ضحايا الناسور الولادي باليمن.. نساء يدفعن ضريبة نظرة المجتمع
تمضي الثلاثينية اليمنية فتحية جابر بقية حياتها وحيدةً برفقة أطفالها الستة، بعد أن باتت مطلقةً من زوجها، ومهجورةً من أهلها.
"طيلة 10 أعوام كاملة، ظللت منبوذةً من أقرب الناس لي نتيجة مرض لم أستطع دفعه عن نفسي"، تقول فتحية لـ"العين الإخبارية".
فبعد ولادة متعسرة لجنين لم تُكتب له الحياة، أصيبت الشابة اليمنية "بالناسور الولادي"، وباتت تتبول لا إراديًا ودون أن تشعر، ليتم إبعادها من زوجها وذويها، وما لبثت أن تطلقت، دون أدنى رد فعل من أهلها.
والناسور الولادي، مرض يصيب النساء اللاتي وضعنّ حملهنّ، وينتج عنه "تبول أو تبرز لا إرادي" تُحبس بسببه المرأة وتُنبذ في غرفة منعزلة، وتُعامل معاملة سيئة، بيقين منسيات وضحايا نظرة المجتمع.
مأساة فتحية
تحكي فتحية قصتها لـ"العين الإخبارية"، والتي بدأت منذ نزوحها من مدينة زبيد بمحافظة الحديدة (غرب اليمن) عام 2017؛ نتيجة حرب المليشيات الحوثية، لتستقر هي وزوجها وأولادها الستة في مدينة المخا.
وتوضح أنها حملت بجنين خلال فترة تواجدها بالمخا، غير أن عملية وضع وليدها تعسّرت؛ مع عدم نقلها إلى مستشفى أو مركز صحي متخصص؛ الأمر الذي تسبب بكارثة، بالنسبة لها.
الولادة المتعسرة هذه نتج عنها فقدان جنينها، لكن المأساة لم تكن هنا، حيث تسببت آلام عسر المخاض بضغط هائل على المثانة؛ ما أدى إلى حدوث "ناسور ولادي"، فرض على فتحية التبول لا إراديًا.
ومع استمرار حالتها، وعدم وعي زوجها وأهلها، بقيت فتحية معزولة في غرفة خاصة، لا يخالطها أحد ولا تتشارك حياتها مع أي شخص، لمدة 10 أعوام.
ورغم أنها توقعت من زوجها الوقوف إلى جانبها ومواساتها، إلا أنها فوجئت بتطليقها في وقت مبكر من إصابتها.
هذا الوضع أثار بعض المنظمات والمؤسسات النسوية المعنية بصحة المرأة اليمنية في مناطق غرب البلاد، وعملت على التدخل في قضية فتحية.
هذا التدخل كان في صالح الشابة اليمنية التي حظيت بعملية جراحية، تكفلت بها منظمة محلية درست حالتها وتعرفت عليها عن كثب، ولم تعد بعد تلك العملية تعاني من الناسور الولادي، وفق تأكيدات فتحية لـ"العين الإخبارية".
وتواصل: "لم يقف التدخل عند هذا الحد، بل حصلت على فرصة عمل حرفي وفّرته المنظمة؛ حتى أعول أسرتي الصغيرة المكونة من 6 أطفال، تركهم لي طليقي بلا إعالة".
تزايد حالات الإصابة
وفي ذات السياق، أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان، عن زيادة الحالات المصابة بناسور الولادة في اليمن.
وقال الصندوق في تقرير وصل "العين الإخبارية"، نسخة منه إن حالات الإصابة بالناسور الولادي تزايدت في اليمن، لا سيما في ظل انهيار النظام الصحي، والافتقار إلى القابلات الماهرات وارتفاع مستويات سوء التغذية، وخاصة بين النساء الحوامل والمعدلات المقلقة لزواج الأطفال الناتجة عن النزاع.
وأضاف التقرير أنه تم بنجاح إجراء ما يقرب من 200 عملية جراحية لمعالجة ناسور الولادة بالمجان.
وأشار إلى أنه منذ عام 2018، أنشئ صندوق الأمم المتحدة للسكان 3 وحدات لمعالجة ناسور الولادة في جميع أنحاء اليمن.
وتتركز الإصابات بالناسور الولادي باليمن في الغالب بمناطق الريف، حيث تغيب هناك المستشفيات والمراكز الصحية، وإن وجدت فهي تفتقر للخبرة والكفاءة.
وتعود أسباب هذا المرض إلى تعسّر الولادة، وكذلك الولادة المنزلية التي تغيب فيها الرعاية الصحية.
ومن أعراض الإصابة بناسور الولادة، تتمثل بالتبول اللا إرادي ورائحة كريهة تُلازم المريضة طوال الوقت، وهذا الأمر يؤثر سلبًا على نفسيتها فضلاً عن تعرضها للتمييز الاجتماعي.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأنّ ناسور الولادة عبارة عن ثقب يظهر في قناة الولادة، وهناك علاقة مباشرة بين ظهور الناسور وبين أحد أهمّ أسباب وفيات الأمهات، وهو تعسّر الولادة.
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات، فإن عدد الحالات التي استفادت من مشروع علاج "نواسير الولادة" خلال عام 2017 بلغت 58 حالة في 12 محافظة يمنية.