في عالمنا العربي ظلت الولايات المتحدة الأمريكية هي السائدة ارتباطاً بكل قضايا العرب، وعلى وجه أشمل كل قضايا الشرق الاوسط
في العشرين من يناير المصادف ليوم السبت القادم يُتم الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين دونالد ترامب عامه الأول في البيت الأبيض، و يتبقى له ثلاثة أعوام يرى خصومه أنها لن تتم عدداً، بينما يُجزم أنصاره بتمامها ثمانية أعوام عبر ولايتين اثنتين.
هل يكون ترامب هو الساحر الذي أبطل فعل سلفه المسحور وسياساته في المنطقة؟ حيث لا يحل السحر إلا ساحر، لتظل الإجابة مرتبطة بسياسات ترامب في سنينه الثلاث القادمة، لعل وعسى.
تقول المادة الثانية من الدستور الأمريكي "تُمنح السلطة التنفيذية للولايات المتحدة للرئيس عبر تنفيذ القانون الاتحادي، إلى جانب مسؤولية تعيين المكتب التنفيذي المرافق له والمستشارين الدبلوماسي، الفيدرالي، التنظيمي، والقضائيين، وإبرام معاهدات مع القوى الأجنبية، بمشورة وموافقة مجلس الشيوخ، ويخوّل الرئيس لمنح العفو وإرجاء تنفيذ الأحكام، وعقد وتأجيل مجلسي النواب ومجلس الشيوخ في ظل ظروف استثنائية".
إلا أن ما لا يملكه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الصلاحيات التشريعية الرسمية بعد التوقيع على سن القوانين أو الاعتراض على مشاريع القوانين وتمريرها للكونغرس، غير أنه يكون هو المسؤول إلى حد كبير عن إملاء جدول الأعمال التشريعية في حزبه والسياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة.
ليس سراً أن نقول إن الولايات المتحدة تعتمد في سياستها الخارجية على نظرية الحرب الاستباقية، استباقية الهيمنة على العالم؛ وذلك باستخدام القوة العسكرية في جانبيها، الخشن ممثلاً في قوة الردع، والناعم القائم على سياسة الاحتواء.
وتظل هذه السياسة هي المنهج الدستوري الذي لا يُمس ولا يمكن التنازل عنه أمريكياً أياً كان الكابتن المناط به تولي قمرة الرئاسة، والقيادة للسياسة الخارجية والداخلية على حد سواء، والحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن أمريكا نجحت في البقاء كقوة عظمى مسيطرة على العالم مهما تغيرت مراكز المنافسين لها كقوة عظمى، بين الظهور ثم الاختفاء ثم الظهور كما هو حال اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية منذ عام 1922 وحتى 1991 م سابقاً ، روسيا الاتحادية حالياً .!
أو تلك القوى العظمى المستمرة في المنافسة للوجود الأمريكي كالصين و الاتحاد الأوروبي واليابان، وهي قوى تحاكي وربما تتفوق في جوانب اقتصادية صرفة، ولكنها تظل أقل بكثير على الأقل في المستقبل المنظور لمجابهة أو التفوق على التواجد الأمريكي عالمياً أو عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو بهم جميعاً .!
في عالمنا العربي ظلت الولايات المتحدة هي السائدة ارتباطاً بكل قضايا العرب، وعلى وجه أشمل كل قضايا الشرق الأوسط، من المحيط الأطلنطي وصولاً إلى شبه القارة الهندية، لتشكّل السياسة الأمريكية اللاعب الرئيس في هذه الجغرافية الشاسعة.
لذا ؛ فلا غرابة أن تأتي السياسة الأمريكية بدور مؤثر سلباً أو إيجاباً في المنطقة، عبر دور مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياستين التشريعية والتنفيذية العُليا وليس فقط بحكمة وحنكة كابتن قمرة القيادة، الذي مهما كانت الخيارات متاحة أمامه للتحليق بطائرته الرئاسية، إلا أنه يتبع مساراً واحداً مرسوماً له سلفاً .
وهنا أتحدث عن فترة التحليق الرئاسية في الحكومة الأمريكية، والتي يرى المراقب البسيط قبل المُحنك الضليع بأن سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في العالم العربي والشرق الأوسط، وتحديداً مع العرب وايران، مختلفة تماماً عنها في "العهد الترامبي" الذي لم تتحدد معالم سياسته الخارجية، كونها في أشهرها الاثني عشر الأُول، وكونها لا تزال مرتبطه ذهنياً بوعود انتخابية لم تغادر ذاكرة الناخب الأمريكي بعد .!
فأوباما الذي شكّلت إدارته مع إيران مثلاً، علاقات أوثق في المنطقة مكّنته إلى حد بعيد من إبرام الاتفاق النووي الإيراني الذي يراه خلفه ترامب عاراً على السياسة الأمريكية الشرق أوسطية، ولا يخفى على العالم صمت أوباما وإدارته على دحر انتفاضة الشعب الإيراني عام 2009 م، العام الذي تولى فيه بالعشرين من يناير منصب رئيس الولايات المتحدة.!!
أوباما وعلاقته بالإخوان المسلمين، والتي تقول الكثير من الروايات إن عضو الإدارة الأمريكية هوما عابدين الباكستانية الأصل، كانت على علاقات وطيدة مع شخصيات مؤثرة في تنظيم الإخوان، وهي من أشاد بها الرئيس الأمريكي السابق في فطور رمضاني، وأنها من الشخصيات المؤثرة التي تعتمد عليها الوزيرة هيلاري كلينتون كثيراً وغيرها من إدارة أوباما، ممن كانت تدور حولهم الشبهات في علاقاتهم كمسؤولين في الإدارة الأمريكية السابقة وجماعة الإخوان .
هنا نذكر من المفاجأة حينها التي عُدّت أنها العيار الثقيل حين أكدت صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية في 3 يونيو 2015 م، في مقال تحت عنوان: «أوباما يدعم سراً الإخوان المسلمين" بقلم بيل جيفتي، كشف فيه عن وثيقة استراتيجية للبيت الأبيض. تعتبر أن جماعة الإخوان بديل معتدل بالنسبة لباقي الجماعات الإسلامية الأكثر عنفاً مثل داعش والقاعدة ..!
اليوم وقد وُصِفت سياسات أوباما السابقة بالمسحور تجاه إيران و جماعة الإخوان المسلمين، يرى الكثير من المراقبين أن سلفه أتى بالنقيض تماماً، وهو يتدخل إيجاباً في انتفاضة الشعب الإيراني 2017 م، والتهديد بنسف الاتفاق "العار" كما يسميه ترامب، و يقوم بإرساء دعم محاربة الإرهاب الذي لم يعد خافياً على ذي لُبٍّ أن داعمه الأول في العالم هو تنظيم الإخوان.
فهل يكون ترامب هو الساحر الذي أبطل فعل سلفه المسحور وسياساته في المنطقة؟ حيث لا يحل السحر إلا ساحر، لتظل الإجابة مرتبطة بسياسات ترامب في سنينه الثلاث القادمة، لعل وعسى. .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة