رئيس الإمارات في مسقط.. زيارة استثنائية بميزان خبراء عُمانيين

إلى آفاق أرحب، تحلق اليوم العلاقات الإماراتية العُمانية، وعلى جناحيها روابط ضاربة في عمق التاريخ، وجغرافيا تحمل في أحشائها موروثا.
آفاقٌ ترسمها "زيارة دولة" بدأها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى سلطنة عمان، اليوم الثلاثاء، تلبية لدعوة من السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد.
زيارة تترجم روابط تاريخية تجمع الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، سابقت الزمن فصنعت نياشين التعاون المشترك والشراكة الاستراتيجية لتمنح العلاقات بين البلدين أكثر من عنوان.
عناوين تتعالى على وقعها سمفونية العلاقات بين البلدين، لتنساب نوتاتها تدون مرحلة تكتبها هذه المرة، زيارة رئيس دولة الإمارات إلى سلطنة عمان، وتتوجها اللقاءات رفيعة المستوى والاتفاقيات المنتظرة.
زيارة عالية المقام، أجندتها زاخرة، وملفاتها تتعدد لتتقاطع عند الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والتنموية، إلى جانب التطورات الخليجية والعربية، أما مسارها فحددته العلاقات القائمة على التنسيق والتعاون المشترك والشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
أجندةٌ وشراكةٌ استنبطت "العين الإخبارية" أهميتها، بالحديث مع محللين وإعلاميين في سلطنة عمان، أجمعوا على دلالة كبيرة لزيارة تعكس أخوة متجذرة وعلاقات ممتدة لا تزيدها الأيام إلا رسوخا وقوة.
جذور الأجداد
سعود المعولي، رئيس تحرير مجلة "لنرتقي" الإلكترونية العمانية، يؤكد أن زيارة رئيس دولة الإمارات إلى سلطنة عمان تعكس مدى العلاقات القوية بين البلدين.
علاقاتٌ، يقول المعولي في حديثه مع "العين الإخبارية"، إنها ممتدة من "جذور أجدادنا السابقين، ومستمرة على نهج المغفور لهم جلالة السلطان قابوس، وصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان".
أما ثمارها، فيعددها اقتصاديا، بالدفعة القوية في زيادة التبادل التجاري بين البلدين، مشيرا إلى أن معظم الاستثمارات العمانية في دولة الإمارات العربية المتحدة تشكل 25% من الاستثمارات العمانية خارج البلاد.
أرقامٌ "تعكس بشكل واضح رغبة العمانيين في ترسيخ التعاون المشترك مع دولة الإمارات، وتعزيز حجم الاستثمارات بين البلدين الشقيقين". يضيف سعود المعولي.
وبينما أعرب الإعلامي العماني عن أمله في ارتفاع حجم الاستثمارات بين دولة الإمارات وسلطنة عمان خلال الأعوام المقبلة، لفت إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ أكثر من 5 مليارات و500 مليون ريال عماني خلال عام 2021.
أما الاستثمارات الإماراتية التي وصفها المعولي بالكبيرة في سلطنة عمان، فأكد أنها "تعكس متانة العلاقات الطيبة المتبادلة بين الشعبين العماني والإماراتي والجذور المتواصلة فيما بينهما".
أواصر محبة تعزز التعاون
وتؤكد دولة الإمارات أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى سلطنة عمان، تأتي انطلاقا من العلاقات الأخوية التاريخية الراسخة التي تربط البلدين، وتعزيزا لأواصر المحبة ووشائج القربى التي تجمع الشعبين الشقيقين.
وسيبحث زعيما البلدين خلال الزيارة تعزيز التعاون والتنسيق المشترك في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والتنموية، ودفعها إلى الأمام بما يلبي تطلعات البلدين ويحقق أهدافهما إلى التنمية المستدامة.
وإلى جانب التطورات الخليجية والعربية والقضايا محل الاهتمام المشترك، ستتناول المباحثات جهود البلدين في إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة.
تعاون مثمر
خلفان الطوقي، كاتب ومحلل عماني في الشؤون الاقتصادية، ينظر للعلاقات بين البلدين على أنها جغرافيا وتاريخ وقيم ثقافية وعادات وتقاليد وتراث مشترك، وتعاون مشترك في كافة المجالات أيضا.
ففي حديثه مع "العين الإخبارية"، يقول الطوقي: "العلاقات الإماراتية العمانية معروفة، تربطنا الجغرافيا والتاريخ وكل القيم الثقافية من عادات وتقاليد وتراث مشترك".
ولأنه من أهل الاقتصاد، كان لا بد أن يمنح حديثه مساحة أوفر لهذا الملف الحيوي الذي سيهيمن أيضا على اللقاءات بين قيادتي البلدين، خلال الزيارة.
فمن التبادل التجاري مرورا بالواردات والصادرات وصولا إلى الاتفاقيات متعددة المجالات، تنقل المحلل الاقتصادي، يتحسس ميزان العلاقات بين دولة الإمارات وسلطنة عمان.
وبلغة الأرقام، أوضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين، خلال السنوات الخمس الأخيرة، وصل إلى 26.4 مليار ريال عماني (حوالي 260 مليار درهم إماراتي)، موزعة على 20.1 مليار ريال للواردات، و6.3 مليار ريال للصادرات.
أما الواردات المباشرة من دولة الإمارات إلى سلطنة عمان، فبلغت 30% من حجم الواردات، حسب الطوقي
في المقابل، ذكر أن سلطنة عمان تعتمد على دولة الإمارات في تصدير حوالي 20% من الصادرات التي تذهب إلى الأسواق الإماراتية وبعضها يتم تصديره للأسواق الخارجية العالمية.
وخلال السنوات الماضية، يشير الطوقي إلى أنه تم تسجيل أكثر من ثلاثة آلاف شركة إماراتية في سلطنة عمان.
وفي معرض حديثه عن العلاقات بين البلدين، نوّه المحلل الاقتصادي أن سلطنة عمان تعتبر الشريك الثالث عربيا للإمارات والعاشر على مستوى العالم.
وبشكل عام، ينوه الطوقي إلى أنه في السنوات الماضية ارتفعت صادرات عمان غير النفطية إلى دولة الإمارات بحوالي 71%، في تعاون اقتصادي أعرب عن أمله أن تحلق أرقامه بعد الزيارة المنتظرة.
إلى جانب ما سبق، تطرق المحلل الاقتصادي نفسه إلى الاتفاقيات التي تم تفعيلها بين البلدين، منها الخدمات الجوية، ومنع التجارة غير القانونية بين الدولتين، وهيئة سوق المال والتأمين، وتوظيف القوى العاملة، وحماية المستهلك، والبنوك المركزية وغيرها من الاتفاقيات التي تحاول أن تقرب الرؤى في المجالات كافة.
الاهتمام المشترك بين البلدين في كافة المجالات، لم يمنع المحلل الاقتصادي في أن يخرج خارج حدود المال والأعمال، متحدثا عن ملفات سياسية أيضا ستفرض نفسها على طاولة الزيارة، في مقدمتها تقريب وجهات النظر وتوحيدها أمام كل من يتربص بهذه الرقعة في العالم، إلى جانب الملفين الإيراني واليمني.
أهمية ودلالات
سالم الجهوري، نائب رئيس جمعية الصحفيين العُمانية، توقف عند أهمية الزيارة التي لفت إلى أنها كانت متوقعة نظرا للتقارب بين البلدين والعوامل المشتركة والمرتكزات الأساسية التي تجمع البلدين.
وفي حديثه مع "العين الإخبارية" لفت إلى أن هذه الزيارة هي الأولى إلى سلطنة عمان منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم، في مايو/أيار الماضي.
وأكد أنها "ستمثل خطوة مهمة نحو تعاون أكبر خلال المرحلة المقبلة خاصة أن قيادتي البلدين لديهما من الطموحات التي يمكن التنسيق حولها خلال المرحلة المقبلة".
أما عن دلالة الزيارة برأي الجهوري، فهي تدل على أن كلا من البلدين "يسير على نهج السلطان قابوس وسمو الشيخ زايد رحمهما الله، اللذين أسسا ورسخا علاقة متينة وقاعدة كبيرة من العمل المشترك بين البلدين خلال الخمسين عاما الماضية والتي ساهم فيها أيضا الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله، في دفع مسيرة الدولتين قدما والآن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان".
ويجزم الجهوري أن "الدولتين لا غنى عن بعضها البعض في العديد من المرتكزات في التعاون، أبرزها المواقف السياسية والتنسيق بشأنها، والملف الاقتصادي والأمني والعسكري، والتعاون الثقافي والصحي والتعليمي أيضا".
دلالات لا تتوقف عن ذلك، بل تتجاوزها من وجهة نظر نائب رئيس جمعية الصحفيين العمانيين، إلى أن دولة الإمارات وسلطنة عمان يمكنهما العمل بشكل مشترك وتحقيق الكثير من النتائج من خلال الاستفادة من موارد البلاد الجغرافية والتاريخية والرياضية والاقتصادية والسياحية".
نقطة انطلاق وهَمٌّ عربي واحد
مشتركات بين البلدين، تجعل من زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى مسقط -يتابع الجهوري- "نقطة انطلاق نحو مرحلة أكثر قدرة على مواجهة التحديات".
نقطةٌ انطلق منها الجهوري لاستشراف المرحلة المقبلة، التي رأى فيها استحواذا للملف الاقتصادي، معربا عن أمله في شراكة قائمة على أسس يستفيد من خلالها البلدان من الكثير من المشاريع الواعدة التي من المنتظر توقيعها خلال الزيارة.
وكذلك، التعاون في حماية السواحل من التهريب، الأمر الذي سيساهم في المزيد من الاستقرار، إلى جانب التنسيق في المواقف السياسية التي تحتاج إلى تقارب في الرؤى، كالقضية الفلسطينية، والعلاقات مع الدول الكبرى، والملفين اليمني والنووي الإيراني، إضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
ملفات كثيرة يعددها الجهوري، تمتد أيضا إلى سوريا ولبنان وليبيا والدول العربية التي تحتاج إلى المساعدة والمساندة في حل بعض القضايا.
والأكثر من هذا، يؤكد الرجل أن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى سلطنة عمان، تترجم توجه مجلس التعاون الخليجي بأن دوله متوحدة ولديها مواقف واحدة في الشأن السياسي والدولي، وتوجهات مشتركة مع الدول العربية والمعتدلة التي تنشد السلام حول العالم.