افتراض سيناريو المواجهة بين طهران وواشنطن لن يتعدى كلمات الوعيد الإيرانية
تماما كما المجرم الذي لا يريد الاعتراف بخطئه ويكابر و يرغي ويزبد ويتوعد وهو يدرك أنه أضعف من أن يؤذي غيره، وجهت إيران على لسان رئيسها حسن روحاني تهديدات مباشرة للولايات المتحدة، و شبه مباشرة لدول الخليج في استمرار لسلسلة من التصريحات المستفزة التي بدأها هو وفريقه منذ إعلان الإدارة الأمريكية عزمها تشديد العقوبات الاقتصادية على نظام الملالي في مايو.
أبرز تلك التهديدات الإيرانية كانت منذ أيام على لسان إسماعيل كوثري القيادي في الحرس الثوري، الذي هدد بإغلاق مضيق هرمز في حال حظرت واشنطن صادرات إيران من النفط ليلحقه روحاني بتصريحات مشابهة وجدت تأييدا من قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري معلنا جاهزية فيلقه لتنفيذ الأوامر.
الملالي سيحسبون ألف حساب للإبقاء على الأوروبيين قريبين منهم، لذلك لن يتعدى الأمر بالنسبة لهم سوى الجعجعة ثم الرضوخ في نهاية الأمر لرغبة الشارع أولا ثم رغبة المجتمع الدولي الذي أجمع على الاصطفاف في معسكر مضاد لنظام طهران الحاكم بحثا عن السلم والأمن.
أما أحدث تلك التهديدات فقد جاءت في شكل تصعيد لفظي وظّفه روحاني في أكثر من اتجاه لكنه محلي الاستهلاك بالدرجة الأولى، حيث أكثر ما يخشاه روحاني وزبانيته تحرك الشارع المحتقن ضده، لذا فهو يحاول في كل مناسبة - لاسيما الخارجية منها- أن يبدو مسيطرا أمام مواطنيه الذين أظهروا وما زالوا يظهرون له رفضهم لظلم واستبداد وفساد نظام الملالي الذي أنهكهم وأتى على ثرواتهم.
يحذر روحاني ترامب في إحدى تلك التصريحات الكوميدية أمام حشد من الدبلوماسيين الإيرانيين من اللعب بذيل الأسد "لأن ذلك لن يؤدي إلا للندم" بحسب تعبيره.. قائلا إنه ينبغي أن تعلم أن السلام مع إيران هو السلام الحقيقي وأن الحرب معها هي أم الحروب! صحيح أنها ستكون أم الحروب ولكن ذلك بالنسبة لإيران وليس لغيرها، وسيكون ذلك صعبا وكبير التكلفة عليها.. فالأرقام والمعلومات معروفة لدى الجميع فيما يخص تفوق الاستعدادات العسكرية والأساطيل الحربية التابعة للدول الحليفة لدول المنطقة التي تتواجد في المياه الدولية فقط، فضلا عن القواعد الدورية والبجرية الموجودة بموجب اتفاقيات مع الحلفاء.
تلك التصريحات لم تمر مرور الكرام على الإدارة الأمريكية فقد رد عليها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أمام حشد من الأمريكيين من أصول إيرانية في مكتبة ريغان في ولاية كاليفورنيا بتعبيرات محددة، معلنا أن بلاده لا تخشى استهداف النظام على أعلى مستوى، قائلا إن إيران تدار من قبل ما يشبه المافيا وليس من قبل حكومة، وذلك بسبب فساد زعماء إيران.. واضعا الكرة في ملعب الشعب الإيراني بقوله إن الأمر يرجع إليهم لتحديد مسار بلادهم، وتعهد بأن تدعم الولايات المتحدة أصوات الشعب الإيراني.
بومبيو قال أيضا إن روحاني ووزير خارجيته ظريف وجهان براقان دوليا لـ" نظام الملالي" المخادع، مستخدما مصطلح "الملالي" للمرة الأولى تقريبا، في إشارة إلى نية الإدارة الأمريكية نقل المواجهة من مسار العقوبات المنتهية بردع إيران والسيطرة على أطماعها وتحقيق السلام المنشود، إلى المرحلة الأخيرة من مراحل تنفيذ العقوبات الأمريكية الصارمة وهي حظر الصادرات النفطية الإيرانية، والتي تعني قطع آخر سبيل لإمداد النظام الإيراني بالعملة الصعبة لتوفير احتياجاته الأساسية أمام شعبه الذي ينتظر لحظة الخلاص.
افتراض سيناريو المواجهة بين طهران وواشنطن لن يتعدى كلمات الوعيد الإيرانية التي يراد منها، كما أسلفت، إرسال رسائل للداخل الإيراني، و بما أن نظام الملالي نظام قمعي ديكتاتوري فإن مغزى هذه الرسائل قمعي بامتياز.. الشارع الإيراني مغلوب على أمره ودخل حيز التصنيف منذ سنوات بين مؤيدين ومعارضين لفساد حكومة المحافظين، ولم يسلم من أعلن معارضته من رموز الإصلاح من السجن والمنع من التواصل مع الجمهور كما حدث مع كروبي وموسوي اللذين قادا احتجاجات الحركة الخضراء في العام 2009 .
لذلك وكإحدى آليات تنفيذ ما تعهدت به الإدارة الأمريكية من مساعدة للشعب الإيراني الذي يتحكم به نظام الملالي ويتحكم في طريقة تلقيه للمعلومات، أعلن بومبيو أن الولايات المتحدة ستطلق قناة تلفزيونية وإذاعة ناطقتين بالفارسية على مدار أربع وعشرين ساعة، إضافة إلى منصات للتواصل الاجتماعي للوصول إلى الإيرانيين في الداخل وفي كل أنحاء العالم، الأمر الذي يعني اعتزام الإدارة الأمريكية الذهاب إلى ماهو أبعد من العقوبات باتجاه تغيير النظام بتدخل مباشر إذا ما استندنا إلى مفردات تصريحات بومبيو، أو غير مباشر أيضا إذا ما تمعنا في حديثه عن تكريس وسائل إعلامية وتواصل اجتماعي لهذا الهدف.
ترامب لم يفوت هذه السانحة - وربما للمرة الأولى غرّد ثانيا وليس كما عودنا قبل أي مسؤول- وشن هجوما تحذيريا حاد اللهجة عبر وسيلته المفضلة وهي التغريد عبر تويتر معنفا روحاني بأن إياك أن تهدد الولايات المتحدة مرة أخرى، وإلا فستواجه عواقب لم يواجهها إلا قلة على مر التاريخ.. وركز على أن تهديد إيران ووعيدها ستكون له عواقبه وهذا تهديد مباشر من الرجل الأول في الإدارة الأمريكية يحمل في طياته احتمالات باتت معالمها أكثر وضوحا تجاه رموز هذا النظام، وقد فسرت الاحتمالات على نظاق واسع أن الأمر مرشح للتصعيد، والمواجهة قد تقع في أي وقت.
لكن يبدو أن الأمر ليس من السهولة بمكان سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو نظام الملالي الإيراني، فالولايات المتحدة تدرك أن كلفة أي مواجهة قد تكون وخيمة على الداخل الإيراني والأبرياء الإيرانيين الذين ذاقوا ماذاقوا من ويلات قمع هذا النظام لهم.. لاسيما إذا ما وجد النظام نفسه أمام سيناريو تدخل أمريكي باستخدام القوة، وبما أنه لم يعد يرى معارضيه سوى أعداء له فسيتبع معهم نظرية - علي وعلى أعدائي- ونتيجة ذلك ستكون مروعة وتكلفتها كبيرة بشريا وماديا وهما أمران لابد أن الإدارة الأمريكية تحسب لهما حسابا دقيقا ولا ترغب فيهما.
قد تكون مسألة الحسابات الدقيقة هذه وراء تصريح الرئيس الأمريكي الأخير بشأن استعداد إدارته لعقد اتفاق جديد مع إيران بشروط جديدة - بعد يومين فقط - من إطلاقه تلك التحذيرات القوية، ويمكن وضع تلك التصريحات المدروسة في سياق موحد مع تصريحات بومبيو إذا ما ركزنا على سيناريو دعم الشعب الإيراني وتشجيعه على المضي قدما في انتفاضاته حتى تغيير النظام بنفسه، وبمقارنة سريعة بين التدخل العسكري والتدخل الناعم بحسابات الأرقام ستكون تكلفة التدخل الناعم أقل بكثير من التدخل العسكري. لذلك فإن الاستراتيجية التي اتضحت معالمها أكثر فأكثر هي التعامل بأسلوب الترهيب والترغيب.. الترهيب من سيناريو المواجهة والترغيب في التعاون والسلام والإصلاح السياسي، والإثنان ليسا خيارين بل إن أحدهما مرتبط بالآخر شرطيا، هذا فيما يخص الإدارة الأمريكية،
أما فيما يعني الجانب الإيراني فإن - الذي فيه مكفيه- وضع اقتصادي متهالك وعصيان مدني متصاعد وعقوبات اقتصادية زادت الطين بلة واستثمارات مهددة وعلاقات دولية متهتكة.. كما أن الملالي سيحسبون ألف حساب للإبقاء على الأوروبيين قريبين منهم لذلك لن يتعدى الأمر بالنسبة لهم سوى الجعجعة ثم الرضوخ في نهاية الأمر لرغبة الشارع أولا؛ ثم رغبة المجتمع الدولي الذي أجمع على الاصطفاف في معسكر مضاد لنظام طهران الحاكم بحثا عن السلم والأمن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة