القصة غير المروية.. كيف عصف التغير المناخي بالولايات المتحدة؟
أمريكا بصدد أكبر هجرة جماعية في تاريخها (عرض كتاب)
تئن الولايات المتحدة من عواقب التغير المناخي التي عصفت بآلاف الأسر وألقت بثقلها على مستقبل اقتصاد البلاد ومواردها وديموغرافيتها.
وعلى عكس التصور الماثل في أذهان العديد من الأمريكيين بأن مخاطر التغير المناخي هي أشياء ستحدث في المستقبل، كشف كتاب حديث صدر في الولايات المتحدة، عن أن البلاد تجرعت بالفعل كؤوسا مريرة نتيجة التغير المناخي الذي شرد آلاف الأسر ويهدد حاليا مصير 20 مليون شخص قد يندفعون إلى الهجرة على نحو فوضوي ومضطرب.
- المناخ.. رابح غير متوقع من الصراع بين أمريكا والصين (تحليل)
- هذه هي الدروس المستفادة من أزمة انهيار المصارف
والكتاب الذي تناول "القصص غير المروية" لمعاناة أمريكا من التغير المناخي، لفت إلى أن ثمة تغير اقتصادي هائل سيلحق بالبلاد جراء التغير في سوق التأمين ضد الكوارث الطبيعية والقطاع العقاري الذي يعد قطاعا قائدا في الاقتصاد الأمريكي.
الهجرة الكبرى
وأوضح الكتاب الذي صدر بعنوان: "النزوح العظيم: التغير المناخي والهجرة القادمة في أمريكا"، أن العقود القليلة الماضية، شهدت اضطرار الحكومة الفيدرالية لنقل عشرات الآلاف من العائلات بعيدًا عن مناطق الفيضانات، فضلا عن تحرك عشرات الآلاف من الأفراد من تلقاء أنفسهم في أعقاب الكوارث الطبيعية.
وحسب تقرير لمجلة "فورين أفيرز" حذر الكتاب الذي ألفه "جاك بيتل"، من أن الولايات المتحدة قد تشهد تحرك ما لا يقل عن 20 مليون شخص نتيجة تغير المناخ، أي أكثر من ضعف عدد الأشخاص الذين انتقلوا خلال فترة الهجرة الكبرى بأكملها.
والهجرة الكبرى في الولايات المتحدة حدثت خلال الفترة الممتدة من العام 1916 إلى العام 1970، شهدت انتقال 6 ملايين أمريكي من أصل أفريقي من المناطق الريفية في جنوب الولايات المتحدة إلى المناطق الحضرية في شمال وغرب الولايات المتحدة.
وعلى مدار الخمسين عامًا القادمة، سيُحاصر ملايين الأمريكيين في موجة النزوح الجديدة هذه، التي ستكون باتجاه الداخل وإلى الشمال فيما سيكون أكبر هجرة في تاريخ الولايات المتحدة.
انعكاس اقتصادي هائل
وحذر الكاتب "جاك بيتل" من أن أسواق التأمين والرهن العقاري قد بدأت بالفعل في التحول بالفعل لتعكس تصاعد مخاطر المناخ، مما يجعل الناس يخرجون من المناطق المحفوفة بالمخاطر.
وستظهر الآثار الاقتصادية التي تتجاوز مسألة الإسكان، إلى عمل الشركات بدءا من إمدادات الطعام وحتى الخدمات الترفيهية.
ويوضح بيتل في كتابه أن سياسة الحكومة وأوجه القصور في الأسواق الخاصة أدت إلى تفاقم مشكلة لا يمكن تجنبها الآن، ويتناول بعض التغييرات التي يجب إجراؤها، خاصة في أسواق الرهن العقاري والتأمين، والحاجة الملحة لخطة وطنية للتكيف مع مسألة تغير المناخ.
تداعيات اجتماعية
وقال تقرير المجلة الأمريكية عن بيتل أنه تمكن في كتابه من أن يمزج بسلاسة بين أسباب وعواقب تشرد الأمريكيين بسبب تغير المناخ مع سرد للروايات الشخصية التي غالبًا ما تدمي القلب.
وتحدث الكاتب عن حركة جماعية مدفوعة بالحرارة والفيضانات والسيول، معتبرا أن التأثير الهائل للانسحاب الاجتماعي بعيدا عن المناطق الجبلية ومناطق الأنهار المعرضة للفيضانات، والابتعاد عن سواحل المحيطات، وكذلك حرارة الصحراء، كل ذلك سيعيد تشكيل الجغرافيا الديموغرافية للولايات المتحدة.
وأوضح أن هذا التغيير يتضمن توجه المزيد من الأمريكيين إلى المناطق الحضرية، حيث يعيش حوالي 80% من المواطنين بالفعل.
وكتب بيتل أن "كل عام يمر يجلب الكوارث التي تشوه أجزاء جديدة من الولايات المتحدة، وهذه الكوارث تغير مسار حياة البشر، وتدفع الناس من مكان إلى آخر، فيدمرون المجتمعات القديمة ويمحون القرى التاريخية ويجبرون مجتمعات جديدة على الظهور، فيعيدون تشكيل جغرافية الولايات المتحدة.
قصص واقعية
ويتناول الكتاب القصة غير المروية لما يمكن تسميته "الهجرة المناخية" في الولايات المتحدة وذلك عبر القصص الشخصية لأولئك الذين عانوا من النزوح.
ويركز الجزء الأول من الكتاب على جزر فلوريدا كيز، "أول مجموعة من جزر الكناري المعرضة للخطر بسبب تغير المناخ".
وكتب عن قصة شخص يدعى باتريك اشترى بستانًا مهملاً وعدله ليصبح موردًا لثمار نادرة في الولايات المتحدة القارية. ثم جاء الإعصار إيرما عام 2017 حيث قرر باتريك وبعض الأصدقاء البقاء على الجزيرة وانتهى بهم الأمر بالاحتماء في مدرسة قريبة.
وفي حين نجوا إلا أن البستان تدمر تماما من جراء العاصفة.
وكتب بيتل أن "العديد من الجزر في الأرخبيل، وربما جميعها، يمكن أن تغرق تحت الماء تمامًا بحلول نهاية هذا القرن.. أكثر من أي مكان آخر في الولايات المتحدة"، ومن ثم فقد قرر بعض سكان كيز المغادرة.
أعاصير وحرائق
وقال بيتل في كتابه أن الأعاصير ليست الظواهر الجوية الوحيدة التي جعلها تغير المناخ أكثر تأثيراً. فقد ناقش في قسم آخر من الكتاب بلدات كاليفورنيا. وكتب أنه بعد حوالي شهر من تدمير إيرما لمنطقة البحر الكاريبي وفلوريدا، اندلع حريق في بلدة كاليستوجا.
وتسبب مزيج من الرياح العاتية والجفاف في تحول الحريق إلى حريق هائل وصل بسرعة إلى مدينة سانتا روزا.
ويعرض بيتل في كتابه قصة فيكي ومارك كارينو من بين سكان سانتا روزا الذين انهارت حياتهم بسبب حريق تابس. ويروى أن الزوجين كانا نائمين عندما اتصلت بهما ابنتهما وطالبتهما على وجه السرعة بالخروج وإخلاء المنزل؛ وفعلوا ذلك، وبعد أقل من عشر دقائق، اجتاحت العاصفة النارية منزلهم ودمرته. وفي حين رغبوا في إعادة بناء منزلهم في أعقاب الحريق، رأوا العديد من جيرانهم قد استعدوا للنزوح من المنطقة، تاركين الزوجين يشعرون "بالوحدة التامة، في مكان بات شبه مهجور.
وأسهب بيتل في استعراض العوامل التي تدخل في قرارات الناس بالبقاء أو المغادرة بمجرد أن تتأثر مناطق إقامتهم بتغير المناخ. ففي ولاية كاليفورنيا، أدت أزمة مخاطر الحرائق المتزايدة إلى انتقال العديد من السكان إلى نامبا بولاية أيداهو، كما أجبرت أقساط التأمين التي تزايدت بفعل مخاطر الطقس - الناس على الانتقال إلى أماكن أخرى، بما في ذلك مدن مثل بوفالو ونيويورك ودالاس بتكساس.
واستعرض بيتل روايات لأشخاص تغيرت حياتهم بسبب تغير المناخ - من الجفاف في أريزونا إلى التآكل الساحلي في خليج جنوب لويزيانا – قائلا: "ببساطة يقومون بحزم أمتعتهم وترك الأماكن التي أمضوا فيها حياتهم كلها وراءهم".
aXA6IDMuMTQuMjUxLjEwMyA= جزيرة ام اند امز