لقاح كورونا.. هل يمنع نقل العدوى للآخرين؟
أحد الأسئلة المهمة التي يطرحها كثيرون يدور حول إمكانية نقل عدوى فيروس كورونا بعد التطعيم بأحد اللقاحات التي اعتمدتها الجهات المختصة.
نعلم أن اللقاحات المتوفرة حاليا تحمي متلقيها من الإصابة بفيروس Covid-19 بنسبة من 50% إلى 90%، لكن ما لا نعرفه هو ما إذا كانت تلك الأمصال تحد أيضًا من نقل عدوى كورونا للآخرين.
ورغم عدم وجود إجابة قاطعة حتى الآن، فإن المختصين يعملون بجد للتوصل لمعلومات دقيقة في هذا الشأن، مع العلم أن فهم تأثير اللقاحات على الانتقال يساعد في تحديد متى يمكن أن تعود الأمور إلى ما يبدو عليه الوضع الطبيعي الجديد.
وتأمل البشرية، بعد أكثر من عام على تفشي الجائحة، أن يكون 2021 هو العام الذي تساعد فيه لقاحات "كوفيد-19" على العودة إلى حياة ما قبل كورونا.
هدف لقاحات كورونا
من المعروف أن اللقاحات تحمي الشخص الذي يتم تطعيمه ضد المرض، لكن من غير المحدد ما إذا كانت تمنع هذا الشخص من نقل الفيروس إلى آخر أم لا، لكن العلماء يعملون حاليا على التأكد من ذلك.
وفقا لموقع " كوارتز" Quartz فإن السبب في أن العلماء لا يعرفون ما إذا كان لقاح كورونا يمكن أن يمنع انتقال المرض ذو شقين: الأول عملي والثاني مناعي.
عن السبب الأول، أوضح الموقع أن "أول هدف للقاحات هو منع الأفراد من الإصابة بالمرض، وهذا ما صممت التجارب السريرية لأمصال كورونا لتحديده. نحن ببساطة لا نملك بيانات الصحة العامة للإجابة على سؤال انتقال العدوى حتى الآن".
موقع صحيفة "أيريش تايمز" الأيرلندية نقل عن دكتورة متخصصة في الكيمياء الحيوية وبيولوجيا الخلية ومحاضرة أولى في جامعة كاليفورنيا قولها إن "الهدف الأساسي للقاحات Covid-19 الحالية كان الوقاية من المرض".
وأضافت الدكتورة آن مور، التي تتمتع بخبرة واسعة في اللقاحات وأنظمة توصيلها، أن "الدراسات لا تزال جارية حول ما إذا كان للقاحات كورونا تأثير على نقل العدوى للآخرين. من غير المحتمل تمرير العدوى لكنه ليس مستحيلًا".
وتابعت: "من منظور مناعي، من غير المحتمل إذا حقنت العضلات أن تحفز استجابة مناعية جيدة في الغشاء المخاطي ومجاري الهواء العلوية، لذا إذا لم يكن لديك استجابة مناعية في أنفك وحنجرتك فهناك احتمال أن تظل تؤوي الفيروس وبالتالي تنقله إلى آخرين".
لذلك، حتى لو تم تطعيمك فلا يزال من غير المؤكد أنك لن تنقل الفيروس التاجي إلى آخر، وبالتالي يجب أن يستمر الأشخاص الذين حصلوا على لقاح كورونا في اتباع جميع إرشادات الصحة العامة، مثل التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة، وغسل اليدين بانتظام، وما إلى ذلك.
لقاحات تمنع العدوى
يجرى حاليا تطوير عدد من لقاحات كورونا المستجد والتي تم تصميمها خصيصًا لمنع انتقال عدوى الفيروس التاجي.
قالت المحاضرة بجامعة كاليفورنيا: "هذه اللقاحات تم تصميمها لتحفيز استجابة مناعية جيدة في الأنف والحلق لمنع أي شخص من الإصابة بأي فيروس في أي جزء من نظامه".
وفقا لمور، سوف يستغرق العلماء وقتًا قبل أن يتوصلوا لإجابة قاطعة عن سؤال ما إذا كانت لقاحات Covid-19 الحالية تمنع انتقال العدوى أم لا.
وأوضحت أنه لفهم ما إذا كانت اللقاحات قد توقفت عن الانتقال، سنحتاج إلى دراسة سكانية حيث يمكنك البحث ومعرفة ما إذا كان مستوى الانتقال قد انخفض في مجتمع مُلقح.
وتابعت: "يستغرق ذلك مرارًا وتكرارًا لأنه يعتمد على كمية الفيروس الموجودة في هذا المجتمع بعد تلقيح عدد كافٍ من الناس. بمرور الوقت يمكننا تحديد ما إذا كان انتقال الفيروس ينخفض عندما تقوم بتطعيم غالبية السكان".
وأكملت شرح: "إذا وصلنا إلى مستوى عالٍ من مناعة القطيع بهذه اللقاحات، فسنقلل أيضًا من عدد الأشخاص المعرضين للإصابة والمرض. سيكون هذا معلما رئيسيا في مكافحة هذا الفيروس. سيوضح الوقت والتحقيق الجوهري ما إذا كان لهذه اللقاحات أيضًا تأثير مباشر أو غير مباشر على الانتقال".
خداع الجهاز المناعي
موقع " كوارتز" Quartz شرح السبب الثاني المناعي الذي يجعل العلماء لا يعرفون ما إذا كان لقاح كورونا يمكن أن يمنع انتقال المرض أم لا.
ووفقا للموقع فإن "من منظور علمي، هناك الكثير من الأسئلة المعقدة حول كيفية إنتاج اللقاح للأجسام المضادة في الجسم والتي لم تتم دراستها بعد. لا يزال العلماء حريصين على استكشاف هذه الثقوب المناعية لكن الأمر قد يستغرق سنوات".
تعمل اللقاحات عن طريق خداع الجهاز المناعي لصنع أجسام مضادة قبل ظهور العدوى. يمكن للأجسام المضادة بعد ذلك مهاجمة الفيروس الفعلي عندما يدخل أنظمتنا قبل أن تتاح لها فرصة التكاثر بما يكفي لإطلاق عدوى كاملة.
ولكن في حين أن اللقاحات يمكن أن تتفوق في أداء وظيفتها التمثيلية المعدية، فإنها لا تستطيع جعل الجسم ينتج أجسامًا مضادة تمامًا مثل الحرب الحقيقية.
حسب المعلومات المتاحة حتى الآن، فإن لقاحات Covid-19 تجعل الجسم ينتج فئة من الأجسام المضادة تسمى جلوبولين المناعي G أو الأجسام المضادة IgG.
الدكتور ماثيو وودروف، عالم المناعة في جامعة إيموري الأمريكية، قال: "الأجسام المضادة IgG تتفاعل بسرعة مع جميع أنواع الأعداء والكيانات الأجنبية. إنها تشكل غالبية الأجسام المضادة في أجسادنا، ويقتصر وجودها على الأجزاء التي ليس لها اتصال بالعالم الخارجي مثل العضلات والدم".
ووفقا للعالم الأمريكي فإن "الجهاز المناعي يعتمد على IgA في حماية الأنف والحلق والرئتين والجهاز الهضمي، ولا نعرف حتى الآن مدى قدرة لقاحات كورونا على تحريض هذه الأجسام المضادة".
وأضاف: "الأشخاص الذين يتعافون من Covid-19 ينتجون الكثير من الأجسام المضادة IgA الأكثر تخصصًا التي توجد في الجهاز التنفسي العلوي، لذا نتوقع ألا ينشروا المرض بعد الآن، مع العلم أن هذا قد يعتمد على مقدار الفيروس الذي تعرض له هذا الشخص ".
لكننا لا نعرف ما إذا كان الأشخاص الذين لديهم أجسام مضادة IgG من اللقاح يوقفون الفيروس في قنواتنا التنفسية العلوية بنفس الطريقة. أيضا لا يزال العلماء لا يعرفون مقدار فيروس كورونا المستجد الذي يتطلبه الأمر لإحداث عدوى جديدة، وفقا للدكتور وودروف.
لذا حتى لو فهمنا مدى نجاح اللقاح في منع الفيروس من التكاثر في الجهاز التنفسي العلوي، فسيكون من الصعب معرفة ما إذا كان هذا يعني أن الشخص لا يمكنه نقل المرض أم لا.
الانتشار المجتمعي
من غير المحتمل أن تكشف الأبحاث المناعية وحدها كيف يمكن للقاحات منع انتقال فيروس Covid-19 على الأقل لسنوات، لكن هناك طريقة أخرى لمعرفة ما إذا كان اللقاح يمكن أن يمنع شخصًا من نقل الفيروس للآخرين: الانتشار المجتمعي.
نظرًا لأن حملات التطعيم ضد كورونا تسير بوتيرة سريعة في دول كثيرة على الكوكب، يمكن لمسؤولي الصحة العامة معرفة مدى سرعة انخفاض عدد حالات الإصابة بالفيروس التاجي.
قد لا يكون مؤشرًا مثاليًا لمعرفة ما إذا كنا سنوقف الفيروس في مساره أم لا، لكن لأغراض عملية ستكون جيدة بما يكفي للمساعدة في اتخاذ قرارات الصحة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، رغم أن البيانات المتاحة عن التجارب السريرية ليست مثالية فإنها مؤشر جيد جدًا على أن اللقاح يوقف على الأقل بعض التكاثر الفيروسي.
يشار إلى أن كل من اللقاحات الممنوحة للاستخدام في حالات الطوارئ حاليا، مثل موديرنا وفايزر وأسترازينيك، أظهرت جميعها فاعلية عالية في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.
لكن في كل الحالات يستغرق الأمر المزيد من الوقت لمعرفة ما إذا كان الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح يشاركون في أحداث انتقال مستقبلية للفيروس أم لا.