تاريخ مصر الاجتماعي في القرن الـ19 برسائل "نور على نور"

صاحبة الرسائل عاشت في أقصى صعيد مصر ودُفنت فيها وسط بسطاء الناس الذين عالجتهم حتى أطلقوا عليها الشيخة والست نور على نور.
قال الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن الرسائل مصدر مهم من مصادر التاريخ الاجتماعي، مشيراً إلى أن رسائل ليدي دوف جوردن، التي ترجمها الروائي المصري البارز إبراهيم عبدالمجيد، تغطي فترة مهمة من تاريخ مصر (1862- 1869).
وأضاف عفيفي، خلال ندوة لمناقشة الكتاب في أتيليه القاهرة، الخميس، أن صاحبة الرسائل عاشت في أقصى صعيد مصر ودُفنت فيها وسط بسطاء الناس الذين عالجتهم حتى أطلقوا عليها الشيخة والست نور على نور، ما يدل على تسامح المصريين وقبولهم للآخر طالما بادلهم الحب بالحب.
تحتوي الرسائل التي صدرت ترجمتها عن "بيت الياسمين" على وصف ثري ومثير عن الموالد في الصعيد، لا سيما مولد سيدي أبوالحجاج ومولد سيدي عبدالرحيم القناوي، وربطت المؤلفة بين العبادات المصرية القديمة وبين التبرك بالقديسين المسيحيين والأولياء المسلمين.
وتحدثت عن البعثات الأثرية الأجنبية لاكتشاف الآثار في الصعيد، ورصدت عمليات كثيرة لسرقة ونهب الآثار القديمة لصالح أوروبا.
ولم يستغرب عفيفي خطوة عبدالمجيد وإقدامه على ترجمة تلك الرسائل المهمة "فهو مولع بقراءة التاريخ ويظهر ذلك جلياً في معظم رواياته، لا سيما ثلاثية الإسكندرية، حتى إن رواياته تحولت، بشكل ما، إلى مصدر مهم يمكن للمؤرخ غير التقليدي معالجته والاستفادة منه في كتابة تاريخ آخر".
الأديب والمترجم إبراهيم عبدالمجيد قال إن "مؤلفة الكتاب ليدي دوف جوردن، الكاتبة والمترجمة العظيمة في تاريخ الأدب الإنجليزي، جاءت إلى مصر عام 1862 للاستشفاء من مرض السل وسط الطبيعة الجافة، وظلت تراسل زوجها وأمها وابنتها حتى وفاتها ودفنها في مصر عام 1869".
وأوضح: "في رسائلها أعظم مظاهر الحب لمصر والمصريين، أبكاني الكتاب أكثر من مرة وأمتعني غاية المتعة، وأنا أرى الحياة البسيطة للمصريين خالية من كل تعصب بين الأديان، حافلة بالتسامح، وأرى الغائب في كثير من كتب التاريخ عن الظلم الذي عاناه الشعب المصري تحت حكم الخديوي إسماعيل، والمشاعر المتدفقة من الخدم الأطفال والكبار، العبيد والأحرار وتعلقهم الرائع بهذه السيدة العظيمة".
وتابع: "بلغت محبة المصريين لها عنان السماء وهم يبتهلون من أجلها في مولد سيدي أبوالحجاج في الأقصر ومولد سيدي عبدالرحيم القناوي في قنا، وجد المصريون فيها ملاذاً لهم في الحياة، ولم يعترفوا بغيرها مبعوثاً للإنسانية في أعظم صورها، كم كانت عظيمة هذه السيدة جديرة بما لقبها به المصريون البسطاء (البشوشة، والشيخة، والست، نور على نور".
واختتم عبدالمجيد حديثه قائلاً إن هذه هي رسائلها كاملة دون اختصار أو حذف وبلغت 131 رسالة جمعها من أكثر من طبعة إنجليزية للرسائل.
والكتاب يصنف من أدب الرسائل ويكشف التاريخ الاجتماعي لمصر في تلك الفترة، التي عاشتها الست "نور على نور" كما لقبها المصريون.