إبراهيم عبد المجيد لـ"العين الإخبارية": طقوسي لم تختلف منذ بدأت الكتابة
الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد في حديث لـ"العين الإخبارية" عن أشكال الكتابة وعوالمه الخاصة ومشروعه الحائز على تقدير الجمهور والجوائز
ينتصف الليل.. تدور الموسيقى.. طرب عربي فألحان كلاسيكية، ثم سوناتات عالمية، تدور على خلفية جلوسه على مكتبه.. يقرأ ويكتب..حتى تتسرب أولى خيوط النهار.. سنوات تمر على هذا الطقس اليومي.. لواحد من أبرز أدباء مصر والعالم العربي.. وهو إبراهيم عبد المجيد.
في حواره لـ"العين الإخبارية" يمُر الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد على طقوسه في الكتابة، ومشروعه الأدبي الحاصد لتقدير الجمهور والجوائز الأدبية على حد سواء، يذهب بذاكرته بعيدا..عند أول احتفاء به كقاص شاب عندما فازت قصته بالمركز الأول ب" نادي القصة بالاسكندرية" عام 1969، ونُشرت عندها قصته على صفحة كاملة في جريدة "أخبار اليوم" ومعها مانشيت يقول "من بين 500 قصة فازت هذه القصة " وتحتها كلمة للكاتب الكبير محمود تيمور عنوانها " هذا قصاص موهوب" .
يستحضر المشهد ويتذكر "قفزت في الهواء من الفرحة أمام بائع الصحف واشتريت بالثلاثين قرشا التي كانت بحوزتي يومها كل أعداد "أخبار اليوم" لأوزعها على من أقابله..وعدت إلى بيتي سيرا على الأقدام بعد أن نفذت نقودي"، لا ينسى حتى الآن هذا المشهد، ويصاحبه كشريط سينمائي كلما حصد جائزة مرموقة، كـ "جائزة الدولة للتفوق" و"جائزة الشيخ زايد" و"جائزة نجيب محفوظ للرواية" وغيرها.
فإلى نص الحوار.
-خلال مشاركتك أخيرا في فعاليات ملتقى الحكايا والحكائيين بالكويت، توقفت عند تأثر الأدب بالتكنولوجيا، فإلى أين برأيك ترى هذا التأثير مهيمنا على المنتج الأدبي الراهن؟
** هو ليس مهيمنا بعد لكنه يزداد اتساعا وفيه ماهو جيد لكن فيه استسهال كبير في كثير من تجلياته مثل القصص القصيرة جدا جدا أو القصص التي يسميها البعض بالومضة، فحين تحقق في أكثرها تجدها مجرد أخبار لا قيمة فنية لها كمن يقول لك مثلا "ظللت انتظر لكن لم يأتني أحد"، أو "مر اليوم بسلام رغم العواصف لأني رأيت حبيبتي" .
كذلك ينزع عدد كبير من الكتاب إلى تضمين النص أقوالا مأثورة من تأليفهم أشبه بالحكم والأمثال، وهي في الحقيقة باعتبارها مقصودة وليست نابتة من الموقف الفني تكون متكلفة والسبب طبعا إنهم يريدون أن يتداولوها "شير share" عبر تويتر، هذه الحالات تؤكد على عقل الكاتب وليس روحه والفن روح والعقل لايظهر بالإرادة لكن تأخذه الأحداث إليها . وهكذا.
بذكر التكنولوجيا، استخدمت في أعمالك عوالم التواصل الافتراضي في أكثر من عمل، مثل "في كل أسبوع يوم جمعة" و"قطط العام الفائت "، هل استخدامك لها هو لكونها الأكثر تعبيرا عن الواقع الاجتماعي أم كأداة فانتازية للسرد؟
لا . ليس ذلك أبدا، لكنها صارت جزءا من الواقع والحياة تماما مثل الرسائل قديما، وكما أن هناك على الأرض مدنا وبلادا ففي الفضاء مدن افتراضية. العالم صار صغيرا وساهمت في ذلك وسائل الاتصال الحديثة، وبالتالي ممكن جدا أن يتواصل الأشخاص في الرواية بالإيميل أو الفيس بوك أو تويتر أو غيرها كما كانوا يتواصلون قديما بالتليفونات والخطابات .
وحين كتبت " في كل أسبوع يوم جمعة" كنت أجيب عليى فكرة عندي وهي أني كتبت عن مدن وبلاد وصحاري فلماذا لا أكتب عن مدينة افتراضية؟ فجعلت البطلة تنشئ صفحة على "الفيس بوك" يدخل عليها الأصدقاء ويعيشون عالمهم . أما في رواية " قطط العام الفائت " فهي عن ثورة يقوم بها الشباب في بلد آخر، وبالتالي فالفيس بوك وتويتر سلاحهما في الاتصال . وكذلك في رواية " أداجيو " بها بعض الرسائل بين الأب وابنته التي تعيش في أوروبا مثلا، وفي روايتي الأخيرة " قبل أن أنسى أني كنت هنا " لأنها عن شهداء ثورة يناير وأبطالها من الأحياء منهم هذه طريقة العصر. وهكذا .
رفضت من قبل تصنيف الكتاب وموضوعات الكتابة حسب الأجيال، وذلك بعد تصنيف البعض لرواية "في كل أسبوع يوم جمعة" بأنها رواية للجيل الجديد؟
حين صنفوها برواية للجيل الجديد كانوا يعنون أنها تتعامل بلغة العصر الجديدة وكانت الدهشة من كاتب في عمري يفعل ذلك . . لكن ليس بالضرورة أن تكون كل الروايات هكذا طبعا . الأجيال تظهر مع الأحداث الكبرى وليس كل عشر سنوات مثلا كما يقال في الدراسات . قد تمر 10 سنوات و20 سنة والمكان لا يتغير كثيرا في بلد ما. وهكذا يمكن أن يقال إنه بعد ثورة 1919 كان هناك جيل جديد في مصر وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية .وشرط ظهور الجيل أن يتميز العديد من أفراده باتفاقهم علي التجديد أو يقدمون مدرسة جديدة في الكتابة. غير ذلك يمكن أن يظهر شخص واحد في 10 سنوات يسرق الأضواء كلها لكنه لايشكل جيلا كما فعل مثلا يوسف إدريس في الخمسينيات مثلا.
كم من الكتاب كانوا معه لكنه تفرد عنهم ولم يشكلوا معا ظاهرة، هو الذي صار ظاهرة، ومهم جدا أن نعرف أنه ليس معنى أن هناك جيلا جديدا أن القديم لا يُقرأ، فالأدب الإنساني عابر للزمن، الذي يتغير هو شكل الكتابة ولغتها وإلا ما كنا نقرا "ديكنز" الواقعي كما نقرأ "هوجو" الرومانتيكي كما نقرأ "جويس" ومدرسة تيار الشعور، كما نقرأ "ألان روب جرييه" والواقعية الجديدة و"ماركيز" والعجائبية وهكذا .
كيف ترى الحركة النقدية في العالم العربي الآن..هل تراها تتماشى مع الإنتاج الأدبي الضخم الموجود حاليا؟
الحركة النقدية موجودة وواسعة جدا لكن الإنتاج الأدبي لايزال أكثر وإن كانت الجامعات تقوم بدور عظيم في الدراسات الأدبية، لكن الاهتمام بها من الإعلام قليل للأسف رغم أنها صارت من أكبر روافد النقد الأدبي ولها فائدة عظيمة .
مشروعك الأدبي"الثلاثية" عن الإسكندرية..هل تعتبره مشروعا مكتملا أم قابلا للامتداد في الفترة المقبلة؟
هو مشروع متكامل . الإسكندرية في روايات كثيرة لي مثل " بيت الياسمين " و" الصياد واليمام" و" ليلة العشق والدم " و"أداجيو" وغيرها وفي عشرات من قصصي القصيرة لكن الثلاثية مكتملة لأنها رواية مدينة في ثلاث نقاط تحول كبرى في التاريخ . مدينة عالمية في " لا أحد ينام في الاسكندرية" خلال الحرب العالمية الثانية ،ومدينة مصرية في " طيور العنبر " وأحداثها في الخمسينيات حين تم طرد الأجانب بسبب السياسات الاقتصادية وحرب السويس والنزعة القومية، ثم " الاسكندرية في غيمة " في السبعينيات حين صارت مدينة سلفية وهابية رجعية ولم تعد مصرية ولا عالمية، ولأن لديّ أملا في العودة للتاريخ الحقيقي للمدينة جعلت عنوانها " الإسكندرية في غيمة ".. وأدعو معي أن تنزاح الغيمة وتعود مدينة العالم .
هل من الممكن أن نعتبر كتابك "أنا والسينما" مقاطع من سيرتك الذاتية في فترة مبكرة؟
يمكن طبعا لكنه أكثر عن زمن ضاع ودور سينما هدمت وأحياء وشوارع تغيرت وبشر جميلون قابلتهم وشقاوة أطفال وكبار ومدارس لم تعد موجودة، ومن ناحية أخرى أثر السينما في كتاباتي .
وبذكر السيرة الذاتية..كتابك "ما وراء الكتابة" هو تقريبا الأول عربيا في السيرة الروائية، لماذا خضت هذه التجربة؟ هل تراها تخليدا لكواليس كتابة أعمالك الأدبية؟
** هناك تجارب قليلة منها كتاب لصلاح عبد الصبور، لكنه منهج في الأدب العالمي موجود عند كبار الكتاب منذ زمن، هنري جيمس كتب في ذلك، وفرجينيا وولف، ونابوكوف وماركيز، وكثير من أدباء العالم المعاصرين أيضا والموضوع بدأ ينتشر في الأدب العربي الآن بكثرة، وفاز "ما وراء الكتابة" بجائزة الشيخ زايد فشاع أمره وذاعت شهرته، وطبعا لا أحد يكتب من أجل جائزة لكن كان للجائزة فضل شيوع الكتاب وازدياد هذا النوع من الكتابة الآن .
دوّنت سطورا حزينة ترثي بها الكاتب الكبير "أحمد خالد توفيق"..برأيك كيف تأملت هذه العلاقة الوجدانية بينه وبين جمهوره التي تفجرت مع وفاته؟
أعرف أثره على الأجيال الشابة، وأعرف أنه شق طريقا في الكتابة لم يكن موجودا في أدبنا العربي في منطقة الرعب والخيال وهي منطقة كانت غائبة عن أدبنا العربي وموجودة بكثافة في الأدب العالمي . لكن أحمد خالد توفيق جعله رافدا مصريا وعربيا . وليس عيبا أبدا ولا ميزة أن يكون لهذا النوع من الكتابة قراء أكبر بكثير جدا من قراء الأدب المتعارف عليه من قصة ورواية وشعر. قراء هذا النوع من الأدب عادة صغار السن يحبون أن يدخلوا مناطق الإثارة، وهذا الأدب لا يفسد ذوق القراء كما يقول البعض، على العكس يقدم إليهم المتعة وليس شرطا ولا عيبا أنهم قد لايقرأون غيره وقد لا ينتقلون منه إلى الأدب المتعارف عليه . وإن كان مؤكدا انتقال الكثيرين منهم بعد ذلك إلى الأدب العادي ومناطق القضايا الإنسانية الكبيرة، في العالم كله قراء هذا الأدب أضعاف مضاعفة لقراء الأدب العادي، رحمه الله خسارته كبيرة وكان انسانا جميلا على خلق كبير أيضا وحزني عليه شديد .
وبمطالعتك للمنتج الأدبي بشكل عام، ما هي الثيمات الأكثر تداولا في كتابات الشباب اليوم؟
انا أهتم أكثر بطرق الكتابة ، الثيمات يمكن أن تتشابه والحقيقة أن الكثيرين جدا موهوبون ومغامرون ويستحقون الاهتمام النقدي أكثر .
عندما تتأمل طفولتك، ما هو المشهد الذي تراه مُلحا على ذاكرتك؟
كثيرة جدا هي المواقف لكن أكثرها المدارس قديما، كان مشوار المدرسة الابتدائية فيه من السعادة الكثير لأن المدرسة كانت بيت ثقافة فيها الشعر والفن والموسيقي والرحلات جوار العلم، وأجمل الأيام كان يوم يأخذوننا إلى السينما فنعود سعداء ونظل نحكي الفيلم حتى تأخذنا المدرسة إلى السينما مرة أخرى ..مدارس زمان.. بقايا الفترة الملكية في الخمسينيات .
ما هي أبرز لحظات التقدير التي لا تنساها ككاتب في بدايات مشوارك الأدبي؟
يا إلهي . ياله من يوم . كنت تقدمت إلي نادي القصة بالاسكندرية في مسابقة للقصة القصيرة عليى مستوى الجمهورية عام 1969 وفزت بالجائزة الأولى ونشرت القصة على صفحة كاملة في جريدة أخبار اليوم ومانشيت يقول " من خمسمائة قصة فازت هذه القصة " وتحته كلمة جميلة للكاتب الكبير محمود تيمور عنوانها " هذا قصاص موهوب " يومها قفزت في الهواء أمام بائع الصحف واشتريت بالثلاثين قرشا التي معي صحفا من أخبار اليوم وزعتها على من أقابله وعدت مشيا إلى بيتنا البعيد عن محطة الرمل بالإسكندرية. لم يعد معي قرش واحد أركب به الترام .
هل لديك طقوس تواظب عليها في الكتابة إلى الآن؟
غرفة مكتبي التي لا يتغير أثاثها ، وضوء أبيض وموسيقى تبدأ بالطرب العربي ثم الموسيقيى الكلاسيك والموسيقى العالمية الخفيفة من سوناتات وغيرها حتى انتهيي من الكتابة أو القراءة وبعد منتصف الليل دائما حتى أول خيوط النهار ، لم يتغير ذلك أبدا منذ بدأت الكتابة .