنّ منظمات الأمم المتحدة لعبت دورًا رئيسيًا في بناء الإطار الدولي للعمل المناخي، وبدونها كان من الصعب وجود اتفاقيات ملزمة أو حشد عالمي، إلا أنه يوضح أنها "لم تحقق بعد تقدّمًا بالقدر الكافي لخفض الانبعاثات بما يتماشى مع أهداف اتفاق باريس". مع ذلك، يُضيف عيسى بأنّ "أهم إنجازاتها كان في توحيد الرؤية العالمية، صياغة اتفاق باريس 2015، ودعم الدول في إعداد المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs)، إضافة إلى متابعة التنفيذ عبر تقارير الشفافية".
ويقول الخراز للعين الإخبارية: "وفقاً لتقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2025، ساعدت هذه المنظمات في دفع الالتزامات الوطنية (NDCs) لأكثر من 190 دولة، مما أدى إلى تقليل متوقع للانبعاثات بنحو 1.5 غيغاطن من CO2e بحلول 2035، بالإضافة إلى تعزيز التمويل المناخي إلى 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول 2035 كما اتفق عليه في COP29. هذه الجهود أدت إلى نمو الطاقة المتجددة بنسبة 50% في 2023، وخلق ملايين الوظائف في الاقتصاد الأخضر".
بينما يختتم عيسى قائلًا للعين الإخبارية: "لكن عند تقييم النتائج، نجد أن الانبعاثات لا تزال في مسار تصاعدي، ما يعني أن التقدم ملموس على مستوى الإطار المؤسسي والالتزامات، لكنه محدود على مستوى الأثر البيئي الفعلي ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من الاتفاق الدولي على أهمية القضية واجتماعات الأطراف سنويًا تحت مظلة الأمم المتحدة يجعل دائما المناخ على أجندة المجتمع الدولي إلا أنّ هناك عوامل تعوق أن تصبح القرارات ملزمة للدول أهمها نظام التصويت على القرارات الذى هو بالإجماع، وبالتالي من الصعب جدًا توافق نحو 200 دولة على قرارات ملزمة، لأنّ المصالح السياسية والتحالفات الإقليمية تلقى بظلالها الالتزام بمقررات يمكن تنفيذها".