واشنطن ترحب بتقييد «القرض الحسن».. لبنان يحاصر ذراع حزب الله المالية

في خطوة وصفتها واشنطن بأنها «في الاتجاه الصحيح»، أصدر مصرف لبنان المركزي تعميماً يمنع المؤسسات المالية المرخصة من التعامل مباشرة أو غير مباشرة مع جمعية «القرض الحسن»، الذراع المالية الأبرز لحزب الله.
جاء التعميم الصادر في 14 يوليو/تموز الجاري، والذي اطلعت عليه وكالة «رويترز»، ليحظر على المصارف وشركات الوساطة المالية التعامل مع كيانات غير مرخصة، مشيراً بوضوح إلى «القرض الحسن» بوصفها نموذجاً لتلك الكيانات التي تعمل خارج مظلة الرقابة المالية الرسمية.
بيريك يرحب: التزام تحت إشراف المركزي
المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان، توماس باراك، علّق على القرار في منشور على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، واصفاً إياه بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح»، مشيداً بـ«الشفافية والتزام جميع الوسطاء الماليين في لبنان بالخضوع لإشراف مصرف لبنان»، معتبراً ذلك إنجازاً محل تقدير.
ويأتي هذا التصريح بعد زيارة أجراها باراك إلى بيروت الأسبوع الماضي، تلقى خلالها رد الحكومة اللبنانية على مقترح أمريكي يتصل بإجراءات نزع سلاح حزب الله وتقييد نفوذه.
ضغوط متعددة ومجالات استهداف متوازية
القرار اللبناني يتزامن مع تصعيد عسكري إسرائيلي على مواقع تابعة لحزب الله في شرق لبنان، حيث أعلنت تل أبيب تنفيذ واحدة من أعنف الغارات الجوية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وقالت إنها استهدفت معسكرات تدريب ومستودعات أسلحة، فيما أفادت مصادر أمنية بمقتل 12 شخصاً، بينهم خمسة من مسلحي الحزب.
هذا التصعيد العسكري، المقرون بضغط مالي متصاعد، يعكس اتجاهاً متنامياً لتحجيم حزب الله من أكثر من جبهة، أبرزها الجبهة الاقتصادية التي لطالما شكلت له نقطة قوة بعيداً عن الرقابة الرسمية، لا سيما من خلال أدوات مثل جمعية «القرض الحسن».
«القرض الحسن».. اقتصاد موازٍ خارج السيطرة
تُعد مؤسسة «القرض الحسن»، التي تأسست في ثمانينيات الحرب الأهلية اللبنانية، من أبرز الأدوات التمويلية التابعة لحزب الله. تعمل تحت غطاء خيري وتقدّم قروضاً دون فوائد، لكنها خارج إطار النظام المالي الرسمي ولا تخضع لإشراف مصرف لبنان، رغم حصولها سابقاً على ترخيص من وزارة الداخلية.
وتنشط الجمعية في تقديم خدمات مالية ضمن بيئة سكنية يسيطر عليها الحزب، خصوصاً في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وجنوب لبنان، ويُنظر إليها كواجهة اقتصادية تُستخدم في تمويل أنشطة الحزب، وتوفير موارد بديلة في ظل العقوبات الأمريكية المتزايدة.
وزارة الخزانة الأمريكية كانت قد فرضت عقوبات على الجمعية منذ عام 2007، ووصفتها بأنها «أداة مالية تُستخدم من قبل حزب الله للنفاذ إلى النظام المالي الدولي»، ما يجعل التعميم اللبناني الأخير موضع ترحيب واضح من جانب واشنطن.
الاقتصاد الموازي في مرمى المواجهة
الخبير المالي نسيب غبريل أشار إلى أن القرار اللبناني يتماشى مع الضغوط الدولية المستمرة، لا سيما الأمريكية، موضحاً أن البنوك اللبنانية كانت بالفعل تتفادى التعامل مع «القرض الحسن» تجنباً للمخاطر المرتبطة بالعقوبات.
واعتبر غبريل أن «الخطوة الأهم تكمن في بدء السلطات مواجهة حقيقية لما يُعرف باقتصاد الظل»، وهو الاقتصاد غير الخاضع للرقابة ويشكل بيئة خصبة للتهرب الضريبي وتمويل الأنشطة الخارجة عن القانون.
وتأتي هذه التطورات وسط تدقيق دولي متزايد، حيث أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على «القائمة الرمادية» للدول الخاضعة لتدقيق خاص في ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فيما صنفت المفوضية الأوروبية في يونيو الماضي لبنان ضمن «الولايات القضائية عالية المخاطر» نتيجة قصور استراتيجي في الرقابة على التمويل غير المشروع.
هيبة الدولة في وجه اقتصاد الحزب
مصرف لبنان، عبر هذا التعميم، لا يستهدف فقط «القرض الحسن»، بل يبعث برسالة أوسع مفادها أن الكيانات التي تعمل خارج النظام المصرفي الرسمي لن تُترك دون محاسبة، خصوصاً في ظل التدهور المالي المتواصل ومحاولات الإنقاذ الاقتصادية المتعثرة.
وفي ظل سعي لبنان لإعادة تأهيل صورته أمام المؤسسات المالية الدولية وصندوق النقد، فإن تقليص نفوذ حزب الله المالي يمثل أحد الشروط غير المعلنة للمضي بأي خطة إنقاذ جدية، وهو ما أشار إليه خبراء باعتباره جزءاً من «تحرير القرار المالي اللبناني من الهيمنة السياسية والحزبية».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTgwIA== جزيرة ام اند امز