إن وجود أمريكا في منطقة الخليج منذ مطلع التسعينات، بعد حرب الخليج الثانية، شكّل نقلة نوعية من خلال ضمان استقرار المنطقة ضد المطامع الخارجية، خاصة، مع التوترات الإيرانية تجاه الخليج.
وأصبح وجودها على شكل قواعد عسكرية منتشرة جويا وبحريا في الكويت وقطر والبحرين والإمارات والسعودية، وتحولت هذه القواعد إلى مراكز تنسيق عسكري إقليمي ودولي، مما أسّس لتحالف استراتيجي عزّز من تواجدها في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
الهجوم الإسرائيلي السافر والجبان – كما وصفته دولة الإمارات ودول الخليج – الذي استهدف دولة قطر الشقيقة، شكّل صدمة سياسية وأمنية، ويثير تساؤلاً مهماً: هل ما زالت المظلة الأمريكية قادرة على حماية الخليج؟.
إذ كانت تُعتبر صمام أمان وفق اتفاقيات الحماية العسكرية المبرمة منذ سنوات لضمان استقرار المنطقة، لكن الأحداث الأخيرة تفتح الباب أمام مراجعة جديّة لمستقبل هذا الالتزام، الذي يجب أن يكون حقيقياً وملموساً تجاه دول صديقة وحليفة في كل الملفات الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية.
حادثة الاعتداء على دولة قطر الشقيقة، وهي جزء من منظومة مجلس التعاون الخليجي، تُعد تهديداً سياسياً ودبلوماسياً لا يقل أهمية عن الأمن العسكري.
فأمريكا قادرة على ردع الهجمات الحوثية الدائمة في البحر، لكن كيف لم تمنع شركاءها، بل وأكثر دولة مقربة لها مثل إسرائيل، من القيام بهذه العملية الجوية العسكرية على أرض ذات سيادة، ضاربة عرض الحائط بكافة الأعراف الدولية عبر هذا الهجوم الجبان، لتسمح بوجود لاعب جديد في الخليج، هو إسرائيل، إلى جانب إيران هذه المرة.
التهديدات الجديدة في منطقة الخليج تمثل فرصة وتحدياً كبيراً في الوقت ذاته للولايات المتحدة لتثبت صدق نواياها تجاه الخليج العربي بمبدأ تقاسم الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقها.
فالتراجع الأمريكي في المنطقة أصبح واضحاً، وتعددية أدوار القوى الدولية ستقلل من استقلالية القرار الأمريكي تجاه حماية المصالح الأمريكية في المنطقة.
الهجوم على دولة خليجية لا يعد مجرد حدث أمني بسيط، بل تصل خطورته إلى أبعد من ذلك. فهو ناقوس خطر وجرس إنذار استراتيجي يؤكد أن مظلة واشنطن لم تعد كما كانت في السابق وتعاني بشكل مطلق.
وأمام الخليج فرصة لإعادة صياغة خطط جديدة تحفظ أمنه وتقلل من اعتماده على مظلات قد عفا عليها الزمن، وتعزيز القدرات الدفاعية الذاتية، والانفتاح على شركاء عالميين آخرين لضمان استدامة الأمن وعدم التأثر بالتقلبات والسياسات الدولية أو بحسابات الحلفاء العشوائية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة