القوات الأمريكية بأوروبا.. مظلة دفاعية «في مهب رياح» ترامب

وسط الخلافات الكبيرة عبر الأطلسي تشعر أوروبا بالقلق من خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القادمة.
وفي ظل الانقسام غير المسبوق الذي يهدد التحالف الغربي طويل الأمد، يتساءل قادة أوروبا حول قرار ترامب بخصوص القوات الأمريكية الموجودة في القارة العجوز، حيث يريدون إبقاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعيدًا عن الطاولة في محادثاته مع روسيا.
وتؤجج الخلافات والاقتراحات بتقليص أعداد القوات الأمريكية التوتر الأوروبي بشأن مدى اعتماد القارة العجوز على التحالف مع الولايات المتحدة، والذي دعم أمنها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
ضمانة مطلوبة
وقالت الصحيفة، إن الزعماء الأوروبيين في موقف غير مريح مع وجود أسئلة أكثر من الإجابات حول قرارات ترامب بخصوص القوات الأمريكية في القارة وتداعيات السحب المحتمل لها، والتي ستعتمد على عدد القوات المنسحبة ومدى سرعة تنفيذ تلك الإجراءات.
ويريد قادة أوروبا ضمان ألا يكون أي انسحاب للقوات الأمريكية نتيجة لمفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا خاصة وأن تقارب ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أدى إلى إحياء الكابوس الأوروبي بشأن قبول واشنطن لمطالب موسكو بسحب قوات الناتو من أوروبا الشرقية، في صفقة تعرض جيران روسيا للخطر قبل أن يتمكن الأوروبيون من تعزيز دفاعاتهم.
وقال كاميل جراند، المسؤول السابق في الناتو والذي يعمل حاليا مع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "هذا ما يدور في أذهانهم".
وقال مسؤولون إنه بعد الاجتماع مع وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث الشهر الماضي، أصبح لدى العديد من أعضاء الناتو قناعة بأن واشنطن يمكن أن تسحب آلاف القوات من أوروبا خلال السنوات القادمة.
تقليص مرتقب
وخلال الاجتماع، أخبر هيغسيث نظراءه الأوروبيين بأن عليهم أن يتوقعوا مراجعة وتقليصًا للبصمة العسكرية الأمريكية مع تحول مصالح واشنطن وطلب إدارة ترامب منهم تولي مسؤولية أمنهم.
ورغم تأكيدات مسؤولي إدارة ترامب بأن الانسحاب لن يكون وشيكا، إلا أن إعادة تشكيل واشنطن للتحالفات، بما في ذلك مشادته مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، عززت قناعات الأوروبيين بأنهم لا يستطيعون التنبؤ بما سيفعله الرئيس الأمريكي.
وفي هذه المرحلة الحرجة، يوازن شركاء الولايات المتحدة بين محاولة إقناع ترامب بالبقاء إلى جانبهم وبين الاستعداد لتحول الولايات المتحدة لتصبح غير موثوقة أو حتى عدائية.
مستقبل الناتو
وأثارت سياسة ترامب تحذيرات وجودية من جانب القادة الأوروبيين بشأن مستقبل الناتو والعلاقة عبر الأطلسي مع السعي إلى تعزيز جيوشهم وتأمين مليارات اليورو لتحديث ترساناتهم العسكرية.
وإلى جانب توبيخ قادة أوروبا لتجاهلهم أقصى اليمين، ربط جي دي فانس نائب الرئيس الأمريكي خلال حضره مؤتمر ميونخ للأمن، مصير القوات الأمريكية بصنع السياسات الأوروبية وهي الرسالة التي تزيد من حدة القلق الأوروبي.
والشهر الماضي، قال فانس "هناك آلاف وآلاف من القوات الأمريكية في ألمانيا اليوم.. هل تعتقد أن دافعي الضرائب الأمريكيين سيقبلون ذلك إذا ألقيت في السجن في ألمانيا لنشر تغريدة سيئة؟ بالطبع لن يفعلوا ذلك".
وتستضيف ألمانيا أكثر من 35 ألف جندي أمريكي منتشرين في مجموعة من القواعد في جميع أنحاء البلاد، وهو العدد الأكبر للقوات الأمريكية في أوروبا.
ورفض ترامب سحب جميع القوات الأمريكية من أوروبا في صفقة مع بوتين وعندما سُئل عما إذا كان سيفكر في الانسحاب الكامل، أجاب "لا أعتقد أننا سنضطر إلى القيام بذلك.. لا أريد أن أفعل ذلك.. لكن هذا السؤال لم يُطرح حقًا".
جذور الصراع
وبينما يسعى ترامب للتفاوض مع روسيا لإنهاء حرب أوكرانيا، يؤكد المسؤولون الروس أنهم يريدون القضاء على "الأسباب الجذرية" للصراع.
وتتزايد المخاوف في دول أوروبا الشرقية والبلطيق، من أن تطالب موسكو بما هو أبعد من أوكرانيا وأن تسعى إلى صد توسع الناتو هناك، لذا عزز عدد من جيران روسيا ميزانيات الدفاع بشكل كبير.
ويرى الدبلوماسيون أن الوجود العسكري الأمريكي الواسع النطاق يتجاوز حماية أوروبا فهو يتعلق أيضًا بإظهار القوة الأمريكية وخدمة مصالح واشنطن، حيث تم استخدام قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، بانتظام للعمليات الأمريكية خارج القارة.
وقبل فترة طويلة من ولاية ترامب الثانية، حذرت الإدارات الأمريكية السابقة من أن الأولويات ستتحول إلى أماكن أخرى، بما في ذلك منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ومع ذلك، يجد قادة أوروبا أنفسهم غير مجهزين بشكل كافٍ ويدركون أن الانسحاب الأمريكي قد يأتي بشكل مفاجئ أسرع مما كان متوقعًا ويأمل بعضهم أن يتمكنوا من إقناع الإدارة الأمريكية بأن أي خطط لنقل القوات ستشمل مناقشة منحهم الوقت الكافي للاستعداد لسد الفجوات.
سلاح الوقت
وقالت القيادة الأمريكية الأوروبية إن العدد الإجمالي للقوات الأمريكية في القارة يتراوح بين 75 ألفا و 105 آلاف منذ عام 2022، مع وجود حوالي 63 ألف جندي متمركزين بشكل دائم حاليًا، بينما يتناوب آخرون على الدخول والخروج.
ويتوقع 3 دبلوماسيين أوروبيين أن تسحب واشنطن الزيادة التي تبلغ حوالي 20 ألف جندي أمريكي، والتي أرسلتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في بداية حرب أوكرانيا.
وقال دبلوماسي من الناتو: "لن أتفاجأ إذا عادت تلك القوات.. تم إرسال القوات في ذروة التخطيط للطوارئ، لذا فإن مغادرتها ستكون عودة إلى الوضع الطبيعي".
ويرى محللون إن إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا لدعم وقف إطلاق النار المحتمل سيعيق جهود سد فجوات القوات الأمريكية التي قد تنسحب.
ولا يقتصر الأمر على القوات بل يمتد أيضا للقدرات المتطورة التي تجلبها الولايات المتحدة لأوروبا .
وتتساءل الدول الأوروبية التي اعتمدت طويلا على واشنطن لكبح روسيا، عما إذا كانت ستحصل على دعم أمريكي في أي أزمة مستقبلية أو سيكون عليها أن تقف بمفردها خاصة وأنه مع نهاية الحرب الباردة، تقلصت قواتها المسلحة حيث استثمرت العديد من الدول في أولويات أخرى.
وخلال السنوات الأخيرة، رفعت الحكومات الأوروبية إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة لكن جراند قال "يعاني الأوروبيون من مشكلة خطيرة تتعلق بالاستعداد ... يحاولون إصلاحها، لكن الأمر يستغرق وقتًا".
وفي بولندا، التي تستضيف نحو 10 آلاف جندي أمريكي، قال هيغسيث الشهر الماضي إن الإدارة تدرك أن وجودها في أوروبا "مهم لردع" روسيا، لكنه حذر من افتراض "أن الوجود الأميركي سيستمر إلى الأبد".