محمد العريان ينصح صانعي السياسة والشركات.. التكيف مع عدم اليقين
هل أنت محتار بشأن التوقعات الاقتصادية لعام 2023 للولايات المتحدة.. أكبر اقتصاد في العالم؟ أنت بعيد عن أن تكون وحيدًا.
على مدى الأشهر الستة الماضية، تحولت قصة الإجماع بين الاقتصاديين ومحللي وول ستريت من الهبوط الناعم المتوقع إلى الهبوط الصعب، أو عدم الهبوط.
وفي الآونة الأخيرة، عاد الإجماع إلى الهبوط الصعب أي التباطؤ الكبير والصادم للنمو، حتى إن البعض أثار مخاوف بشأن الانهيار الناجم عن الاضطرابات المصرفية.
ووفقا لمقال الاقتصادي العالمي الدكتور محمد العريان الذي نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فإن هذه التصورات تعكس في المقام الأول تفاعل التطورات الخارجية مع سياسات غير متسقة من الاحتياطي الفيدرالي. لكن هذا أمر غير معتاد بالنسبة للاقتصاد الأكثر نفوذاً في العالم مع وجود مؤسسات ناضجة.
ولم يكن السوق وحده هو ما شهد تقلبات، فقد طالت هذه التقلبات القطاعات الرئيسية للأسواق المالية أيضا. على سبيل المثال، فإن العائد على سندات الخزانة لمدة عامين، والذي يلعب دورًا مهمًا في العديد من الأنشطة المالية، تذبذب علي نطاق واسع بشكل مفاجئ من 3.58 إلى 5.08 في المائة في مارس/ آذار مدفوعا بسياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي وتوجهاته المستقبلية.
ومن غير المرجح أن تنحسر هذه التقلبات غير العادية في أي وقت قريب بسبب المشاكل الهيكلية التي تواجه الاقتصاد الأمريكي.
علاوة على ذلك، فإن الاحتياطي الفيدرالي غير قادر على العمل ببصيرة كافية بسبب الافتقار إلى رؤية استراتيجية واضحة وإطار عمل للسياسة النقدية. ولذلك فإن هناك العديد من الاقتصاديين المخضرمين قد أقروا بأن هذا هو أحد أكثر الأوقات التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي في حالة من عدم اليقين.
التكيف مع عدم اليقين
ووفقا للكاتب، فإن الاستجابة الصحيحة لمثل هذا الشك غير المعتاد هو قبوله والتكيف معه. وبقدر تعقيد النهج، من الممكن تحديد مجموعة من القضايا التي من المرجح أن تحدد النتائج الاقتصادية في نهاية المطاف.
أولاً، هناك وضع أقل مرونة للاقتصاد حيث يتنقل العالم في عملية تحول الطاقة، وضيق سوق العمل، وإعادة توصيل سلاسل التوريد بالشركات، والتوترات الجيوسياسية.
وثانيا، هو قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض التضخم والحفاظ على الاستقرار المالي مع تقليل الضرر الذي يلحق بالوظائف والنمو وهي تمثل معضلة السياسة النقدية الحالية.
أما الثالث يتمثل في حجم الأزمة الاقتصادية السلبية الناشئة عن المصارف المحلية بما في ذلك التأثير العام على الإقراض المصرفي بسبب عدم قدرة بنك فيرست ريبابليك على التكيف مع تكاليف التمويل المرتفعة، والمخصصات المرتفعة لخسائر القروض، والودائع الأقل استقرارًا.
ورابع هذه القضايا هو العلاقة الأكثر تعقيدًا بين الاقتصاد والسياسة، على الصعيدين المحلي بما في ذلك سقف الدين الأمريكي والدولي حيث تحل اعتبارات الأمن القومي محل الاعتبارات الاقتصادية.
وفي هذه القضايا المعقدة، ثمة مجموعة كبيرة من النتائج المعقولة. لذلك ينبغي خلال التفكير والتخطيط الابتعاد عن افتراض سيناريو أساسي يفترض مخاطر منخفضة.
فخاخ مؤسسية
وفي هذا السياق، يجب على صانعي السياسات والشركات أن يكونوا أكثر وعياً ضد فخاخ مثل الانحياز غير الواقعي، والنقاط غير الواضحة وتوقع حدوث أخطاء، حتى في أفضل الظروف، لكن من المهم أن تكون منفتحًا على تصحيح المسار والتعلم منها وتجارب الآخرين ولا يحدث هذا دون الانفتاح على أفكار أكثر تنوعا.
ودائما ما تعاقب الأسواق الشركات وإدارتها إذا لم تستطع التكيف مع المتغيرات ويشير العريان إلى أنه من المحتمل أن نشهد المزيد من الضغوط المالية وحالات الإفلاس للشركات التي تفتقر إلى المرونة، وكذلك تلك التي لديها مناهج تشغيلية لا تتكيف بسهولة مع عالم يشهد ارتفاع الأسعار على المدى الطويل. ويشمل هذا العقارات التجارية التي وصلت إلي لحظة الحقيقة المتمثلة في إعادة تمويل بأكثر من تريليون دولار للممتلكات على مدى الأشهر الثمانية عشر المقبلة.
وهذه الضغوط ستكون بشكل أقل بالنسبة للمؤسسات التي تخضع إدارتها لمستوى الأداء السوقي أو تلك التي تتغير الإدارة فيها بالانتخابات المنتظمة، مثل الاحتياطي الفيدرالي. لكن من أجل مصلحة البلاد، من الضروري أن تكون هذه المؤسسات أكثر انفتاحًا أيضا على الاضطرابات الذاتية وأن تدمج مساءلة أقوى في هيكل الحوكمة الخاص بها.
وبدون ذلك، فإن دور التوجيه المؤسسي الناضج للولايات المتحدة سوف يضعف بسرعة أكبر في مواجهة تراجع المصداقية، وذلك بمجرد أن تتحول الميزة النسبية الأمريكية المهيمنة إلى مصدر رئيسي للتقلبات المحلية والعالمية.