بين محاصرة المياه ومطاردة كورونا.. "موسترا" يخذل سياحة البندقية
سكان البندقية اعتادوا على أن يتدفق إلى مدينتهم سنوياً نحو 30 مليون سائح، لكن اليوم انخفضت إشغالات الفنادق لأكثر من 50% جراء كورونا
باءت محاولات المسؤولين والأهالي في البندقية لإنقاذ ما تبقى من موسم السياحة في 2020 بالفشل، واعتبروا سنة 2020 هي الأصعب منذ نصف قرن، فقبل أن تبدأ بلغ المدّ في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أعلى مستوى له في 50 عاماً، مما جعل المياه تجتاح شوارع المدينة، وتغرقها في الأضرار الاقتصادية والمخاوف.
وفي فبراير/شباط، شهدت منطقة فينيتو التي تتبع المدينة لها أول حالة وفاة في إيطاليا بفيروس كورونا المستجد الذي حصد بعد ذلك أرواح 35 ألف شخص في البلاد، وتحولت إيطاليا إلى منطقة محظورة دوليا لارتفاع حالات الإصابة بـ"كوفيد 19" بها.
وكان أبناء البندقية يأملون في أن يساهم المهرجان السينمائي العريق "موسترا دل سينما"، الذي انطلق في الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، في انتشال المدينة من حال الركود السياحي.
"موسترا" يفشل في جذب السياح
ولكن بعد أسبوع على افتتاح الـ"موسترا دل سينما" على شاطئ الليدو، الواقع على بعد نحو 20 دقيقة بالقارب من البندقية، يبدو أن الرياح لم تجر بما تشتهي قوارب الجندول.
وتقول فرانشيسكا، وهي منظّمة رحلات سياحية في البندقية "لم يتغيّر الكثير" فالمدينة "تبدو فارغة".
واعتاد سكان البندقية على أن يتدفق إلى مدينتهم سنوياً نحو 30 مليون سائح، مما يجعل عبور جسر "ريالتو" الشهير أو التقاط صورة على "جسر التنهدات" مهمة بالغة الصعوبة.
الغياب الأبرز هذه السنة هو للسياح الأمريكيين والصينيين وسواهم من الذين لا يزال سفرهم إلى إيطالياً محظوراً.
وتعلّق فرانشيسكا على قلّة عدد السياح هذه السنة قائلةً "إنه لأمر يحزنني من جهة، لكنه رائع"، مشيرة إلى أن جميع أفراد عائلتها يعملون في مجال السياحة.
ومع أن عدد السياح بات أكثر من عدد طيور الحمام والنورس في ساحة سان ماركو، ورغم بلوع نسبة إشغال الفنادق 40 إلى 50%، بحسب رئيس البلدية، لم تعد الحركة في البندقية بعد إلى طبيعتها.
فهناك محال كثيرة لا تزال مغلقة بسبب تدابير الحجر المرتبطة بجائحة كوفيد-19.
ويوم الثلاثاء مثلاً، كان ثلث المحال فحسب مفتوحاً في محيط ساحة "سان ماركرو"، يتنزه بضع مئات من السياح أمامها مستمتعين بالطقس المشمس.
ويشير أهل البندقية إلى أن جمهور المهرجان لا يخرج بالضرورة من "فقاعته" السينمائية على الليدو.
ويلاحظ أندريا دي روسي، وهو بائع سمك في "ميركاتو دي ريالتو"، أن "ثمة أناساً يأتون، ولكن لا يأتون ليشتروا".
ويضيف "كانت سنة صعبة لنا جميعاً. مجرّد كوننا فتحنا محالنا هو أمر رائع".
ويشكو دي روسي أن أعماله تراجعت بنسبة 80% هذه السنة، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي في ذلك يتمثل في إقفال عدد من مطاعم المدينة.
مهرجان سياسي.. البندقية لا تزال حية
ويقام المهرجان هذه السنة، في دورته السابعة والسبعين، بحجم أصغر مما كان سابقاً، إذ أن استمرار تطبيق القيود على السفر منع الكثير من النجوم والمخرجين ومسؤولي القطاع من حضوره.
ومع ذلك، تفيد المطاعم والحانات وسواها من المؤسسات المنتشرة على الليدو من جرعة نشاط مؤقتة على الأقل بفضل حضور هذا الحشد السينمائي في المهرجان.
وتصف النادلة بيتيليه بيلاسترو المهرجان بأنه "مغامرة" سنوية توفر "قدراً كبيراً من العمل لكثير من الناس".
لكنّ آخرين يَبدون أكثر تشاؤماً، ومنهم سائق التاكسي المائي والتر، قائلاً: "ثمة بضعة أفلام بالكاد. إنه مهرجان سياسي كان مطلوباً أن يقام مهما حصل، ولو من دون مضمون، لإظهار كون البندقية لا تزال حية".
ويضيف "المهرجان في رأيي مسألة تتعلق بالصورة فقط".
دفع الإيجار استحق
وصل الارتفاع الدوري لمنسوب المياه 187 سنتيمتراً في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عام 1966.
وأعلنت المدينة حالة الطوارئ، إذ غمرت المياه المتاجر والبيوت وأكثر من 50 كنيسة، مما أدى إلى أضرار بلغت قيمتها ملايين الدولارات، وإلى انهيار الحركة السياحية.
وفيما كانت المدينة العائمة تعيد تعويم سياحتها، جاءت ضربة كوفيد-19 القوية.
وتقول لوميني فاندا (75 عاماً)، وهي صاحبة متجر، إن أبناء البندقية يدركون أنهم ليسوا وحدهم من يعاني جرّاء الآثار الاقتصادية القاسية للجائحة.
ومع ذلك، تعتبر أن شعور السكان اليوم بانعدام الاستقرار أسوأ من كل ما مرّت به في حياتها.
في مارس/آذار الفائت، حسم مالكو محل الأحذية وحقائب اليد الذي تشغله فاندا على جسر ريالتو نصف قيمة بدل الإيجار البالغة خمسة آلاف يورو، لكنّ هذا الحسم ينتهي في آخر السنة.
وتقول فاندا "في يناير/كانون الثاني سيطلبون إيجار خمسة أشهر، فمن يدفع هذا المبلغ"؟
aXA6IDE4LjExOC4zMi43IA== جزيرة ام اند امز