نقطتان يجب أن نضعهما نصب أعيننا ونحن نرسم أسس العلاقة الأميركية - الخليجية الجديدة
نقطتان يجب أن نضعهما نصب أعيننا ونحن نرسم أسس العلاقة الأميركية - الخليجية الجديدة؛ الأولى: هل أميركا ما زالت هي أميركا؟ وهل دول مجلس التعاون ما زالت في دائرة الاهتمام الأميركي؟
في الحقبة الثانية لولاية أوباما كثرت الدراسات والنظريات والأبحاث التي تتناول انحسار نفوذ الولايات المتحدة العالمي، كانعكاس للسياسة الخارجية التي اختارتها إدارته وهي سياسة «النأي بالنفس»، أو كما سمتها بعض الدراسات الأميركية سياسة «التوازن الإقليمي» التي طرحها جون ماشماير وستيفن والت التي أبعدتها عن اتخاذ قرارات حاسمة في الشرق الأوسط وفي أوروبا وفي شرق آسيا، وآثرت أن تبقي قواتها على حاملات الطائرات ولا تتدخل لفك الصراعات وليتجاوز من يريد الخطوط الحمراء كما يشاء، حتى بدأ الأميركان أنفسهم يطرحون التساؤلات حول إمكانية تراجع مكانتها الدولية نتيجة هذه السياسة. السؤال الذي طرح نفسه: هل لتلك السياسة أثر على المواطن الأميركي، أم يقتصر أثرها على سمعة وصيت ومكانة الولايات المتحدة فحسب؟
في بداية عام 2015 ظهر كتاب أثار ضجة في الولايات المتحدة عنوانه «هل انتهى القرن الأميركي» لجوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد. يناقش الكتاب ثلاث نظريات لثلاثة تيارات؛ الأول يقول إن النفوذ الأميركي في القرن الحالي سينحسر، وإن الصين هي القوة الصاعدة. والتيار الثاني يقول إن أميركا ستظل في الصدارة رغم أن المنافسة ستكون شديدة، وعلى رأسها الصين. أما الثالث فيقول إن القرن المقبل لن تكون فيه قوة مهيمنة أو قطبية، بل سيفتح المجال لأطراف أخرى مقبلة كالهند. إذن موقع الولايات المتحدة أصبح موضع تساؤل، ليس منا بل من الأميركيين أنفسهم، أما انعكاس هذا الانحسار على مستوى معيشة المواطن الأميركي، فأجاب عنه كتاب «الأمة المستغنى عنها» لوالي نصر ردًا على مقولة بيل كلينتون الشهيرة «إن أميركا أمة لا استغناء عنها». خلاصة هذا الكتاب تصل إلى هذه النتيجة: «وعلى عكس ما تتوقعه الإدارة الأميركية، فإن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وعدم إيلائها التطورات التي تشهدها الاهتمام الكافي سيلحق الضرر بالصورة والمكانة الأميركية عالميًا، بما يظهرها عاجزة عن حل القضايا والأزمات في منطقة كانت حكرًا عليها لعقود، وستتركها لقوى صاعدة وأخرى منافسة لواشنطن في المنطقة، وهي قوى تسعى للاستفادة من السوق العربية لتوسيع اقتصادها والتمتع بنفوذ قوي في المنطقة بما يؤهلها للعب دور عالمي بدت ملامحه في تنامي الدور الروسي والصيني في الأزمتين السورية والإيرانية. وهذا لا يصب في مصلحة الحفاظ على القوة الأميركية واستعادة ريادتها عالميًا بعد تدهورها وتراجعها خلال سنوات حكم بوش الابن الثماني».
دعك من سمعتها وصيتها وقِف عند الأسواق العربية إيرادًا وتصديرًا وإعادة تصدير وغيره، وبناء على ما توصل إليه والي نصر، فإن نجحنا في قياس حجم المصالح الأميركية في دول مجلس التعاون وانعكاسها على معيشة المواطن الأميركي، فإن مهمة الحفاظ على استقرار منطقة الخليج وحماية أمنها، لن تكون تفضلاً من الولايات المتحدة على أنظمة المنطقة الخليجية وشعوبها، حتى يطالب السيد ترمب بقيمة هذه الحماية إن وفرتها، فالثمن الذي يطالب بدفعه لا يذكر مقابل القيمة التي سيتحصل عليها الأميركي دافع الضرائب وعلى جيبه ووظيفته وخدماته الصحية والتعليمية وغيرها، هذا ما نحتاج أن نقدره ونثمنه ونعرضه كي تصبح علاقتنا مبنية على مقدار مساهمتنا في رفاهية المواطن الأميركي، مقابل مقدار مساهمة الولايات المتحدة في رفاهية المواطن الخليجي وأمنه.
فالوجود العسكري الأميركي والقرارات التي اتخذتها الإدارات الأميركية السابقة في الصراعات الإقليمية، اتفقنا أو اختلفنا معها، أيدناها أو رفضناها، هي في الآخر من منح الولايات المتحدة الامتيازات في الأسواق العالمية، تلك هي القضية، لتزيح بنفوذها العسكري أي طرف آخر وتضعه في الصف الثاني سوقيًا، أوروبيًا كان أو روسيًا أو صينيًا.
أميركا خسرت الصدارة في كثير من الأسواق في كل المواقع التي حاول أوباما الانسحاب منها عسكريًا وتركها لصراعاتها تقليلاً للنفقات، فتلك المواقع التي انسحبت منها الولايات المتحدة أو التي خفضت وجودها أو التي امتنعت عن التدخل في صراعاتها، هي أسواق للسلع الأميركية أولاً وأخيرًا، وهي مورد لسلع يستهلكها المواطن الأميركي من جانب آخر، وهي موطن لرؤوس استثمارية تجد لها طريقًا في السوق الأميركية، وهي مواقع لمئات الآلاف من الجنود الأميركيين، ودون نفوذ أميركي تفرضه القوى العسكرية الأميركية لن تجد الولايات المتحدة نفسها في صدارة المستفيدين من هذه الأسواق.
يعتقد طلاب المدارس الأميركية الذين عينوا بمناصب استشارية إبان الحقبة الكارثية الأوبامية أنهم بنصيحتهم للإدارات الأميركية بالانسحاب العسكري وبالابتعاد عن التدخلات العسكرية لوقف النزاعات، أنهم ساهموا في تقليل النفقات وحموا الجنود الأميركيين، وذلك بالنسبة لهم إنجاز، لكنهم لم يحسبوا حساب الامتيازات الذي تمتع به ميزان التجارة الأميركية والاستثمار المرتبط حين ذاك بقوة ذلك النفوذ.
* نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة