أوروبا تتخلف عن الركب.. فجوة كبيرة مع الاقتصاد الأمريكي
قال تقرير لصحيفة فايننشال تايمز إن ثمة بعض المشاكل عميقة الجذور في اقتصاد أوروبا التي تتخلف عن النمو المتسارع في الولايات المتحدة، وأنه إذا قامت المزيد من الشركات الأوروبية بتسخير الذكاء الاصطناعي فقد يساعد ذلك في معالجتها.
ووفقا للتقرير، لا تزال أوروبا متخلفة بشدة في مجال ابتكار وتبني الذكاء الاصطناعي، وتقول إيزابيل شنابل، المسؤولة التنفيذية في البنك المركزي الأوروبي، إن منطقة اليورو فقدت نحو 20% من إنتاجيتها مقارنة بالولايات المتحدة منذ منتصف التسعينيات، وتعزو ذلك إلى "فشل القارة في جني فوائد تطورات التكنولوجيا الرقمية" مثل الحوسبة السحابية والبرمجيات والتطبيقات.
وتضيف شنابل أن العديد من الشركات الأوروبية صغيرة جدًا ومقيدة باللوائح التنظيمية بحيث لا يمكنها استغلال التكنولوجيا الجديدة بشكل كامل. وتمثل الشركات التي لديها أكثر من 250 موظفا ما يقرب من 60% من وظائف القطاع الخاص في الولايات المتحدة، ولكن في الاتحاد الأوروبي تنخفض هذه النسبة إلى ما بين 12% في اليونان و37% في ألمانيا.
ويعد تأخر الإنتاجية في أوروبا مكلف للغاية من حيث مستويات المعيشة، وإذا كانت الاقتصادات الأوروبية الخمسة الكبرى - ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا - قد ضاهت معدل نمو الإنتاجية في أمريكا بين عامي 1997 و2022، لكان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط أعلى بنحو 13 ألف دولار من حيث تعادل القوة الشرائية، وفقا لتقديرات شركة ماكينزي.
أداء ضعيف
وكان الأداء الاقتصادي الضعيف في أوروبا يثير قلق صناع السياسات لفترة طويلة ولكنها صعدت إلى قمة جدول أعمالهم الآن بعد أن أصبحت فجوة النمو مع الولايات المتحدة أكثر اتساعا في أعقاب الصدمات المزدوجة المتمثلة في جائحة فيروس كورونا وحرب أوكرانيا.
وقد أثبت الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أنه أكثر مرونة في مواجهة هذه الصدمات. وانتعش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بشكل أسرع، حيث ارتفع بنسبة 8.7% فوق مستويات ما قبل الوباء بحلول الربع الأول من هذا العام وهذا أكثر من ضعف الزيادة البالغة 3.4% في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، ويفوق الزيادة البالغة 1.7% في اقتصاد المملكة المتحدة في نفس الفترة.
والجمع بين تكاليف الطاقة الأوروبية المرتفعة، والتي أصبحت الآن أعلى كثيراً من مثيلاتها في الولايات المتحدة، والإعانات الجذابة التي تقدمها واشنطن لمشاريع الطاقة الخضراء وأشباه الموصلات التي يتم بناؤها في البلاد، أغري أعداداً كبيرة من الشركات الأوروبية لتحويل أنشطتها إلى هناك.
مشاكل متجذرة
وفي مواجهة الشيخوخة السكانية وندرة الشركات الرائدة في مجالات التكنولوجيا الأسرع نموا، يبحث صناع السياسات الأوروبيون عن سبل لضخ الديناميكية في اقتصاداتهم.
ويشير باولو جينتيلوني، المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، إن السؤال الآن هو كيفية معالجة الحاجة إلى استثمارات مهمة في مجالات مثل التحول الأخضر والدفاع في ظل التباطؤ.
وقال إن الفضيحة بالنسبة لأوروبا ليست انخفاض النمو، ولكن تكمن المشكلة في كيفية الحفاظ على مستوى كافٍ من الاستثمار، وجذب رأس المال الخاص، ودعم احتياجات هذه التحديات الجديدة بالاستثمار".
وكان الاقتصاد الأوروبي في ارتفاع في أوائل التسعينيات، متمتعاً بدعم من تعميق السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي قبل توسيعها شرقاً في أعقاب نهاية الحرب الباردة.
ولكن منذ ذلك الحين، فقدت اقتصادات البلدان السبعة والعشرين التي يتألف منها الاتحاد الأوروبي اليوم بشكل مطرد الساحة لصالح الولايات المتحدة، حيث تعرضت لسلسلة من النكسات، وخاصة أزمة الديون في منطقة اليورو قبل عقد من الزمن.
وفي الآونة الأخيرة، ألحقت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا أضرارا اقتصادية بأوروبا أكبر من تلك التي ألحقتها بالولايات المتحدة.
وانخفض متوسط مستويات دخل الفرد من حيث تعادل القوة الشرائية في أوروبا إلى نحو الثلث أقل من نظيره في الولايات المتحدة، وتجاوز نصيب الفرد من الدخل في الولايات المتحدة جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تتسع هذه الفجوة بشكل أكبر خلال الفترة المتبقية من هذا العقد، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وكان جزء من المشكلة بالنسبة لأوروبا هو ندرة نمو الطلب، وضعف الاستثمار، وزيادة عدد العمالة حيث تحتفظ الشركات بعدد أكبر من العمال أكثر من اللازم بسبب المخاوف من أنها سوف تكافح من أجل توظيفهم مرة أخرى بمجرد تعافي الطلب.
وينبع بعض هذا من انعدام ثقة المستهلك في أوروبا. وانخفضت أسعار المنازل في العديد من الدول كما بدأت الحكومات في كبح جماح الإنفاق وقد ساعد النمو الأسرع للأجور في الولايات المتحدة العاملين فيها على استعادة القوة الشرائية التي فقدوها بسبب التضخم المرتفع في وقت أسرع من نظرائهم في أوروبا. كما استفادت الأسر الأمريكية من زيادة الاستثمار في أسواق الأسهم، التي ارتفعت بشكل حاد في الأعوام الأخيرة.
وفي منطقة اليورو، لا يزال الناس يدخرون أكثر من 14% مما يكسبونه - وهو أعلى بكثير من المتوسط التاريخي. لكن المستهلكين في الولايات المتحدة أنفقوا تقريبا كل الأموال الإضافية التي ادخروها خلال الوباء، مما أدى إلى خفض مدخراتهم إلى أقل من 5% من دخلهم.
وينبع العبء الإضافي الذي يتحمله الاقتصاد الأوروبي من الشيخوخة السكانية وانخفاض معدلات المواليد، وهو ما يؤدي بالفعل إلى نقص واسع النطاق في العمالة مع تقاعد جيل طفرة المواليد. ويوجد حاليًا في الاتحاد الأوروبي 3 أفراد في سن العمل مقابل كل شخص يبلغ من العمر 65 عامًا أو أكثر. ولكن بحلول عام 2050، من المتوقع أن تكون النسبة أقل من شخصين في سن العمل لكل شخص كبير السن.
وتسعى العديد من دول الاتحاد الأوروبي إلى إبقاء العمال الأكبر سنا في القوى العاملة لفترة أطول، أو تعزيز مشاركة الإناث في القوى العاملة.
الولايات المتحدة أكثر ديناميكية
من ناحية أخرى، ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها بيئة أكثر ديناميكية وصديقة للأعمال التجارية، والتي أثبتت على نحو مستمر أنها أكثر مهارة في توجيه الاستثمار إلى القطاعات ذات النمو المرتفع بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات.
وجزء من المشكلة هو تباطؤ نمو الاستثمار في أوروبا بينما الاستثمار في الولايات المتحدة زاد بأكثر من 8% منذ نهاية عام 2019 وكان لا يزال ينمو بقوة في بداية هذا العام، في حين ظل "ضعيفًا للغاية" في منطقة اليورو عند مستوى 4% أقل من مستويات ما قبل كوفيد.
ووجدت شركة ماكينزي أن أكبر الشركات الأوروبية والتي تزيد إيراداتها السنوية على مليار دولار، بما في ذلك تلك الموجودة في المملكة المتحدة والنرويج وسويسرا، استثمرت 400 مليار دولار أقل من نظيراتها الأمريكية في عام 2022.
وكانت شركة فولكسفاغن هي الشركة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي ظهرت ضمن المراكز العشرة الأولى في تقرير حديث للمفوضية الأوروبية يفحص أفضل 2500 مستثمر في مجال البحث والتطوير في العالم في عام 2023. وكان 6 من أفضل 10 شركات يقع مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة ولم يكن أي منهم في المملكة المتحدة.
aXA6IDMuMTM1LjIwNC40MyA= جزيرة ام اند امز