الإمارات التي نعيشها، وطن يكثّف بقيادته وأهله وكل من يعيشون فيه عالما نشتهيه جميعا تتمازج فيه اللهجات والأديان والأعراق والألوان.
«الرزق رزق الله، والمال مال الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، والأرض أرض الله، ومن توكل على الله أعطاه الله، ومن يبينا (يجيئنا) وهو يعمل ويتوكل على الله حياه الله».
الصورة الإنسانية التي تقدم الإمارات على حقيقتها ستتجلى أكثر في وجود البابا وممثلي الأديان في أبوظبي، والهدف الأسمى أن يقتدي أتباع الأديان بهذا الحوار الحضاري، وأن يهتدي الذين ينهكون أنفسهم في البحث عن سبل الشقاق وبواعث الفتنة إلى سبيل أدركته الإمارات منذ التكوين، فـ"الخلق خلق الله".
هذه القناعة الإنسانية الإيمانية التي استقرت في يقين المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تكفي وحدها إن شئت لاستجلاء ذلك الأساس الذي بُنيت عليه دولة الإمارات، نحن في ضوء هذه القناعة التي تتوالى صور ترجمتها في النهج الإماراتي المتواصل منذ خطّه الأب المؤسس، وفي انتظار وصول البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ندرك باختصار أي ماء روى هذه الأرض التي أثمرت نموذجاً للعالم المأمول، ألا يحلم أينا، أياً كان وطنه أو جنسه أو معتقده، بعالم يحكمه قانون لا يراوغ ولا يستثني، وتؤطره إنسانية تنتصر للمكلوم في أي موضع من غير أن تبتغي جزاء ولا شكوراً، وتسوده حرية لا تجور ولا تفتئت على الآخر، ويميزه سعي جماعي لعمارة الأرض التي استخلفنا فيها؟ هذا الحلم، من غير مبالغة، هو واقع في الإمارات التي نعرفها ويعرفها كل منصف.
الإمارات التي نعيشها، وفي القلب دوماً هذه القاعدة التي وضعها زايد، وطن يكثّف بقيادته وأهله وكل من يعيشون فيه، وبممارساته اليومية الاعتيادية، عالماً نشتهيه جميعاً تتمازج فيه اللهجات والأديان والأعراق والألوان.
كلٌ يسعى إلى رزق الله، ومال الله، وفضل الله، متوكلاً على الله، و"الآخر" عنده هو، باختصار بليغ لا يخل، خلق الله، وهي البذرة التي وضعها زايد في ضمير هذا الوطن منذ بداياته وشبّ عليها، إذاً، حين يأتي البابا إلى هنا لا نحتاج إلى جهد لنقول له وللعالم كله ما تعنيه الإمارات وما يفيض بها اسمها من دلالات حين يذكر في مقام التعايش والتسامح والإنسانية.
الضيف الكبير ما لبّى الدعوة إلا وهو متيقن من أنه يقصد أرضاً جوهر تجربتها الوحدوية والتنموية تعتمد على الإنسان، الذي هو أغلى ثروة وأكرم غاية، إماراتياً كان أو واحداً من خلق الله الذين يسعون في مناكب الدولة ينعمون برزقه وفضله الذي وعد به زايد كل من يأتيها متوكلاً على ربه، هذه المناسبة التاريخية التي يتخللها حوار عالمي بين الأديان، ولقاء بين البابا وشيخ الأزهر، رمزيْ أكبر ديانتين، لا تتكئ على مفردات عقدية أو مبارزات إيمانية.
الغاية هنا هي تلمس سبيل يعيد للإنسان المنهك كرامة استخلافه في الأرض، ويعيد للإنسانية كلها رباطها المتين الذي يعليها فوق الاختلافات الإيمانية والعرقية واللونية واللغوية ويبصّرها بالمشترك قبل أن يهلك بنار الفرقة كل نسل وزرع، هنا، على أرض الإمارات، سيجد البابا ما يسره ويسعد كل إنسان سوي.
في انتظار البابا، بغير ترتيب ولا تجمّل، بقعة سلوكها اليومي المعتاد هو الإنسانية والأخوة بين البشر الذين تنسى من كثرة مخالطتهم من أي أرض جاؤوا ولا أي دين يتبعون. هنا تتشبع الأرواح بالإنسانية النقية فتمر فوق الفروق، أياً كان نوعها، فلا تقف عندها، من دون أن يُطلب من أحد شكل بعينه للعبادة أو التوجه إلى الله أو تفريط في معتقده، وهذا النهج حين نتمعن في تجلياته، ندرك أنه يستخلص جوهر ما خلق عليه الإنسان من حرية يعتنق في إطارها ما يشاء من غير أن يسفه خيارات الآخرين، فلكلٍ وجهة هو موليها، هنا سيجد البابا بقعة تعتز بعروبتها وإسلامها الذي لا يعرف إكراهاً ويرهن اختيار كل فرد بمشيئته كما أراد الله.
وهذا الاعتزاز تصحبه ممارسة يومية دؤوبة للتعايش والتسامح والتآخي والتعارف الذي هو غاية لله من خلقه البشر،
هذه الصورة الإنسانية التي تقدم الإمارات على حقيقتها ستتجلى أكثر في وجود البابا وممثلي الأديان في أبوظبي. والهدف الأسمى أن يقتدي أتباع الأديان بهذا الحوار الحضاري وأن يهتدي الذين ينهكون أنفسهم في البحث عن سبل الشقاق وبواعث الفتنة إلى سبيل أدركته الإمارات منذ التكوين، فـ"الخلق خلق الله".
ننتظر أن ينتبه المهوسون بالتفتيش في الضمائر وادعاء الخيرية والفضل، وأولئك الذين يرون في كل ما يخالف معتقدهم خطراً، والذين يربطون ديناً بعينه بمسلك بعض أتباعه، إلى أن الأولى انشغال الكل بالبحث عن جوهر واحد هو الإنسانية التي يحكمها الله بميزان التقى وهو حسيب المتوكلين عليه.
المأمول من الزيارة التاريخية "تعميق الاحترام المتبادل وترسيخ الحوار بين الأديان والعمل من أجل تعزيز السلم والسلام والأخوة بين جميع البشر"، كما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. سيجد البابا غرس زايد الإنساني "الذي يعد رمزاً عالمياً من رموز السلام والتسامح وتعزيز روابط الأخوة الإنسانية"، كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ثماراً متنوعة في الإمارات.
سيجد البابا هنا البقعة التي وسعت كل إنسان باعتبارها جزءاً من أرض الله التي فاض فيها خير الله فسعى إليه كل خلق الله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة