محمد العريان يتحدث عن "مرحلة جديدة" في أزمة البنوك.. وهذه توقعاته
يعتقد الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان، أن أزمة تعثر البنوك خفتت عقب تخطي "مرحلة أولى"، لكنها تمر حاليا بمرحلة ثانية قابلة للسيطرة، محذرا في الوقت نفسه من "مرحلة ثالثة" قد لا تكون هينة.
وقال العريان إن مشاكل القطاع المصرفي الأمريكي عاودت الظهور بعد استقرار المرحلة الأولى التي اندلعت إثر سحوبات هائلة ومفاجئة للودائع من البنوك ذات الإدارة السيئة وغير الخاضعة للإشراف الكافي.
وأوضح العريان في مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أنه يمكن للمرحلة الحالية أيضا أن تستقر، وهي التي تركز على تكاليف التمويل وقضايا الميزانية العمومية للبنوك.
وتابع: "لكن في الواقع، يجب تجنب مرحلة ثالثة يترتب عليها أضرار مالية واقتصادية أكبر".
استبعاد الانهيار
وقال إنه من غير المحتمل أن يحدث نوع من الانهيار المؤسسي الدراماتيكي الذي مر به مصرف سيليكون فالي، حين خرجت 42 مليار دولار من الودائع في يوم واحد.
وكان من المتوقع أن يتبع ذلك أيضا خروج 100 مليار دولار أخرى في اليوم التالي إذا لم يغلق المنظمون البنك.
وأوضح: "هذا الخبر الإيجابي يرجع إلى عاملين رئيسيين. أولاً، من خلال الممارسة وليس من خلال التغيير القانوني، قامت السلطات برفع الحد الأقصى على ضمان الدولة للودائع الفردية من 250 ألف دولار لتغطية غير محدودة وإعلان الخطوة على أنها "استثناء للمخاطر النظامية" وذلك لتوفير الحماية الكاملة لجميع المودعين".
وأضاف: "أما العامل الثاني، فهو فتح بنك الاحتياطي الفيدرالي نافذة تمويل تسمح للبنوك لمدة عام واحد بتبادل الأوراق المالية بالقيمة الاسمية التي تكون قيمتها أقل بكثير في السوق. وهذا يقلل من مخاطر اضطرار البنوك إلى البيع بخسارة لمواجهة تدفقات الودائع المسحوبة وزيادتها بتمويل مدعوم".
لكن هذا الاستقرار المهم لم يصلح الوضع بالكامل، وفقا للعريان، إذ عالج جزءًا فقط من ضغوط النظام المصرفي بينما ألحق أضرارًا جانبية وعواقب غير مقصودة.
ولا يزال عدد غير قليل من البنوك الإقليمية الأمريكية يعمل مع عدم تطابق بين المطلوبات قصيرة الأجل والأصول طويلة الأجل. كما أن ميزانياتها العمومية مثقلة بالقروض العقارية.
وعلاوة على ذلك ، تخضع هذه البنوك لنظام تنظيمي ورقابي لم يضمن معايير تغطية رأس المال الكافية - وهو خطأ يتم تضخيمه من خلال الإشراف غير المنتظم الذي تم تفصيله في تقييم بنك الاحتياطي الفيدرالي الخاص لفشل مصرف سيليكون فالي.
وتابع العريان: "ظلت هذه البنوك عرضة لدورة رفع أسعار الفائدة التي أساء التعامل معها بنك الاحتياطي الفيدرالي. وبالتالي مع كل هذا، من المرجح أن يتراجع حماس النظام المصرفي لتقديم الائتمان".
نقاط الضعف الهيكلية
ولحسن الحظ، بحسب العريان، فإن هذه البنوك ليس لديها العديد من نقاط الضعف الهيكلية المباشرة المشابهة لتلك التي فشلت في البنوك الأخرى. وعلى سبيل المثال مصرف "باك ويست" الذي وجد نفسه في وضع صعب الأسبوع الماضي مع انخفاض سعر سهمه، يتضمن نسبة 25٪ من الودائع غير المؤمن عليهان وهي نسبة ضئيلة مقارنة بما كانت تمتلكه مصارف سليكون فالي وفيرست ريبابليك. كما أن قاعدة عملائها أكثر تنوعا إلى حد كبير.
واستطرد: "ومع ذلك، يتوجب عليها حل مشكلات الميزانية العمومية وتجاوز تكاليف التمويل المرتفعة في وقت تتسم فيه الأسواق بالتوتر الشديد".
وتذبذب السوق ليس مفاجئًا. فحتى الآن هذا العام، فشلت بنوك من تلك التي تمتلك أصول تزيد عن 530 مليار دولار، متجاوزة بالفعل معدلاتها عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية بعد تعديل التضخم.
والطريقة التي فشل بها مصرف فيرست ريبابليك تلعب دورًا أيضًا وثبت أن الخطط النظرية للحوافز بين الجهات الفاعلة الرئيسية غير كافية لضمان حل في الوقت المناسب.
ورأى المساهمون أن استثماراتهم في مصرف فيرست ريبابليك تفقد أكثر من 95٪ من قيمتها قبل أن يستحوذ مصرف جي بي مورجان على البنك. والأسواق حاليا تعاقب بسهولة أسهم البنوك ، خاصة تلك التي تواجه تحديات استراتيجية وهذا يترك الباب مفتوحا لدورات مفرغة.
دروس مستفادة
لكن هذه المرحلة الثانية يمكن أيضًا احتواءهان وفقا للعريان، إذ أولاً، يجب أن تمارس البنوك مزيدًا من الاهتمام فيما تقوله، وبشكل عام، أن يكون لديها تواصل سريع للغاية مع المستثمرين - وهو درس تم استيعابه بالفعل من قبل عدد قليل من المؤسسات.
أما الدرس الثاني المستفاد، هو ضرورة قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتعزيز نظام الإشراف الخاص به. وثالثا، يجب اتخاذ قرارات بين القطاعين العام والخاص للبنوك للعمل وفقًا لجدول زمني أكثر إحكامًا إذا لزم الأمر.
أما الدرس المستفاد الرابع، يحتاج القطاع العام إلى طمأنة الأسواق بأنه ، بدلاً من الأساليب التي سادت حتى الآن ، بأنه سوف يعمل على إصلاح نظام تأمين الودائع وتنظيم البنوك التي اعتقدت خطأً أنها لا تواجه أى تهديد منهجي.
ويعد القيام بذلك أمرًا ضروريًا إذا كانت الولايات المتحدة تريد تجنب مرحلة ثالثة ، وأكثر ضررًا بشكل ملحوظ ، من الاضطراب المصرفي. إذا فشلت البنوك الأقل إشكالية في الأسابيع القليلة المقبلة ، فإن التأثير على النظام المالي والاقتصاد سيكون أكثر أهمية.
وعلى الرغم من قوة سوق العمل بشكل مثير للإعجاب، كما يقول العريان، إلا إن الولايات المتحدة ستجد نفسها قريبًا في طريقها إلى ركود كان من الممكن تجنبه مع خيارات محدودة للسياسة المالية والنقدية ولذك فإن احتمالية حدوث أخطاء أخرى في السياسة سيكون مكلفا.