أمريكا الحمراء والزرقاء.. انتخابات الثلاثاء تكشف واقع «الاستقطاب»
                                        قد تترك انتخابات يوم غد الثلاثاء، الولايات المتحدة أكثر انقساما من أي وقت مضى.
هكذا خلصت شبكة "سي إن إن" الأمريكية في تقرير طالعته "العين الإخبارية".
وغدا الثلاثاء، تُجرى انتخابات محلية في أربع ولايات أمريكية، من بينها في ولاية نيويورك التي ستختار رئيس بلدية المدينة الأمريكية الأكبر من حيث عدد السكان، حيث يتصدر المرشح البارز عن الحزب الديمقراطي زهران ممداني، وهو أمريكي مسلم مجنس يمثل منطقة كوينز في المجلس التشريعي للولاية، السباق الانتخابي.
علامة فارقة
وقالت "سي إن إن"، إنه من المرجح أن تمثل انتخابات هذا الأسبوع علامة فارقة أخرى في تقسيم أمريكا إلى كتل متباعدة ومتزايدة العداوة من الولايات الحمراء والزرقاء.
فمن نيوجيرسي وفرجينيا إلى كاليفورنيا، يتوقع أن تكرس النتائج سيطرة كل حزب على مناطقه التقليدية، إذ يواصل الديمقراطيون إحكام قبضتهم على الولايات التي تميل عادة إلى التصويت لهم، بينما يرسخ الجمهوريون نفوذهم في الولايات المحافظة التي تصوت لهم باستمرار.
هذه الديناميكية المتناقضة، تشير الشبكة إلى أنها عمقت الانقسام بين "الولايات الزرقاء" و"الولايات الحمراء"، لتتحول إلى كتل سياسية متناحرة أكثر من كونها ولايات ضمن اتحاد واحد.
مستدركة "لكن الانقسام لا يتوقف عند حدود التوجهات الانتخابية، بل يمتد إلى جوهر العملية السياسية ذاتها"، وخصوصا مع اشتداد ما يعرف بـ"حرب تقسيم الدوائر الانتخابية".
فبعد أن أقدمت ولايات جمهورية كـتكساس على إعادة رسم خرائطها الانتخابية بما يقلص تمثيل الديمقراطيين في مجلس النواب، تتجه ولايات ديمقراطية، وعلى رأسها كاليفورنيا، إلى خطوة مماثلة قد تفقد الجمهوريين عددا من مقاعدهم في الكونغرس.
ومع اتساع نطاق هذا الصراع في جميع أنحاء البلاد، من المرجح أن ينهي هيمنة نسبة كبيرة من أعضاء مجلس النواب المتبقين من كل حزب في الولايات التي عادة ما تصوت لصالح الآخر في الانتخابات الرئاسية.
ويرى محللون أن هذا الانغلاق الجغرافي والسياسي بين الحزبين يجعل من الصعب على أي منهما تمثيل مصالح الولايات الخارجة عن نطاق نفوذه.
وفي هذا الصدد، لفتت "سي إن ن"، إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع هذه الديناميكية إلى مستوى كبير من خلال معاملته للولايات الزرقاء كمناطق معادية يجب إخضاعها، وهو التحدي الذي سيواجهه أي رئيس لاحق لاسيما في صياغة سياسات وطنية مقبولة لدى الطرفين.
ويشير جيفري كاباسيرفيس نائب رئيس الدراسات السياسية في معهد نيسكانن، إلى أن الولايات المتحدة تنزلق تدريجيا نحو واقع تتعايش فيه كتلتان سياسيتان لا تشتركان في قيم أو أولويات، بحيث يصبح من غير المقبول لأي طرف أن يخضع لإرادة الآخر.
وقال :سواء كان الأمر يتعلق بنهج ترامب العسكري في إنفاذ قوانين الهجرة أو محاولات الرئيس السابق جو بايدن وضع قواعد لكيفية تعامل المدارس مع الطلاب المتحولين جنسيا، فإن قطاعات واسعة من البلاد تشعر الآن برفض شديد في كل مرة يحاول فيها الحزب الآخر فرض أولوياته من خلال السياسة الوطنية".
مضيفا "نحن أمام كتلتين من البلاد تتناقص فيهما القواسم المشتركة شيئا فشيئا، وفكرة خضوعهما لتفضيلات الكتلة الأخرى تصبح أكثر فأكثر غير محتملة".
مناطق النفوذ
تظهر الأرقام أن هذا الانقسام أصبح مؤسسيا. فترامب فاز في 25 ولاية في ثلاث انتخابات متتالية، وهو رقم لم يتحقق منذ عهد ريغان وبوش الأب. بينما فقد الديمقراطيون كل نفوذ تقريبا في تلك الولايات.
في المقابل، يهيمن الديمقراطيون على 19 ولاية صوتت ضد ترامب في جميع الانتخابات الأخيرة، حيث يسيطرون على أغلب المجالس التشريعية والمناصب التنفيذية فيها.
ويتمتع الديمقراطيون بنفس القوة تقريبا في الولايات التسع عشرة التي صوّتت ضد ترامب في حملاته الانتخابية الثلاث.
ويسيطر الديمقراطيون على ١٧ من مجالسهم التشريعية التسع عشرة، وجميع مقاعد مجلس الشيوخ باستثناء مقعد واحد، وجميع مناصب حكام الولايات باستثناء نيو هامبشاير وفيرمونت وفرجينيا، ويُرجح فوز النائبة السابقة أبيجيل سبانبرغر يوم الثلاثاء.
ويشهد سباق حاكم ولاية نيوجيرسي هذا الأسبوع منافسة أشد، ولكن إذا حافظت النائبة الديمقراطية ميكي شيريل على تقدمها الضيق في استطلاعات الرأي الأخيرة، فسيسيطر الديمقراطيون على 17 من أصل 19 منصب حاكم في الولايات المناهضة لترامب.
ويقول الباحث مانويل باستور إن ما يجري في الولايات الجنوبية يعيد إحياء أساليب قديمة لتقليص حضور الأقليات في العملية السياسية، مشيرا إلى أن "قانون حقوق التصويت وُضع لضمان العدالة، لكننا نرى اليوم عودة لأساليب الإقصاء القديمة تحت مسميات جديدة."
أما على مستوى الحكم الفيدرالي، فإن تقلص عدد المشرعين الذين يمثلون ولايات تخالف توجهات رئيس البلاد سيجعل أي إدارة أقل ميلا إلى مراعاة مصالح جميع الأمريكيين.
آخر خيوط الاتحاد
ويصف إريك شيكلر من جامعة كاليفورنيا في بيركلي هذا التحول بأنه "قطع لأحد آخر الخيوط التي كانت تجمع الاتحاد"، مؤكدا أن غياب التنوع السياسي داخل الكونغرس يزيد من تآكل فكرة التمثيل الوطني المتوازن.
وتتعمق الأزمة داخل الحزبين نفسيهما. فاختفاء الأصوات المعتدلة التي كانت تبني الجسور بين الجمهوريين والديمقراطيين جعل من الصعب التوصل إلى تسويات، وفتح الباب أمام خطاب أكثر تشددا واستقطابا.
وبالنسبة لإيفان بايه، وهو ديمقراطي وابن سيناتور أمريكي سابق شغل منصبي الحاكم ثم سيناتور أمريكي عن ولاية إنديانا، إن الفوز في ولاية ذات ميول جمهورية يعني "أنني اضطررت إلى تجاوز القاعدة الصلبة لحزبي، كان عليّ التواصل مع المستقلين والجمهوريين المعتدلين. وهذا يتطلب حلولا وسطا".
وقال بايه، الذي وُضع اسمه ضمن قائمة باراك أوباما القصيرة للمرشحين المحتملين لمنصب نائب الرئيس عام 2008، إن العمل في بيئة سياسية صعبة كهذه يتطلب أيضا تفكيرا إبداعيا.
وأضاف بايه: "لا تتعلم شيئا جديدا وأنت تعيش في غرفة صدى". يجب أن يكون لديك عقل منفتح على وجهات النظر المختلفة، فهذا من شأنه أن يحفز عملية صنع السياسات.