إيران وداعش.. تحديات ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق
اتفاق عراقي أمريكي يقضي بانسحاب القوات الأمريكية المقاتلة بنهاية 2021 ويرفع بالمقابل سقف التحديات ببلد تربض على أبوابه داعش وإيران.
وأنهى العراق ضمن الجولة الرابعة والأخيرة من الحوار الاستراتيجي مع واشنطن الجدلية المعقدة بشأن مصير قواتها القتالية بالبلد العربي وجدولة انسحابها بشكل تام.
وجاءت نتائج جدولة الإطار الاستراتيجي، عقب لقاء جمع الرئيس الأمريكي جو بادين برِئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أمس الإثنين، بانتهاء وجود تلك القوات وانسحابها بالكامل بنهاية العام الحالي، والاقتصار على تقديم الدعم للعراق عبر مجاميع من العناصر الأمريكية المختصين بالتدريب والمشورة.
ورغم أن الأوساط السياسية والرسمية رأت في الاتفاق قرارا تاريخيا وجولة تفاوضية خرج منها العراق بنصيب الأسد، إلا أن ذلك لم يقلص منسوب المخاوف من انفراد إيران في ذلك المشهد وتوغل نفوذها في الداخل العراقي بشكل أكبر.
وتبدي بعض الأوساط المعنية بالشأن العراقي خشيتها من خطر ذلك الانسحاب الأمريكي الكامل في وقت تعيش فيه البلاد حالات ضعف واضطراب أمني على وقع هجمات تنظيم داعش وانتشار السلاح.
في الأثناء، تبرز استفهامات أخرى وسط احتفاء البعض بقرار الانسحاب الأمريكي، حول مدى قدرة القوات الأمنية والأجهزة العسكرية العراقية على سد الفراغ؟ وما هو الضامن بعدم تكرار سيناريو سقوط المدن على يد الإرهاب قبل نحو سبع سنوات؟.
يقول النائب العراقي بدر الزيادي، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، إن "رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي التقى، قبيل مغادرته إلى واشنطن لخوض الجولة الأخيرة، بقيادات عسكرية وقوى سياسية وقد جرى التفاهم والاتفاق على تقديم العراق طلباً رسمياً بسحب القوات الأمريكية القتالية من العراق".
ويضيف الزيادي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن القيادات الأمنية والعسكرية أبدت جاهزيتها واستعداداها لإدارة الملف الأمني والقدرة على مواجهة التحديات التي يعيشها العراق في هذا الجانب".
ولفت إلى أن "نتائج الجولة الرابعة كانت في صالح العراق وتحسب للمفاوضين وعلى رأسهم الكاظمي، ولكن الأمر ما زال في أوله وهنالك اجراءات وترتيبات يجب الالتزام فيها حتى نحقق ذلك الانسحاب العسكري".
ويستدرك بالقول أنه "على الجهات التي تستهدف القوات الأمريكية في العراق التوقف عن عملياتها فوراً، وبخلاف ذلك فإن الولايات المتحدة ربما ستذهب نحو تغير مواقفها من الانسحاب وهذا ما يجب الالتفات إليه".
من جانبه، يرى الخبير الأمني العراقي فاضل أبو رغيف أن العراق يمتلك أجهزة أمنية وعسكرية كبيرة ومدربة ولديها الخبرات الميدانية والفنية بفعل تجارب الحروب التي خاضتها مع داعش وبالتالي فإن لها القدرة على تحمل ذلك الملف بامتياز".
تشكيك
يشكك البعض في نوايا واشنطن بجدية سحب قواتها العسكرية من العراق المقدرة بنحو 2500 جندي، معتبرين أن الأمر تكتيك استراتيجي جاء لفك الضغط على قواتها من الضربات الإيرانية، وكذلك محاولة لتخليص الكاظمي من إرادات خانقة تمارسها عليه بعض القوى السياسية القريبة من إيران.
يقول المحلل السياسي سامي السهل، إن "(الرئيس الأمريكي) جو بايدن وقف، خلال الجولة التي خاضها مع الكاظمي ليل أمس، في المنتصف، فهو يحاول إبعاد الضربات الإيرانية عن مقاتليه في العراق وكذلك فرصة لتخفيف الضغط على رئيس الوزراء الذي يلقي دعما من قبل الولايات المتحدة لمغادرة الضغط الذي تمارسه المليشيات والقوى السياسية التي تمثلها بطلب الانسحاب العسكري الفوري".
ويؤكد السهل، لـ"العين الإخبارية"، أن التفاهمات التي خرجت من الجولة الرابعة تشير في بعض دلالاتها أنه ليس هنالك انسحاب كامل للقوات الأمريكية، فإذا "ما نظرنا إلى حاجة العراق للدعم الجوي الأمريكي وقبول الأخير بذلك الأمر، فإنه ليس من المعقول أن توجد اسنادات وضربات من تلك الطائرات دون أن يكون هنالك تواجد للقوات الأمريكية على الأرض".
ويشدد السهيل على أن "الولايات المتحدة لديها حسابات استراتيجية كبيرة ضمن دائرة منطقة الشرق المتوسط الملتهبة وخصوصا العراق الذي يعد الخط التماس مع إيران وبالتالي لن يكون هنالك فراغ أمريكي يسمح لطهران بابتلاع بغداد".
ويقترب من ذلك الرأي ما ذهب اليه المحلل السياسي علي الكاتب الذي يرى أن الخيوط متشعبة ومعقدة في الدائرة العراقية مع تعقد الصراع بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي، وهو ما يدفع بفرضية أن ما حدث في الجولة الرابعة جاء لتعضيد الجبهات ورسم محاور جديدة في مواجهة واشنطن للرغبة الإيرانية في العراق.
ويشير الكاتب خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "العراق يختلف عن أفغانستان ولن تتعامل الولايات المتحدة مع البلدين وفق التكتيك الواحد وذات الرؤية".
وتابع:" لو تطلعنا إلى تصريحات بايدن وبعض المسؤولين في إدارة البيت الأبيض والتي عبرت عن رغبة أمريكية بتطوير العلاقة مع العراق والدفع بها إلى شراكة استراتيجية، ندرك أن هذا يؤشر على أن واشنطن لايمكن أن تظل في سماء العراق بخلاف ما فهمه البعض من قرارات خرج بها الحوار الأخير".
لن يكون ساحة إيرانية
يلفت الكاتب والصحفي حمزة مصطفى إلى أن الولايات المتحدة سعت، عبر مفاوضات الإطار الاستراتيجي الأخير، للتعامل مع بغداد وفق منطلقين، أولهما: الشراكة الاستراتيجية، وثانياً: ألا لا يكون العراق ساحة إيرانية لتهديد مصالح واشنطن.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي والأكاديمي عبد المنعم الأعسم، لـ"العين الإخبارية"، أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يحتاج لأن يخرج من هذه المفاوضات بثلاث مكاسب وهي التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن العراق، وضمان إخراج قواتها، وأخيراً احترام السيادة وعدم تصدير البلاد ساحة للصراع بين واشنطن وطهران.
فيما يرى الخبير الاسترايتجي، منذر رسول، أن "هنالك معضلة رئيسية تخرج من رداء الانسحاب الأمريكي وهي خلو الساحة العراقية للنفوذ الإيراني والمزيد من التحكم بمصائر القرارات السياسية والسيادية من قبل القوى المسلحة والمليشيات غير الشرعية".
ويصف "رسول" قرار سحب القوات القتالية الأمريكية من العراق بأنها "نذر خطر"، قد تهدد بضياع ما تحقق من مساع خارجية وداخلية للإفلات من الطوق الإيراني.
ويعتقد رسول أن قرار بايدن بجدولة انسحاب قواته العسكرية من العراق بنهاية العام الحالي كان مبكراً وسريعاً، معتبرا أن مثل ذلك الأمر لايمكن المضي به قبل أن تضع المجاميع المسلحة المليشياوية أسلحتها وتستسلم لمنطق الدولة.
ورغم كل ذلك كما يصور الخبير الاستراتيجي، فإن "الولايات المتحدة كثفت من جهودها في عهد حكومة الكاظمي بسحب العراق من المستنقع الإيراني نحو الحاضنة العربية تهيئة لمثل هذا اليوم".