تدخل تركيا مرحلة مفصلية قبل إجراء الانتخابات 14 مايو، ستشهد منافسة شرسة بين مرشح المعارضة وزعيم حزب الشعب الجمهوري "كمال كليشدار أوغلو"، والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ممثل حزب العدالة والتنمية، وسط تحولات اقتصادية وإنسانية صعبة تمر بها البلاد.
يقود الرئيس أردوغان "تحالف الجمهور"، من ستة أحزاب بقيادة حزب العدالة والتنمية (AKP) لإعادة انتخابه، في وضعية غير مريحة بعد تراكم الأزمات الاقتصادية، من تداعيات جائحة كورونا، والكوارث الطبيعية، لا سيما حرائق الغابات والفيضانات، والزلزال المدمر الذي أصاب تركيا وسوريا، ما زاد مشاكل انهيار الليرة التركية ومستويات التضخم تعقيدا، وجعل حلول الأزمة الاقتصادية مفتاحا للفوز بالانتخابات. ولهذا، شككت حملة الحزب الحاكم في امتلاك المعارضة رؤية استراتيجية، تبقي تركيا في مسار القيادة العالمية.
شكلت المعارضة "تحالف الأمة" من ستة أحزاب، بقيادة حزب الشعب الجمهوري (CHP)، في جبهة موحدة وضعت "كليشدار أوغلو" في موقع جيد، بحسب استطلاعات الرأي، ليحصل على الأصوات الانتخابية المؤيدة للأكراد، والتي تشكل نحو 10% من الناخبين الأتراك، والأصوات المؤيدة لتحالف العمل والحرية، القوة السياسية الثالثة في تركيا، حيث تعهد "كليشدار أوغلو" بإنهاء الملاحقات القضائية للسياسيين، وإخراج المحكومين على ذمة قضايا سياسية.
التاريخ يكرر نفسه من جديد، فقد فاز الرئيس أردوغان بالسلطة في انتخابات 2002، بسبب سوء الحالة الاقتصادية وتداعيات زلزال مدينة أزميد، الذي أودى بحياة 17 ألف شخص، فاختار الشعب التركي حينها حكومة جديدة، واليوم يعاد المشهد بصورة متشابهة، في ظل سوء الحالة الاقتصادية، وتأثيرات زلزال 6 فبراير الماضي، الذي تجاوزت أرقام الضحايا به 50 ألف شخص، وسط انتقادات إن كانت التدابير الوقائية كافية، في مناطق الزلازل المعروفة، وفاتورة ضخمة لإعادة الإعمار، تزيد على 150 مليار دولار.
مرت تركيا الحديثة بعدة تحولات في دورة الحياة السياسية، منذ حكم حزب أتاتورك العلماني في مواجهة العثمانيين، خلال حقبة الثلاثينات والأربعينيات، والحزب الديمقراطي في الخمسينيات، ثم موجة الأحزاب اليسارية في الستينيات، وأحزاب يمين الوسط في السبعينيات والثمانينيات، والتحالفات الثلاثية الحاكمة في التسعينيات، وأخيرا الإسلام السياسي.
قدم حزب العدالة والتنمية، منذ ظهوره، مشروعا تنمويا اقتصاديا ظهرت نتائجه سريعا، حين قفز الاقتصاد التركي من المرتبة 27 إلى 16 عالميا، بمعدل تنموي وصل إلى 10% عام 2011، وعوائد اقتصادية هائلة في مجالات الصناعة والسياحة. ولكن الوضع تغير تماما منذ 2015، حين بدأ تباطؤ الاقتصاد وعاد التضخم تدريجيا، لتخسر الليرة أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار، وتعود مستويات المعيشة والفقر، لمستويات عام 2002.
قامت تركيا في سبيل تحسين الظروف الاقتصادية، بتغيير شامل في سياستها الخارجية خلال العامين الماضيين، نحو سياسة تصفير الأزمات، وتحسين العلاقات مع إسرائيل ومحور الاعتدال العربي، المتمثل في الإمارات والسعودية ومصر، بالإضافة لسوريا، واستذكر مقالي بعنوان: "التقارب بين أنقرة ودمشق" بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2022 - جاء فيه "شروط دمشق للمصالحة، ستتضمن انسحاب تركيا من المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري، فيما هناك ترقب سوري لنتائج الانتخابات المقبلة في تركيا، ما يفسر التأنّي وتأجيل القرار السياسي، بشأن مفاوضات التقارب بين البلدين".
ويعتمد الرئيس أردوغان في حملته الانتخابية على شعار "الوقت المناسب، الرجل المناسب للقرن التركي"، وتسليط الضوء على إنجازاته خلال 21 عاما في السلطة، لا سيما البنية التحتية وبناء صناعات قوية، وأطلق تزامنا عددا من المبادرات، مرتبطة بالحد الأدنى للأجور وقانون التقاعد المبكر، وهي أمور تهدف لكسب الأصوات الانتخابية، ولكنها قد تواجه تساؤلات، إن كانت تكلفتها ستزيد تحدي التضخم صعوبة.
يملك الرئيس أردوغان قاعدة صلبة من المؤيدين، وفي حال إعادة انتخابه، أتوقع استمرار سياساته البراغماتية، لحاجة تركيا للاستثمارات الأجنبية، ويملك "كليشدار أوغلو" فرصة قوية، وحال فوز المعارضة، بتقديري ستغلق تركيا الملفات العالقة، وتتجه استراتيجيا نحو تحسين الاقتصاد، والاعتدال في سياساتها الداخلية والخارجية.
وبقي أن يقرر الأتراك المرشح المناسب، والقادر على تقويم الاقتصاد، وتحسين الظروف المعيشية للشعب التركي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة