عيد العمال وكورونا.. تظاهرات افتراضية تغطيها سحابة قاتمة من البطالة
عيد العمال يأتي هذا العام مختلفا، مختنقا بتدابير الوقاية من تفشي كورونا، وسط توقعات بوضع أسوأ في سوق العمل
في أكتوبر/تشرين الأول 1884، اجتمعت 8 نقابات كندية وأمريكية في شيكاغو، وقررت الدخول في إضراب شامل في الأول من مايو/أيار 1886، لإجبار الرأسماليين على تطبيق قانون العمل لثماني ساعات.
تاريخ التصق منذ ذلك اليوم بذاكرة الشعوب، خصوصا الفئات الكادحة في شتى أنحاء العالم، وبات عيدا عالميا يحصلون فيه على عطلة رسمية خالصة الأجر؛ تخليدا لنضال طويل ولذكرى مَن سقطوا من العمال والقيادات العمالية التي دعت إلى تحديد ساعات العمل وتحسين ظروفه.
- بالقانون قبل النوايا الحسنة.. درس إماراتي في حماية العمال رغم كورونا
- عيد العمال.. الغضب يجتاح ملايين العاطلين الجدد في إيران
لكن عيد العمال يأتي هذا العام مختلفا، مختنقا بتدابير الوقاية من تفشي فيروس كورونا المستجد في كل شبر تقريبا من الأرض، ومحملا بسحابة قاتمة تجر وراءها معدلات بطالة مروعة، وتوقعات بوضع أسوأ في سوق العمل ضمن الموجة الأولى لارتدادات الجائحة، ما يرفع سقف التحديات المطروحة.
تظاهرات افتراضية
التدابير الاحترازية التي أقرتها جميع البلدان التي اجتاحها الفيروس، وما تقتضيه من تباعد اجتماعي وحجر صحي، لم تترك حلا أمام النقابات العمالية في شتى أنحاء المعمورة سوى اللجوء إلى التظاهرات الافتراضية.
ففي العالم الرقمي، تأمل النقابات في منح يوم العمال زخما جماعيا يحميه من فتور محتمل جراء الإجراءات المفروضة، أو بسبب حالة الإحباط السائدة على خلفية تفشي الوباء وما رافقه من ضغوط مختلفة، وذلك عبر أشكال مختلفة من الاحتجاجات.
وفي فرنسا، أعدت نقابات ومنظمات شبابية "برنامجا إلكترونيا" حافلا، للاحتفاء باليوم التاريخي، ودعت إلى رفع اللافتات بالشرفات وداخل المنازل، واجتياح مواقع التواصل، للمحافظة على بريق الاحتفالات في هذا اليوم، رغم انتشار الفيروس.
وفي إيطاليا، أعلنت كبرى النقابات العمالية تنظيم العرض الموسيقي الضخم السنوي المعتاد في العاصمة روما، لكن بدون جمهور، وسيبث على إحدى القنوات المحلية.
أما في المغرب، فأعدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أحد أكبر الاتحادات النقابية بالمملكة، "برنامجا إلكترونيا" بفعاليات افتراضية متنوعة، قالت إنها ستبثها عبر صفحتها بموقع "فيسبوك".
كورونا والبطالة
تدابير الإغلاق الكلي أو الجزئي وارتدادات الجائحة على اقتصادات العالم أربكت المؤشرات المالية والاقتصادية، فاختفت ملايين الوظائف، وبات جزء كبير من سكان المعمورة في عداد العاطلين عن العمل، وعاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية.
مقاربة بديهية بالنظر إلى التداعيات المنطقية للأزمات والأوبئة على سوق الشغل العالمي، لكن ملامستها على أرض الواقع تبدو مفزعة، خصوصا أن كورونا انعكس سلبا على أكثر من 81% من القوى العاملة العالمية والمقدرة بـ3.3 مليار شخص، فخسر الملايين أعمالهم وتوقفت دورة الإنتاج بمعظم دول العالم.
والثلاثاء، حذرت منظمة العمل الدولية من تداعيات "مدمرة" قالت إنها ستمس الوظائف والإنتاج حول العالم جراء فيروس كورونا، مشيرة إلى أن سوق العمل يواجه "أسوأ" أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي تقرير، لفتت المنظمة إلى أن الجائحة ستؤدي إلى فقدان 6.7% من إجمالي ساعات العمل في العالم بالنصف الثاني من 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، بينها 5 ملايين في العالم العربي.
توقعات يرى خبراء أن ملامحها بدأت تبلور من الآن في العديد من الدول، حتى المتقدمة منها، خصوصا الأكثر تضررا من انتشار الوباء.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، أعلنت وزارة العمل، الخميس، أن أكثر من 3 ملايين و800 ألف أمريكي قدموا طلبات للحصول على إعانة البطالة خلال الأسبوع الماضي.
وبذلك، يرتفع عدد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة جراء أزمة كورونا إلى نحو 30 مليون شخص، في وقت يتوقع فيه البيت الأبيض ارتفاع معدل البطالة إلى 16% أو أكثر.
عيد العمال.. القصة الكاملة
في القرن التاسع عشر، شهدت الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوروبية تحولا من الرأسمالية إلى الإمبريالية، اتسم بزيادة وقت العمل لتحفيز تطور الاقتصاد، واستغلوا العمال بصورة قاسية، حيث كانوا يعملون من 14 إلى 16 ساعة يوميا مقابل أجور زهيدة.
اضطهاد أشعل فتيل الغضب في نفوس العمال الذين أدركوا ضرورة التوحد لمواجهة الرأسماليين، قبل أن يتوصلوا إلى أن الإضراب يشكل الطريق الأوحد نحو الضغط للحصول على ظروف عيش مقبولة، تحت شعار "نظام العمل لثماني ساعات".
وفي أكتوبر 1884، اجتمعت 8 نقابات كندية وأمريكية في شيكاغو، وقررت الدخول في إضراب شامل في الأول من مايو 1886.
وتلبية للدعوة؛ توقف في التاريخ المحدد 350 ألف عامل في أكثر من 20 ألف مصنع أمريكي عن العمل، وخرج جميعهم إلى الشوارع في مظاهرة حاشدة حاولت الحكومة قمعها بالقوة.
وسرعان ما سرت عدوى الغضب العمالي إلى أوروبا وجميع أنحاء العالم، فعمت المعمورة إضرابات متزامنة شلت المصانع والحركة الاقتصادية، وأجبرت الحكومة الأمريكية على الرضوخ والقبول بقانون العمل لثماني ساعات.
aXA6IDE4LjIyNC41Ni4xMjcg جزيرة ام اند امز