يفصلنا أقل من أسبوع عن يوم الذهاب مرة أخرى إلى الصناديق لاختيار الرئيس التركي الجديد بأكثرية الأصوات المقترعة هذه المرة بعدما فشل أحد المتنافسين الثلاثة في الحصول على نصف أصوات الناخبين من الجولة الأولى.
فرص فوز الرئيس رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الجمهور على منافسه كمال كليجدار أوغلو مرشح تكتل الأمة في مواجهة الإياب أكبر، بسبب تقدمه عليه في المعركة الأولى بفارق 4 نقاط، واستحالة جمع الأخير كما يمني النفس، قيادات حزبية وسياسية متناحرة، أمام طاولة مثلثة الأضلاع تضمه هو اليساري العلماني، إلى جانب مؤيديه الأكراد في حزب الشعوب الديمقراطية ومنافسيه اليمينيين المتشددين مثل حزب النصر وسنان أوغان مرشح تكتل الأجداد.
فشل كليجدار أوغلو مع طاولته السداسية في المعركة البرلمانية والرئاسية قبل أسبوعين. وهو يحاول هذا الأسبوع ترتيب طاولة جديدة من هذا النوع، قد تلتقي فيها مصالح الأطراف حول نقطة واحدة فقط إزاحة أردوغان عن الحكم لكنها ستكون المعجزة بعينها بسبب حجم التباعد في الأفكار والأهداف والطروحات.
قد يفوز أردوغان مرة أخرى وقد يبقى على رأس السلطة خمس سنوات جديدة. لكن خريطة التحالفات الحزبية والسياسية على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية، تقول إن هناك حقائق ومتغيرات ينبغي قبولها والتعامل معها على هذا الأساس.
حزب العدالة لم يعد بمفرده في غرفة القيادة وشركاء له بينهم حزب الحركة القومية، الذي وقف إلى جانبه في أصعب الظروف، قد يطالبون بالمشاركة الفعلية في الحكم ورسم سياسة البلاد في الحقبة القادمة.
تراجع شعبية حزب العدالة في المدن التركية الكبرى، وفي عدد مقاعده البرلمانية قد يدفع الرئيس أردوغان للأخذ بعين الاعتبار أن فرص فوزه في الانتخابات المحلية المرتقبة في شهر مارس/آذار المقبل، تتطلب الإصغاء بجدية إلى ما يقوله ويريده شركاء تحالف الجمهور هذه المرة.
ثم هناك حقيقة أن حزب العدالة سيواجه معضلة تمرير القوانين داخل البرلمان الجديد لأنه لا يملك الأغلبية البسيطة التي تمكنه من ذلك. مشكلته الأكبر ستكون خلال مناقشة مسألة إعداد دستور جديد للبلاد وعد به في حملاته الانتخابية، لكنه لا يستطيع تأمين الدعم له أو حتى طرحه على الاستفتاء الشعبي، بسبب حصته التي لا تكفي مع حلفائه تحت سقف البرلمان، التي لن تعطي أردوغان ما يريد في مسائل تحتاج إلى أكثرية الثلثين.
أبقت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تحالف الجمهور التكتل الأقوى داخل مجلس النواب.
إذا ما صحت التوقعات هذه المرة فنتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستكون لصالح أردوغان بفارق 5 نقاط على أقل تقدير. فالمعارضة وسط حالة من الارتباك والتشرذم. محرم إنجه لن يدعم كليجدار أوغلو كما أعلن في الجولة الثانية أيضا. الصوت الكردي قد يتراجع أمام الصناديق إذا ما شعر بأن كليجدار أوغلو يتودد إلى الصوت القومي. وأنصار سنان أوغان لن يبخلوا على أردوغان كلما ظهر لهم حجم التقارب بين مرشح المعارضة وأنصار حزب الشعوب الديمقراطية.
ستحسم الصناديق حتما نتائج الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة. لكن الأمور لن تعود بمثل هذه البساطة إلى سابق عهدها بالنسبة للحكم والمعارضة.
بقدر ما هناك تصفية حسابات سياسية وحزبية في صفوف حزب الشعب الجمهوري، وهي ستكون مكلفة على كليجدار أوغلو إذا ما خسر المعركة. فإن ما ينتظر أردوغان لا يقل عن ذلك أهمية حيث تتراكم ملفات داخلية وخارجية تتطلب التعامل معها بسرعة وجدية، وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، وحسم الملف السوري والعلاقة مع دمشق وموضوع تسهيل عودة مئات الآلاف من اللاجئين إلى بلادهم.
تعرفنا صباح الخامس عشر من مايو/أيار إلى نتيجة تصفية حسابات بين تكتلين يريد الأول إعادة النظام البرلماني إلى الدستور ومؤسسات الدولة، ففشل في ذلك. لكننا سنتعرف اعتباراً من صباح الإثنين المقبل وعند فوز أردوغان، كيف سيتعامل مع مسألة أسباب عدم فوزه من الجولة الأولى من المعركة الرئاسية، وتراجع أصوات حزبه بالمقارنة مع الانتخابات الأخيرة قبل 5 أعوام، وتقلص عدد مقاعده في المجلس النيابي وحاجته إلى شركائه الجدد ليكونوا إلى جانبه عند التصويت على القوانين.
ما قد يقلق أردوغان أيضاً عامل محرم إنجه الذي سيتحرك وسط اليسار العلماني الأتاتوركي من جديد، بحثاً عن الانتقام لنفسه من كمال كليجدار أوغلو الذي استبعده عن الطاولة السداسية لصالح أحمد داود أوغلو وعلي باباجان اللذين أخذا أكثر مما قدما لكليجدار أوغلو وحزبه.
ما سينتظر أردوغان في الأشهر المقبلة لن يكون احتمال وقوع انتفاضة في صفوف حزب الشعب الجمهوري فقط، بل سيناريو صعود اليمين القومي واحتمال توحده مستقويا بنسبة 25% من الأصوات حصدها في الانتخابات الأخيرة. النائب طوغرول توركش نجل أحد كبار رموز القومية التركية والمرشح الفائز في البرلمان داخل صفوف حزب العدالة يقول إن مفاجأة الانتخابات المقبلة سيكون صوت القوميين الذين يواصلون صعودهم.
أعاد سنان أوغان نشر التغريدة معلناً أنه تلقى الرسالة أيضاً. صحيح أن هذه الشريحة مشرذمة بين حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهشلي، وحزب الخير الذي تقوده ميرال أكشينار، وصعود حزب النصر وعامل سنان أوغان، لكن احتمال توحد هذه القوى تحت سقف واحد قد لا يطول أيضا.
استقبال أردوغان لمنافسه سنان أوغان على عجل في قصر دولمه بهشه وهو يعرف أنها خطوة ستغضب شريكه دولت بهشلي الذي يواصل تصعيده ضد الأخير، قد تكون بهدف إقناعه بدعمه أو الوقوف على الحياد في مواجهة الأحد المقبل. لكن أردوغان قد يكون أيضا اكتشف أنها آخر انتخابات يخوضها الصوت القومي مفككاً نتيجة التنافس الشخصي بين بهشلي وأكشينار. وهو أراد معرفة ما يدور في ذهن أوغان عن قرب، حيث تنتظر الرموز القومية الجديدة الفرصة المناسبة لتقديم نفسها كبديل سياسي جديد يقود عملية التغيير في تركيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة