سجل الرئيس الأمريكي جو بايدن فقير لدرجة أن فوزه بانتخابات 2024 يتطلب معجزة، من قبيل ألا يبقى في منافسته أحد وساعتها فقط سيفوز.
الشيء الأكثر أهمية الذي دفع الرئيس بايدن إلى طلب إعادة ترشيحه، هو الاعتقاد بأنه لا يزال "لديه عمل عليه أن يُكمله". ابحث عن هذا العمل، فلن تجد أكثر أهمية من العودة إلى منافسة دونالد ترامب.
العداء بين الرجلين صار شخصيا إلى حد بعيد. ومثلما لم يهمل ترامب مناسبة لتكرار مزاعمه بأن الانتخابات سُرقت منه، فإن بايدن لم يعد يرى عدوا ينشغل بمحاسبته ويقلق عليه منامه أكثر من ترامب.
الرئيس السابق لا يزال يحظى بدعم قاعدة واسعة بين الجمهوريين. وما لم يتمكن منافس قوي له، مثل حاكم فلوريدا رون دي سانتس، من التغلب على لغة ترامب المهينة والساخرة، فإن نجاحه في كسب ترشيح الحزب الجمهوري يبدو أمرا محتملا.
يعرف كل خصوم ترامب الجمهوريين أنهم بحاجة إلى التضامن مع بعضهم البعض لكي يتغلبوا على تلك القاعدة، إلا أن المسافات بينهم جلية إلى درجة لا تبيح الكثير من التفاؤل، كما يمنعهم الخوف أيضا من تحديه. لا سيما وأن ترامب جرب تهديدهم في مقاعدهم في الكونغرس أو في حاكمية الولايات التي يسيطرون عليها.
إلا أن ذلك لا يعني أن ترامب لا يُصغي إلى أحد ممن يرغبون بطي صفحة الانتخابات السابقة وإعادة الحزب الجمهوري إلى سكة العمل. ومثلما يجرؤ ترامب على تهديدهم، فإنهم يجرؤون على تهديده بالخسارة أيضا.
منافسة ترامب هي أهم ما بقي لدى بايدن من عمل. ولكن تغيب عنه حقيقة أنه لم يقدم الكثير لمنصبه. وهو ما لا يوفر زخما للفوز به من جديد. الاقتصاد يتحرك ببطء شديد. معدلات الفائدة العالية تحد من النمو. والتضخم ما زال بعيدا عن السيطرة. وفرص العمل التي أتيحت بعد سنتين من إغلاقات وباء كورونا بدأت تسجل تراجعا.
إدارة بايدن تفقد السيطرة الاستراتيجية في أرجاء عدة من العالم، ليس الشرق الأوسط سوى جانب منها. عمليا، صارت دول هذه المنطقة هي التي تمسك زمام المبادرة الاستراتيجية، لتصنع خيارات ومعادلات وتوازنات إقليمية جديدة ليس للإدارة الأمريكية نفوذ جاد فيها.
هذا منعطف كبير، يوازي في أهميته المنعطف في العلاقات مع الصين. خيارات الولايات المتحدة تضيق هناك إلى درجة أن استراتيجيتها لاحتواء الصين لم تنجح حتى مع أقرب حلفائها، مثل فرنسا وألمانيا، اللتين تريان أن الصين باتت أكبر من أن تُقاطع أو أن يُضيّق عليها الخناق.
أما الحرب في أوكرانيا، فإنها تدور في حلقة مفرغة. صحيح أنها تشكل مصدرا لاستنزاف روسيا، إلا أنه استنزاف متبادل أيضا. وبينما تكسب الصين أكثر كلما ضعفت روسيا، فان أحدا لا يكسب عندما يضعف الطرف الآخر، ولا حتى الولايات المتحدة نفسها، وذلك برغم كل ما تجنيه من عائدات الأسلحة. وبينما أن هناك تكاملا يزداد قوة بين الصين وروسيا، فإن المنافسة المريرة هي التي تحكم العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
ماذا بقي للرئيس بايدن لكي يعمله؟
المسار الراهن إذا كان يوحي أنه بحاجة إلى معجزة لكي يفوز، فإن المعجزة لن تأتي إلا من جهة واحدة هي أن يتمزق الجمهوريون، إذا ما عاد ترامب ليكون هو مَنْ يقف على رأس المنافسة.
انسحاب مايك بومبيو من حلبة المنافسة، مؤشر مهم. ليس لأنه لا يريد أن يدخل في صراع مع أحد على قاعدة جمهورية منقسمة، ولكن لأنه لا يريد لهذه القاعدة أن تنقسم من الأساس. وهو ما يسعى إليه كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب. كلا الرجلين يعرفان كلفة الانقسام الباهظة. والكلفة هي أن يبقى بايدن رئيسا على الفشل نفسه لأربع سنوات أخرى.
لا يبدو أن انسحاب ترامب لصالح دي سانتس أمرا محتملا. ولكن أمام الحاجة إلى الامتناع عن توفير معجزة مجانية لبايدن، فإن المعجزة الأخرى تظل احتمالا ممكنا. وهي أن يذهب الجمهوريون إلى الوقوف خلف مرشح واحد، لضمان وحدة قاعدتهم.
فوز المرشح الجمهوري سوف يوفر لترامب مهربا سهلا من كل الملاحقات القضائية التي تهدده. ولكن هذا ليس هو الجزء الأهم من الفائدة.
الفائدة الأهم هي أن تخرج الولايات المتحدة من فوضى التنازع بين ترامب وبايدن، بالتخلص منهما معا، لكي تلتفت إلى ما اختل في الاقتصاد وضاع من المصالح الاستراتيجية.
كل هذا، من دون الحاجة إلى النظر في عمر الرئيس بايدن أصلا. بطء قدرته على الحركة، قد لا توازي بطء قدرته على التفكير. إلا أنه بين قيلولة وأخرى، لن يستطيع إنجاز الكثير من العمل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة