حقان فيدان.. كابوس أردوغان ومؤشر الحكم في تركيا
كاتب تركي قال إن "الأجواء السياسية العامة تشبه ما حدث عام 2001 وأن بلاده بصدد انهيار اقتصادي، ونظام يتصدع من الداخل".
في ظل الانشقاقات اليومية التي يشهدها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، سلط كاتب الضوء على الجدل الذي تشهده الأروقة السياسية حول الدور المقبل لحقان فيدان، رئيس جهاز استخبارات رجب طيب أردوغان، والجهة التي سيدعمها.
وفي مقال نشره الموقع الإخباري "أحوال تركية" تحدث الكاتب أونور مته، عن مآلات التطورات السياسية التي تشهدها تركيا في الوقت الراهن.
وقال الكاتب التركي إن "الأجواء السياسة العامة، والأوضاع التي تشهدها تركيا حاليًا تشبه ما حدث عام 2001 الذي صعد فيه نجم حزب العدالة والتنمية الحاكم، حتى وصل لسدة الحكم نهاية العام 2002"، مشيرا إلى أن بلاده بصدد "انهيار اقتصادي، ونظام يتصدع من الداخل".
في المقال الذي جاء بعنوان "ماذا سيفعل حقان فيدان عند توزيع الأدوار في السياسة"، لفت الكاتب التركي أيضا إلى "صعود نجم أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الجديد في ظل أوضاع تشبه تلك التي صعد فيها نجم أردوغان كزعيم سياسي قبل نحو 18 عامًا".
وتطرق أيضاً إلى انشقاق رجل بحجم نائب رئيس الوزراء التركي السابق، علي باباجان صاحب الخبرة الكبيرة في الشأن الاقتصادي، وحصوله على دعم كتلة عريضة داخل الحزب الحاكم، التي يتوقع أن تنشق عن الحزب في أول تحرك رسمي من باباجان لإعلان حزبه المرتقب.
وأكد الكاتب التركي أنه "في ظل هذه التطورات، وتوزيع الأدوار السياسية، سيكون من المهم بمكان أن نلقي الضوء على الجهة التي سيدعمها رجل أردوغان الأمني القوي، والموقف الذي سيتخذه؛ لا سيما أنه لم يخفِ منذ زمن أهدافه السياسية".
وأوضح أن جهاز الاستخبارات التركي الذي يترأسه حقان فيدان، تم إلحاقه مباشرة برئاسة الجمهورية التركية بعد تحول نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي قبل نحو عام.
وقال المقال إنه "على رأس هذا الجهاز يجلس رجلا دائمًا ما عرف بكاتم سر أردوغان؛ لذلك من المهم معرفة توجه الرجل في ظل التطورات الراهنة؛ وإلقاء نظرة على ماضيه الذي كان يفضل فيه دائمًا الجانب الفائز في أية معركة سياسية".
وعن سبب تعارف فيدان بأردوغان قال الكاتب: "إن نائب رئيس الوزراء التركي السابق، بشير آطلاي كان السبب، فيما يرى آخرون أن الرئيس التركي السابق عبدالله جول، هو الذي عرفهم ببعض بعد استقالة فيدان من القوات المسلحة التركية حيث كان ملازمًا أول".
وأضاف "أما الشيء الذي جعل لكاتم أسرار أردوغان، وضعية خاصة، هو تعيينه رئيسًا لإدارة رئاسة وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) عام 2003، وقد أبلى حينها بلاءً حسنًا بالشكل الذي يعجب أردوغان، إذ استغل إمكانيات هذه الوكالة وحاول تشكيل الأوضاع السياسية في دول البلقان من خلال أحزاب الأقلية".
واستخدم حقان فيدان الإمكانيات ذاتها، ومزيد من الاستثمارات لتشكيل لوبي لصالح أردوغان في القوقاز، وآسيا الوسطى، وإفريقيا، وكان يصف وكالة تيكا بـ(القوة الناعمة) وكان يديرها وكأنها جهاز استخبارات، الأمر الذي طرح على الأجندة السياسية فكرة أن يكون الرئيس المستقبلي لجهاز الاستخبارات التركي.
وذكر الكاتب أونور مته، أنه "في عام 2010 الذي شهد تعيين فيدان لرئاسة جهاز الاستخبارات التركي، زاد تأثير وزير الخارجية آنذاك، أحمد داود أوغلو، في السياسة الخارجية التركية، وكان هذا العام بداية ميلاد عهد ما يعرفون باسم (الإسلاميون الجدد)".
وأشار إلى أنه في ذلك الوقت أجرت تركيا والصين مناورات عسكرية مشتركة مرتين، فجاء التحذير من الولايات المتحدة لتركيا بعدم استخدام طائرات إف-16 في تلك المناورات لعدم فضح خصائصها التكنولوجية، في أزمة وقعت آنذاك على غرار أزمة منظومة الدفاع الصاروخي الروسية (إس-400) التي نشهدها حاليًا.
ونوه بأنه على إثر ذلك تم استخدام طائرات (إف-4) ذات التقنيات التكنولوجية القديمة، وكان فيدان هو اللاعب الأبرز في هذه الأزمة، والمسؤول عن هذا الصدع الأول في العلاقات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الكاتب التركي أوضح كذلك أن "التطور الأبرز الذي أوصل فيدان لنقطة أن يصبح معها عقل تركيا المفكر، حينما استدعى مدعون عامون أتراك (تم اعتقالهم فيما بعد) محسوبون على جماعة الداعية فتح الله غولن، لأخذ أقواله والتحقيق معه، بشأن لقائه مع أعضاء في حزب العمال الكردستاني في العاصمة النرويجية قبل سنوات".
وتناقلت وسائل إعلام تركية عديدة حينها، احتمال محاكمته، بتهمة التعامل مع تنظيم إرهابي، وهي تهمة تصل إلى الخيانة العظمى، واعتبرت الحادثة السبب المباشر لضرب العلاقة، المتوترة أصلاً، بين الحكومة برئاسة أردوغان وقتها، وجماعة غولن.
وأوضح الكاتب التركي أن هذا التطور، واستدعاء فيدان للتحقيق معه، مهد الطريق لقيام أردوغان بإجراء تعديلات قانونية وضعت فيدان وجهاز الاستخبارات التركية في مكانة هي الأقوى في تاريخ هذا الجهاز ورئيسه، إذ وضعت التعديلات فيدان تحت حماية أردوغان مباشرة، وأصبح العاملون في هذا الجهاز من أصحاب الحصانة التي تحول دون المساس بهم.
ووفقا للمقال أيضاً فإنه "مع زيادة القوة المؤسسية لجهاز الاستخبارات، زادت ميزانيته أيضاً من 410 ملايين دولار في عام 2010 إلى ما يربو على مليار دولار في غضون بضع سنوات، واستخدم فرع العمليات الخاصة التابع للجهاز جزءاً كبيراً من هذه الأموال نظراً لأنه تولى دوراً نشطاً في الصراع السوري".
وفي عام 2012، وخلال اجتماع له مع صحفيين بأنقرة، دعا حقان فيدان علناً إلى تركيز جميع عمليات الاستخبارات التركية في مركز واحد، وقال منتقدون: "إنه كان يسعى لتحويل تركيا إلى دولة استخباراتية".
وأضاف أنه "بعد محاولة الانقلاب عام 2016، أصبح حلم فيدان حقيقة واقعة، حيث استخدم أردوغان سلطات الطوارئ بعدها لإصدار مرسوم يربط جهاز الاستخبارات الوطنية التركية بالرئاسة، وتم تشكيل مجلس تنسيق الاستخبارات الوطنية، ولأول مرة في التاريخ، تم منح جهاز الاستخبارات سلطة جمع المعلومات في الجيش التركي".
وكشف الكاتب عن أن "هناك تصريحين بارزين لفيدان في الصحافة التركية منذ أن أصبح رئيساً لجهاز الاستخبارات، وهما أن الهدف الرئيس للجهاز يتمثل في منع تشكيل هياكل موازية داخل تركيا، وأنه سيكون رئيس الاستخبارات لمدة 5 سنوات قبل الانتقال إلى السياسة".
وأوضح أن "المقصود بالهيكل الموازي في هذه التصريحات هو حركة غولن، وقد كانت استراتيجية فيدان لتطهير تركيا منها ناجحة بشكل واضح، وأدت القوائم التي جمعها جهاز الاستخبارات التركية إلى إقالة ما يقرب من 150 ألف موظف حكومي وإدراج 55 ألف شخص في القضايا المرتبطة بالحركة".
واستطرد الكاتب قائلا: "لكن خطط رئيس جهاز الاستخبارات التركية لدخول السياسة عرقلها أردوغان، ففي عام 2015، استفاد فيدان من الاستقالة من الجهاز الأمني، حيث كان داود أوغلو، الذي تولى منصب رئاسة الوزراء التركية، سعيداً للغاية بوضعه على قوائم الانتخابات البرلمانية في تلك السنة".
وتابع "غير أن أردوغان عارض بشدة هذه الخطوة، قبل أن يعود فيدان إلى رئاسة الجهاز، وهو ما أدى إلى تسارع وتيرة الانقسام بين أردوغان وداود أوغلو."
وأردف الكاتب التركي: "هكذا اُضطر فيدان إلى تأجيل طموحاته السياسية، وهو في طريقه ليقضي أطول فترة في رئاسة جهاز الاستخبارات التركية منذ تولي شكري علي أوجال، أول رئيس لهذا الجهاز، الذي عينه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، واستمرت مدة رئاسته للجهاز 15 عامًا".
وأشار إلى أن "تحطيم فيدان لرقم أوجال القياسي سيعتمد على كيفية توزيع أوراق اللعب في الاضطرابات السياسية الحالية، إذ يُعرف فيدان بقربه من عبدالله جول، فهو أول من دعمه عندما استدعاه ممثلو الادعاء الموالون لغولن لاستجوابه عام 2012".
كذلك وافق أيضاً، وهو في منصب الرئاسة على جميع السلطات المتزايدة لجهاز الاستخبارات التركي، وهناك اعتقاد أيضاً بأن جول أحد الأسماء البارزة التي ستنضم إلى باباجان في حزبه الجديد.
وأوضح الكاتب أنه "في حين أن الأحداث التي وقعت ليلة محاولة الانقلاب المزعومة عام 2016 لا تزال غامضة، وإجراءات فيدان في تلك الليلة لم تختبر بشكل جاد، فمن غير المرجح أن يتخلى عن حماية دوره الحالي بالانحياز بشكل علني لباباجان وجول".
لكنه ألمح في الوقت ذاته إلى أن "الوسائل التي يحتفظ بها فيدان كرئيس لجهاز الاستخبارات التركي لا تزال قوية، وقد يضعها تحت تصرف حزب جديد، وبالنظر إلى احتكار جهاز الاستخبارات للأنشطة الاستخباراتية، فستكون مساهمته لصالح أردوغان أو جول لها أهمية كبرى، ويعتمد مصير فيدان على ما إذا كان بإمكانه اختيار الطرف الفائز مرة أخرى".
وثمة تقارير صحفية دأبت خلال الآونة الأخيرة تشير إلى تورط فيدان ثاني رئيس من خارج جهاز الاستخبارات التركي يتم تعيينه في هذا المنصب الحساس، في مسرحية الانقلاب المزعومة، وقالت إنها جرت بعلمه وبعلم رئيس الأركان التركي آنذاك، خلوصي آكار".
ويمر المشهد السياسي التركي بحالة من الارتباك في الوقت الحالي، بسبب انشقاق وزير الاقتصاد التركي السابق علي باباجان عن الحزب الحاكم، وانتقاده سياساته ومبادئه، والإعلان عن تحركه لتأسيس حزب جديد بالتعاون مع رموز سياسية أخرى.
وقدم باباجان، الإثنين 8 يوليو/تموز الجاري، استقالته رسمياً من "العدالة والتنمية" التركي، في خطوة كان لها بالغ الأثر على الحزب الحاكم الذي يعاني من انشقاقات متتالية؛ اعتراضاً على سياسات أردوغان التي أدخلت البلاد في نفق مظلم.
وعلى وقع انشقاق باباجان، كشفت وسائل إعلام تركية مؤخراً، عن نية 40 برلمانياً منتمين للحزب الحاكم الانضمام إلى الحزب الجديد، كما سارع 4 وزراء سابقين منتمين لحزب أردوغان، الأربعاء 10 يوليو/حزيران، إلى تأييد باباجان في خطوته الجديدة.
ويعتزم 40 نائباً من الكتلة البرلمانية للعدالة والتنمية التركي الانضمام لحزب نائب رئيس وزراء تركيا السابق، الذي يؤسس له رفقة رئيس البلاد السابق عبدالله جول، وفقاً لتقارير صحيفة محلية.
ويسعى كل من باباجان وجول منذ 3 أشهر تقريباً، لإقناع نواب العدالة والتنمية بالانضمام لحزبهما الجديد، ويرجع النواب الذين يعتزمون الاستقالة من العدالة والتنمية، اتجاههم لهذه الخطوة، إلى إصرار أردوغان على سياساته القائمة حاليا في المجالات كافة.
كما يسعى داود أوغلو لتأسيس حزب جديد أيضاً مع المنشقين المحتملين عن حزب العدالة والتنمية.