الإخوان.. محامية تونسية تكشف لـ"العين الإخبارية" علّة القضاء
ملفات خطيرة تفتحها محامية تونسية تكشف للعلن كواليس القضاء في عهد الإخوان، وكيف تم تركيع هذا المرفق الحيوي لتنفيذ أجنداتهم.
وفاء الشاذلي؛ المحامية التونسية ورئيسة "مبادرة تونسيون من أجل قضاء عادل"، تحدثت كما لم تفعل من قبل، وتطرقت إلى الجدل الدائر حول عدم النص على الدين الإسلامي لتونس في الدستور الجديد.
الشاذلي تناولت أيضا، في مقابلة مع "العين الإخبارية"، ابتزازات قالت إن الإعلامي سامي الفهري تعرض لها في السجن من قبل زوجة وزير العدل السابق (إخواني)، إضافة إلى ممارسات مماثلة استهدفت شخصيات أخرى.
وعرجت على خلفية إقالة العشرات من القضاة، لتخلص إلى أن القضاء معتل ويحتاج إلى يد عليا لإصلاحه طالما عجز عن إصلاح نفسه.
جدل
في معرض حديثها عن الدستور الجديد الذي يتم إعداده من قبل "اللجنة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، برئاسة الصادق بلعيد، قالت الشاذلي إنه يقطع مع دستور سنة 2014 الذي تمت صياغته من قبل المجلس الوطني التأسيسي بعد إيقاف العمل بدستور سنة 1959.
وأشارت إلى أن الفصول التي يقع تداولها لا تزال مجرد تكهنات، موضحة أن الفصل الذي أثار جدلا هو أنه لن يقع التنصيص على أن تونس دولة دينها الإسلام والعربية لغتها مثلما نص عليه سابقا دستور 1959 وتمت المحافظة عليه في دستور 2014.
وسبق أن صرح الصادق بلعيد بأنه لن يتم التنصيص على فصل "تونس دولة دينها الإسلام والعربية لغتها" في الدستور الجديد.
وتفسيرا لذلك، قالت المحامية إن هذا الفصل تمت صياغته في دستور 1959 بعد استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي سنة 1956، وأراد الرئيس التونسي حينها الحبيب بورقيبة التنصيص على ذلك من أجل عدم طمس الهوية العربية الإسلامية للبلاد.
وتابعت: "لكن المعطيات التاريخية والظرف التاريخي تغيرا وخرجت تونس من حقبة الاستعمار وأصبحنا لا نحتاج هذا الفصل".
ولفتت إلى أن الصادق بلعيد يعتبر أن الدولة لا دين لها، وإنما الشعب له دين وكل مواطن حر في ديانته، والدولة راعية لجميع الأديان، مضيفة أن دستور 2014 أيضا نص على الحرية الدينية وحرية الضمير.
قضاء معتل
من جهة أخرى، وصفت وفاء الشاذلي القضاء التونسي بالمعتل، قائلة إن "الرئيس قيس سعيد دعا في جملة خطاباته إلى ضرورة تطهير القضاء ويعتبر أن هذا المرفق لم يقم بواجبه خلال العشرية الأخيرة".
وأضافت: "لو فتحت الملفات القضائية الخطيرة لما وصلت تونس لاعتماد التدابير الاستثنائية استنادا للفصل 80 من الدستور ولما دخلت تونس في مرحلة تصحيح المسار يوم 25 جويلية (يوليو) 2021".
ومضت تقول: "لو فتحت ملفات الاغتيالات السياسية التي راح ضحيتها القياديان اليساري شكري بلعيد والقومي محمد البراهمي سنة 2013، ولو فتح ملف الجهاز السري لحركة النهضة الإخوانية وملفات تسفير الإرهابيين، ولو تمت المحاسبة السياسية والجزائية لحركة النهضة مع عديد الأحزاب المتحالفة معها ممن اخترقوا القضاء، لما وصلنا لهذه المرحلة".
وفي 2 يونيو/ حزيران الجاري، عزل قيس سعيد 57 قاضيا متورطين في التستر على قضايا إرهاب وتعطيل تتبع ملفات المشتبه بارتكابهم أعمالا متطرفة، منها قضايا ملف الجهاز السري لحركة النهضة الإخوانية وفساد.
ومن بين هؤلاء القضاة المدعي العام البشير العكرمي المتهم بالتستر في قضية الاغتيالات السياسية، والطيب راشد المتهم بالفساد المالي والارتشاء.
واعتبرت الشاذلي أن "القضاء ليس بخير وأصابه السوس وتناقرته الديكة بين الرؤوس الكبرى في القضاء بين القاضيين اللذين تم عزلهما مؤخرا، الطيب راشد والبشير العكرمي، ليجعلا من العدل غير مستتب".
وأكدت أن مستوى كفاءة القضاة تقهقر، إضافة إلى عملية الترقية الآلية التي جعلت من المرفق القضائي معتلا.
وعلقت عن قرار عزل 57 قاضيا قائلة إن "قيس سعيد أجاب بتقارير استخباراتية وصلته إضافة إلى تقارير تفقدية وزارة العدل التي اكتست خطورة قصوى لتصل إلى حد البتر".
وأكدت أنه لا يمكن لها أن تبدي موقفا إلا بعد الاطلاع على هذه التقارير الخطيرة غير القابلة للطعن وفق القانون.
وبخصوص إضراب القضاة الذي يتواصل منذ أسبوعين، قالت الشاذلي إن الإضراب في سلك القضاة ممنوع، لأن السلطة لا تُضرب وقد شل هذا المرفق، متسائلة "لماذا لم يتم التسخير إلى حد الآن لأن مصالح المواطنين تعطلت".
وأشارت إلى أن "القضاة يعتبرون أن ما وقع هو محاولة لتركيع القضاء، لكن ذلك غير صحيح ومجانب للصواب، لأنه لم يكن ذلك المرفق مستقلا ومحايدا، لأنه ركع في زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، كما ركع زمن الإخواني وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري وتواصل في الركوع لكل من هب ودب".
كشف للملفات
بالمقابلة نفسها، كشفت الشاذلي أن وزير العدل الأسبق محمد صالح بن عيسى استقال بعد أن طلب من القاضي والمدعي العام البشير العكرمي أن يتعامل مع قضية الاغتيالات السياسية بكل حيادية، وأن يستدعي وزير الداخلية الأسبق الإخواني علي العريض وزعيم إخوان تونس راشد الغنوشي للتحقيق معهما، وبمجرد أن طلب ذلك تم رفض طلبه، وأراد الاستقالة لكنه تم استباق الاستقالة بإقالة.
وفي 2015، أقال رئيس الحكومة التونسية حينها الحبيب الصيد وزير العدل محمد صالح بن عيسى دون ذكر الأسباب.
وأكدت الشاذلي أن المرفق القضائي معتل بكل المقاييس حيث وصل حد الابتزاز السياسي والمقايضات السياسية داخل البرلمان الذي يقوم بتحريك القضايا وفقا لمصالحه وتتم المصادقة على القوانين وتمريرها عن طريق الابتزاز.
وفسرت ذلك بأنه وقع ابتزاز للسياسي التونسي سليم الرياحي الذي كان يترأس حزب "توا" بأن يتم رفع تحجير السفر عنه مقابل مصادقة نواب حزبه على التحوير الحكومي.
وتابعت: "وفي قضية الإعلامي سامي الفهري الذي كان في السجن وقتها، تعرض للابتزاز داخل السجن ووردت معلومات بأن زوجة وزير العدل الأسبق الإخواني نور الدين البحيري، المحامية سعيدة العكرمي، زارته في السجن وابتزته"، دون تفاصيل أكثر.
وفي 2014، قضى سامي الفهري أكثر من عام في السجن، دون أن يصدر حكم بحقه، على خلفية تهم بالفساد واستغلال مرفق عام، لكن الحقيقة أنه رفض حينها الإذعان للإخوان الذين حاولوا ابتزازه والتحكّم بالخط التحريري لقناته خصوصاً برنامجه الشهير "اللوجيك السياسي".
وأضافت "كما تواصلت المقايضات مع رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، عبر قطب مكافحة الفساد (محكمة مختصة)".
وبالنسبة لها، فإن "قطب مكافحة الفساد هو فساد يحارب الفساد وتجري فيه كل الابتزازات السياسية وتركيع القضاة بمقابل وكانوا يدا طيعة للسياسيين والكيل بمكيالين لرجال الأعمال والإعلاميين".
وأكدت أن كل هذه المعلومات التي أوردتها موجودة في تقرير تفقدية وزارة العدل وكلها موثقة وتم التستر على هذه الملفات وجرى إخفاؤها في الأدراج لذلك تم عزل المتفقد العام في وزارة العدل رياض الصيد من جملة 57 قاضيا.
وأوضحت أن هذا المتفقد "قام بابتزاز عدة قضاة، ولو خرجت هذه الملفات وتم كشفها وتمت المحاسبة لما وصلنا لتعكر هذه الحالة وكانت الفرصة موجودة لدى القضاة لتطهير القضاء".
يد عليا
الشاذلي عبرت عن استغرابها من موقف رئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي الذي "أصبح يتباكى اليوم بعد قرار العزل وشن الإضراب، وقد سبق أن صرح في مرات عديدة رفضه لما آل إليه وضع القضاء وكشف عدة رؤوس وتحدث عن عدة مظالم وعلل تصيب المرفق".
واعتبرت أن الهياكل (مؤسسات) القضائية والمجلس الأعلى للقضاء لم تقم بواجباتها لإصلاح القضاء رغم معرفتها بمشاكله وتم السكوت عنها والتنكيل بكل من يحارب الفساد كما تم التنكيل بالقضاة المحايدين.
وترى الشاذلي أن الإصلاح لم يتم من الداخل، لذلك لا بد من يد عليا لذلك عن طريق قيس سعيد.
aXA6IDE4LjE4OS4xODUuNjMg جزيرة ام اند امز