وفاة وائل الإبراشي.. براءة "سوفالدي" لا تعفي طبيبه من المسؤولية
مخترع الدواء أكد عدم فعاليته.. وخبراء: "استخدامه رغم مأمونيته حرم المريض من العلاج الصحيح"
"إن لم يكن مفيدا.. فلن تكون له أضرار".. هكذا علق أغلب الخبراء على الجدل المثار حاليا حول وفاة الإعلامي وائل الإبراشي، بسبب استخدام الطبيب المعالج له لدواء "سوفالدي"، المخصص لمرضى فيروس الكبد الوبائي (سي).
بعدها فرض السؤال نفسه، هل المشكلة تكمن في فاعلية دواء "سوفالدي" من عدمها، أم في بروتوكلات علاجية لم يتم تطبيقها بدقة مع الإبراشي؟
واحتدم الجدل بعد أن أصدر معهد الكبد بمحافظة المنوفية (إحدى محافظات دلتا النيل في مصر)، الذي ينتمي له الطبيب شريف عباس، المعالج للإعلامي وائل الإبراشي، بيانا للتضامن مع زميلهم، أكدوا خلاله أن الدكتور عباس كان قائدا لتجربة بحثية استخدمت دواء "سوفالدي" في علاج "كوفيد-19 ".
وأشاروا إلى أن الفريق البحثي حصل على موافقة لجنة أخلاقيات المهنة بوزارة الصحة قبل إجراء هذه التجربة التي أظهرت أن الدواء فعالا في علاج "كوفيد-19".
ودخل بعض المشاهير على خط الجدل، بعد إعلانهم الخضوع للعلاج بنفس الدواء على يد الطبيب نفسه، وكتب لهم الشفاء، غير أن آخرين أشاروا إلى أن مشاهير مثل الفنان الراحل سمير غانم وزوجته الفنانة الراحلة دلال عبدالعزيز، خضعا للعلاج باستخدام "سوفالدي"، ولم يكتب لهما الشفاء.
الحقيقة أن الدراسة المصرية لم تكن الأولى التي أجرت تجارب على استخدام "سوفالدي" في علاج "كوفيد -19"، فقد أجريت تجربة في أكثر من دولة حول العالم، ولم تكن نتائجها مشجعة على إقرار الدواء ضمن بروتوكلات العلاج، ليس بسبب عدم مأمونيته، ولكن لأنه لا يعطي الفعالية المطلوبة.
وحُسمت مأمونية دواء "سوفالدي" قبل جائحة "كوفيد-19 " باستخدامه مع مرضى فيروسي "سي" في تجارب استمرت لسنوات قبل إقراره، وتم التأكد خلالها أن أعراضه الجانبية ليست خطيرة.
وبناء على ذلك أصبح هذه الدواء مؤهلا في تجارب استخدامه مع مرضى "كوفيد-19 "لتجاوز المرحلة الأولى من التجارب السريرية، والتي تختبر "مأمونية" العلاج، واتجه الباحثون بشكل مباشر إلى المرحلة الثانية من التجارب التي تختبر الفاعلية، ويكون أعداد المشاركين فيها بالمئات.
ونظرا لحالة الطوارىء التي يعيشها العالم في وقت الجائحة، كان يمكن الحصول على موافقة الجهات الرسمية على إقرار استخدام الدواء بعد إثبات فعاليته دون الدخول في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، التي تتضمن عددا أكبر من المرضى، مثلما حدث مع العديد من أدوية بروتوكول علاج "كوفيد-19"، وهو ما لم يحدث مع "سوفالدي".
طبيب وائل الإبراشي لم يحصل على موافقة رسمية
يقول الدكتور محمد علي عز العرب، استشاري الكبد، والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء: "اقتصرت الموافقة الممنوحة من وزارة الصحة المصرية، وفق تصريحات صحفية للمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، الدكتور خالد عبدالغفار، على تجارب المرحلة الثانية من التجربة السريرية، ولم يحصل الطبيب على موافقة رسمية باستخدامه في بروتوكولات علاج كورونا، وهذه مخالفة كبيرة وقع فيها الطبيب، بصرف النظر عن مدى مأمونية دواء سوفالدي مع المرضى".
ويضيف عز العرب لـ"العين الإخبارية": "لا أشكك في مأمونية دواء سوفالدي، ومن المؤكد أنه ليس سببا في الوفاة، ولكن الاعتماد عليه، حرم المريض من العلاج السليم الذي أقرته اللجان العلمية".
ويشبه عز العرب دواء سوفالدي في هذه الحالة بـ "الماء"، ويضيف: "لو أعطينا الماء للمريض، فلن يكون له أي آثار جانبية، فهل نقرر إعطاء الماء للمريض ونحرمه من الدواء المنقذ للحياة".
وائل الإبراشي
وإذا كان المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، لا يشكك في مأمونية الدواء، إلا أنه يشكك في الفاعلية المثبته في الدراسة المصرية التي أشرف عليها الدكتور شريف عباس، والمنشورة في دورية "جورنال أوف ميديكال فيرولوجي" عدد أغسطس/آب 2021، والتي لا تتمتع بمعامل تأثير قوي، على عكس ما جاء في بيان معهد الكبد بمحافظة المنوفية، والذي وصفها بأنها ذات معامل تأثير كبير.
ويعكس معامل التأثير مدى إشارة الأبحاث الجديدة التي نشرت سابقا في تلك المجلة، والاستشهاد بها، ودورية "جورنال أوف ميديكال فيرولوجي"، وفق هذا المقياس، ذات معامل تأثر ضعيف جدا "2.327 ".
ويقول عز العرب: "يعطي معامل التأثير الضعيف مؤشرا على قيمة الدورية، وأنها يمكن أن تقبل دراسات بها أخطاء منهجية، مثل الدراسة التي أشرف عليها طبيب الإبراشي، والتي وقعت في أخطاء، ساعدت على ارتفاع فاعلية العلاج في النتائج بالمخالفة للحقيقة".
ويضيف: "تحتاج مثل هذه الدراسات إلى تقسيم المرضى إلى 3 مجموعات، إحداها تحصل على سوفالدي، والأخرى تحصل على أدوية بروتوكول وزارة الصحة، والثالثة تحصل على دواء وهمي يعرف باسم بلاسيبو".
ويؤكد عز العرب أن "المجموعة الأخيرة مهمة جدا في التجارب السريرية، لإثبات مدى قيمة الدواء وفاعليته، ويثير غيابها في تجربة دراسة طبيب الإبراشي شكوكا حول الأمانة العلمية للبحث".
ويضيف: "كما علمنا منذ بداية الوباء أن 80% من المصابين يمكن أن يشفوا دون الحاجة إلى علاج، فكان يتعين وجود مجموعة العلاج الوهمي لإثبات مدي فاعلية الدواء، لأنه لو شفيت تلك المجموعة، وكانت نتائجها مماثلة لمجموعة سوفالدي، فهذا يعني أنه لا توجد فوارق إحصائية ذات قيمة".
ويرى عز العرب في دفاع البعض عن دراسة طبيب الإبراشي، بالقول إن هناك دراسات أخرى في أكثر من دولة حول العالم أجريت على استخدام "سوفالدي" في العلاج، بأنه دفاع ليس في صالح الطبيب.
ويتساءل: "إذا كانت هناك دراسات أجريت في أكثر من دولة حول العالم وأثبتت فاعلية الدواء، فلماذا لم تقره أي دولة في بروتوكلات علاج كورونا، بما فيها مصر؟".
ويشدد عز العرب مجددا أن "سوفالدي" ليس سببا للوفاة، ولكن استخدامه حرم المريض من العلاج الصحيح.
مخترع سوفالدي يتحدث
وعلى عكس ما قد يتوقعه البعض من أن مخترع دواء "سوفالدي" قد يكون أكثر حماسا من طبيب الابراشي لاستخدامه في جائحة "كوفيد-19"، كان الرجل متفقا مع ما ذهب إليه عز العرب.
وقال مخترع "سوفالدي" الأمريكي ذو الأصول المصرية، ريموند شينازي، بكلمات واضحة ومحددة استقبلتها "العين الإخبارية" عبر البريد الإلكتروني، ردا على سؤال تم ارساله له بخصوص قضية وفاة الابراشي: "سوفالدي لا يعمل ضد فيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض (كوفيد-19)، ونشرنا بحثا عن ذلك".
وأضاف: "يوجد الآن بعض الأدوية الجيدة التي تعمل بشكل طيب للغاية، مثل دواء (باكسلوفيد) على وجه الخصوص، وهو مثبط للبروتياز، ويعطي فاعلية بنسبة تفوق الـ89%".
واستند استخدام "سوفالدي" في علاج "كوفيد -19"، على حقيقة وجود تشابه بين فيروسي كورونا المستجد والتهاب الكبد الوبائي (سي)، لأنهما من الفيروسات التي تكون مادتها الوراثية هي الحمض النووي الريبوزي (آر أن أيه)، ولكن أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد "إدوارد جينز" في جامعة أوكسفورد، لا يرى ذلك مبررا.
ويقوم فيروس التهاب الكبد الوبائي (سي) بتحويل الـ( آر إن إيه) الخاص به، إلى حمض نووي (دي إن إيه) حتى يتمكن من إدخال مادته الوارثية إلى الكبد وإحداث العدوى، ويتم ذلك بواسطة إنزيم يستهدفه علاج "سوفالدي"، وبالتالي فهذا الدواء متخصص في تركيب معين من الإنزيم، وليس شرطا أن يكون هناك تطابق مع الإنزيم الذي يستخدمه فيروس كورونا المستجد، كما يؤكد سالمان.
ويضيف لـ"العين الإخبارية": "أبرز دليل على ذلك، أن علاجات فيروسات الإنفلونزا، وهي أيضا من فيروسات الـ (آر إن إيه) ليست ذات فعالية كبيرة مع (كوفيد -19)، مثل دواء (ريمديسفير)، والذي خرج من بروتوكلات العلاج بعد أن أثبتت الدراسات عدم فاعليته".
ولا يرى سالمان أن الدراسات التي أجريت بأكثر من دولة مبررا لاستخدامه، لأن هذه الدراسات لم تصل إلى نتائج قوية تبرر استخدامه في بروتوكلات العلاج.
نتائج غير مشجعة
ولم تصل أغلب الدراسات التي أطلعت "العين الإخبارية" عليها، إلى أن دواء "سوفالدي"، والمعروف علميا باسم "سوفوسبوفير" يحقق نتائج ذات دلالة إحصائية تشجع على استخدمه في بروتوكلات العلاج، وذلك بالرغم من إقرار هذه الدراسات، ومنها دراسة إيرانية نشرتها في 20 ديسمبر 2020 "مجلة العلاج الكيميائي المضاد للميكروبات"، على أنه دواء آمن، وبالتالي "إذا لم يكن مفيدا، فلن يضر المريض".
وعليه، فإن دواء "سوفالدي"، وإن كانت هناك شكوك حول فاعليته، فإن هناك اتفاق على مأمونيته، ويبقى تقييم لجوء الطبيب له كخيار علاجي، ومدى مسؤولية هذا التوجه، غير المعترف به رسميا، عن تدهور الحالة الصحية للإبراشي، محل تحقيق في الجهات الرسمية حاليا.
ورفض أمجد الخولي، استشاري الوبائيات بالمكتب الإقليمي لمنظة الصحة العالمية، الخوض في حالة طبيب الإبراشي بشكل خاص، لكنه قال لـ "العين الإخبارية": بشكل عام استخدام أي دوء في بروتوكلات العلاج، يجب أن يتم بعد موافقة الهيئات والسلطات الصحية المنوط بها ذلك في كل دولة، وذلك بعد مراجعة بروتوكولات الدراسة التي أجريت على استخدام العقار، و ضمان مأمونية العقار، ولابد من أن يوضع في الحسبان احتمالات حدوث أي أعراض جانبية مع وجود خطة للتعامل معها حال حدوث أي منها.
والحقيقة التي لا تقبل الجدل، هو أن السلطات الصحية المصرية لم تدرج "سوفالدي" ضمن بروتوكلات العلاج، ولا يعفي الطبيب من المسئولية قوله لـ"العين الإخبارية"، إن دراسته التزمت بالمعايير العلمية السليمة، من حيث الحصول على موافقة وزارة الصحة، ووجود ملف لكل مريض مشارك في تجارب الدراسة، تضمن صفحته الأولى موافقة المريض.
النقابة ترفض التعليق
ومن جانبه، لم ينكر المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية حسام عبد الغفار حصول الطبيب على موافقات لإجراء التجارب، لكنه قال لـ "العين الإخبارية": "هناك فرق بين الموافقات التي تمنح لإجراء الدراسة، والموافقة على استخدام الدواء في العلاج".
ورفضت نقابة الأطباء التعليق على القضية لحين انتهاء التحقيقات، وقدم خلالها د.شريف عباس، طبيب الإبراشي، عددا من أوراق دفاعه إلى لجنة التحقيق بالنقابة.
العقوبات التأديبية
وقال أمين عام نقابة الأطباء، أسامة عبدالحي، لـ"العين الإخبارية"، إن العقوبات المتوقع فرضها على عباس حال ثبوت الخطأ، ستتخذ من الهيئة التأديبية للنقابة حسب حجم الخطأ الذي ارتكبه.
وأضاف أن "العقوبات التأديبية في النقابات المهنية المصرية تبدأ بلفت نظر وإنذار ولوم، وتنتهي بوقف عن العمل أو شطب كامل من جداول النقابة".
aXA6IDMuMTMzLjE0NS4xNyA= جزيرة ام اند امز