إدارة ترامب الثانية... تحولات جذرية في العلاقات الأمريكية-الأوروبية
![بوتين وترامب](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/13/162-195933-us-european-relations-trump-putin_700x400.jpg)
شهدت العلاقات الأمريكية-الأوروبية تحولات جذرية عبر العقود، لعبت خلالها واشنطن دور الضامن لأمن القارة الأوروبية.
لكن التطورات الأخيرة، وعلى رأسها الاتصال بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ونقاشهما حول سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا، والاتفاق على تبادل الزيارات الرئاسية، إلى جانب التصريحات الحاسمة لوزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، تشير إلى أن هذه العلاقة تدخل مرحلة جديدة غير مسبوقة.
تحوّل في الدور الأمريكي التقليدي
بعد أن لعبت الولايات المتحدة دور الحامي لأوروبا، بدءًا من الحربين العالميتين وحتى مواجهة الاتحاد السوفياتي، عاد ترامب لإحياء الجدل القديم حول التزامات واشنطن. فقد صرّح خلال حملته الانتخابية بأنه قد لا يدافع عن أعضاء «الناتو» الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع، مستحضرًا تساؤل تشرشل الشهير عام 1940: «متى ستنهض القوة الأمريكية بكل عظمتها لإنقاذ العالم القديم؟».
وكان واضحًا منذ فترة أن إدارة ترامب الثانية ستفرض مطالب جديدة على الشركاء الأوروبيين، ما سيجبرهم على اتخاذ قرارات صعبة بين الإنفاق الاجتماعي والدفاع.
وقد أكّد الأمين العام لحلف «الناتو»، مارك روته، أمام البرلمان الأوروبي الشهر الماضي، ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، محذرًا الأوروبيين: «إذا لم تفعلوا ذلك، فابدأوا بتعلّم اللغة الروسية أو فكروا في الانتقال إلى نيوزيلندا».
لكن ما قاله هيغسيث كان أكثر حدة وصراحة، إذ أكد أن الولايات المتحدة لن تتسامح بعد الآن مع علاقة غير متوازنة تشجع على الاعتماد المفرط على واشنطن. كما طالب الحلفاء بزيادة إنفاقهم العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرًا إلى أن الأولوية الأمريكية ستكون لمواجهة الصين وحماية الحدود الداخلية، وليس أمن أوروبا.
وقد عبّر وزير الخارجية ماركو روبيو بوضوح عن هذه الفلسفة الجديدة في مقابلة حديثة، قائلًا: «لا ينبغي أن تكون الولايات المتحدة في طليعة الأمن الأوروبي، بل مجرد داعم احتياطي».
كما انتقد الدول الأوروبية الكبرى، قائلاً: «عندما تسألهم لماذا لا يمكنهم إنفاق المزيد على الأمن القومي، يكون جوابهم أنهم يفضلون إنفاق الأموال على برامج الرعاية الاجتماعية والتقاعد المبكر عند سن 59... هذا خيارهم، لكن لماذا نمول نحن ذلك؟».
الملف الأوكراني.. أول اختبار بين أمريكا وأوروبا
بعد الاتصال بين ترامب وبوتين، أعلن ترامب أن مفاوضات إنهاء الحرب ستبدأ «على الفور»، رغم استبعاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من المحادثة الأولية.
وتواصل ترامب لاحقًا مع زيلينسكي، لكن تصريحاته أثارت القلق، حيث سُئل إن كانت أوكرانيا ستكون شريكًا متساويًا في مفاوضات السلام، فكانت إجابته: «سؤال مثير للاهتمام»، وأضاف بعد تفكير: «لطالما قلت إن هذه الحرب لم يكن ينبغي خوضها».
لن تشارك القوات الأمريكية في أي قوة حفظ سلام محتملة، وأي قوة حفظ سلام ستكون أوروبية بالكامل، ولن يشملها البند الخامس لـ«الناتو»، ما يعني أن أمريكا لن تتدخل في حال نشوب صراع مع روسيا.
وفي ظل هذه التوجهات، بدا يوم الأربعاء أفضل يوم لبوتين منذ بداية العملية العسكرية بأوكرانيا، حيث أزال العديد من العقبات التي كانت تعترض طموحاته الإقليمية.
صفقة تقسيم أوكرانيا.. هل أصبحت واقعًا؟
تشير التسريبات من واشنطن وأوروبا إلى أن خطة تقسيم أوكرانيا كانت تُناقش منذ فترة، حتى خلال إدارة بايدن. وقد تبلورت في صورة تقسيم مشابه لما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وستظل المناطق التي تسيطر عليها روسيا تحت سيطرة موسكو، مع وجود حدود فاصلة واضحة. وقد يُسمح للجزء الغربي من أوكرانيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ليس «الناتو». ولن يكون هناك وجود عسكري أمريكي لحماية هذا الكيان الجديد، مما يجعله أكثر هشاشة.
وتعكس هذه التوجهات تحولًا جذريًا في السياسة العالمية، حيث يحل منطق القوى العظمى محل المؤسسات الدولية التي حكمت العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وإذا نجح بوتين في فرض تقسيم أوكرانيا، فسيكون قد حقق حلمه بإعادة بناء منطقة نفوذ روسية، مستفيدًا من رغبة ترامب في الانسحاب من القضايا العالمية.
aXA6IDMuMTMzLjc5LjIyIA== جزيرة ام اند امز