مع اقتراب موعد سداد الدين العام الأمريكي في يونيو/حزيران المقبل، وعدم وجود أية فرص حقيقية للتوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لأزمة الدين العام المستمرة من سنوات.
وعبرت مسارات الأزمة عن نفسها في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا، فإن ثمة تساؤلات تلوح في الأفق.
وترتبط التساؤلات أصلا بمسارات ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ الأمة الأمريكية حيث لم يسبق فشل الولايات المتحدة عبر إدارات جمهورية، وديمقراطية في السداد من قبل.
وفي إشارة لها مدلولها السياسي، والاقتصادي مما قد يؤثر على سمعة الولايات المتحدة، ومركزها المالى خاصة، وأن الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، ومثقل بالكثير من الأعباء المالية الضخمة، والقطاعات التنموية الكبيرة، ومع ذلك فإنه متماسك وقوي ولديه مناعة كبيرة في التعامل الداخلي والخارجي، وهو ما يؤكد على أن الولايات المتحدة قادرة على تجاوز أزمة رفع سقف الدين العام في كل الظروف الراهنة، وأنه لولا التباينات الكبيرة في المواقف والاتجاهات السياسية والاقتصادية بين الحزبين في الكونغرس، وخارجه ما كانت الولايات المتحدة دخلت هذه الدائرة الجهنمية في الفشل في اتخاذ إجراء، ولو مؤقتا ومرحليا قبل الوصول لاستحقاق التعامل مع الدين، وهو موعد شهر يونيو المقبل وذلك لعدة أسباب أهمها بالأساس فشل المفاوضات بين الرئيس جو بايدن، ورئيس مجلس النواب الجمهوري كيفين مكارثي، والذي ما زال متمسكا بموقف الحزب الجمهوري في رفض تقديم أية تنازلات حقيقية للحزب الديمقراطي، ولشخص الرئيس جو بايدن الأمر الذي أدى إلى الوصول إلى حائط صد والصدام بين الجانبين.
فمنذ عدة أشهر يردد الحزب الديمقراطي – في إطار البحث عن حل - أعاد التذكير بوجود فرص الحل والعمل على بناء توافقات كبري في الاقتصاد والاستثمار، وإعادة هيكلة سقف الدين العام من خلال حزمة من الإجراءات العاجلة، والتي ترتبط بأزمة سقف الدين العام، مع الاستعانة بإجراءات مباشرة من البنك الفيدرالي الأمريكي، واعتمادا على وجود تدابير مرحلية للتوصل إلى حل، وهو ما رفضه نواب الحزب الجمهوري في الكونغرس وخارجه، واعتبروا هذه الإجراءات قد تضر الاقتصاد الأمريكي في قطاعاته الكبرى، ولن تحل المشكلة بل قد تؤدي لتبعات اقتصادية حقيقية على كل القطاعات المالية والاستثمارية، بما في ذلك نسب السقف العام للدين الأمريكي الأمر الذي يتطلب عدم الرضوخ لموقف الحزب الديمقراطي المغرق في الدعوة لخيارات توافقية، وحلول غير جدية في منظورهم.
الأمر الذي يتطلب – في تصورهم - مراجعة كاملة للسياسات المالية سواء داخل الاقتصاد الأمريكي، أو خارجه مما يعطي فرصة للتعامل مع مشكلة الدين العام على أنها مسألة وقتية ليس أكثر، ويمكن مواجهتها وليس الدوران في حلقة مفرغة.
الثابت يقينا أن الحزب الجمهوري حريص على توظيف ملف الدين العام باعتباره ملفا شائكا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي بدأت معالم حملاتها الاستهلالية في التعبير عن نفسها في الساحة السياسية والحزبية في الولايات المتحدة.
وفي ظل عدم اتضاح صورة الخريطة الانتخابية على مستوي الحزبين الديمقراطي والجمهوري معا وتصدر المشهد حتى الآن الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية برغم وجود شخصيات بارزة قوية في الحزب الديمقراطي.
وعلى الجانب الآخر، فإن الرئيس الأمريكي السابق ترامب سيواجه بمعركة التصفية مع رموز الحزب الجمهوري الساعين إلى الترشح بصرف النظر عما يجري من مناكفات قضائية وحزبية كبري، والتي تشمل الجميع.
وفي إشارة مهمة إلى أن الخلافات السياسية بين الحزبين والمعارك الطاحنة في الكونغرس عبرت عن نفسها في التعامل مع مسألة الدين العام، وأجلت التوصل إلى حل كي لا تواجه الولايات المتحدة صعوبات، وإشكاليات تمس سمعة الأمة الأمريكية في العالم، وتضيف عبئا جديدا على الموازنة الأمريكية التي تعد من أكبر الموازنات في العالم.
وبالتالي فإنه في حال فشل التوصل إلى حل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فإن الرئيس جو بايدن قد يذهب لاستخدام صلاحياته الفيدرالية، وهي كبيرة في فرض الحل المباشر دون اتفاق عام مع نواب الجمهوريين في الكونغرس، وذلك بمقتضى ما يعرف بالتعديل الفيدرالي رقم 14 في الدستور الأمريكي، وهو ما سيتيح للرئيس الأمريكي اتخاذ تدابير مباشرة بدون العودة للكونغرس، وحسم الأمر.
وسيتم ذلك عبر آلية واحدة، وهي اتجاه الرئيس جو بايدن لإعطاء الأوامر والقرارات الرئاسية – وهو حق فيدرالي لا ينازعه فيه أحد – لوزارة الخزانة للاستمرار باستدانة الأموال، وتجاهل سقف الدين العام أي أن الأمر قد يكون محسوما في فشل الرئيس الأمريكي جو بايدن في الضغط في اتجاه التوصل لحل، وحسم الأمر خاصة، وأن الفشل يعني عدم القدرة على دفع رواتب العسكريين، وموظفي الدولة ومعاشات التقاعد، وغيرها في الجانب العسكري.
أما القطاعات المدنية، فيمكنها البحث عن تدابير وفق قواعد ومعايير محددة من الموازنة العامة، أي أن المشكلة الرئيسة ستكون في القطاع العسكري وهو ما حذر من تداعياته السلبية وزير الدفاع لويد أوستن، وطرحه بحدة في أكثر من مرة خلال جلسات الاستماع في الكونغرس، ولم يسمع له أحد خاصة وأن الحزب الجمهوري سعى منذ اللحظة الأولى لتوليد مشكلة الدين العام لتسييس المشكلة بكل توابعها استثمارا للمناخ الراهن للعملية الانتخابية، واعتبارها ورقة مربحة يمكن استخدامها في مواجهة الحزب الديمقراطي الذي لا يزال يرى أن فرص الحل، والمواجهة قائمة إن توافرت الإرادة السياسية والاقتصادية للعمل معا، وهو ما عبر عنه الرئيس جو بايدن، وبدا خلال الفترة الراهنة وفي إطار مفاوضاته مع قادة الكونجرس متفائلا، وداعيا بعمق للتوصل إلى حل حرصا على سمعة الولايات المتحدة ومركزها المالي دوليا، والذي قد يجعل بالفعل دولا مثل الصين تستثمر في أزمة الدين العام، والتأكيد على فشل السياسات الأمريكية ليس اقتصاديا وسياسيا بل، وأيضا في مجال المال والاستثمار الأمر الذي قد يؤثر على مصداقية الدور الأمريكي مع الحلفاء والشركاء الكبار، وهو ما يتخوف من تبعاته قيادات الحزب الديمقراطي، والذين يرون أن مشكلة التعامل مع سقف الدين العام يجب أن تحسم سريعا، ودون أية مفاوضات تخوفا من الارتدادات التي يمكن أن يعكسها هذا الملف بالكامل على الدور الأمريكي في إدارة الأزمات الدولية، وفي وقت يتم فيه استهداف الولايات المتحدة، وتحرك الصين وروسيا نحو بناء عالم متعدد الأقطاب، ومنافسة الولايات المتحدة في مناطق نفوذها الإقليمية والدولية، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار والتركيز عليه في الفترة الراهنة حال التعامل بجدية مع أزمة الدين العام خاصة، وأن وزارة الخزانة لم تتخلف قط عن تسديد مستحقات الديون الأمريكية، وهو ما لم يحدث من قبل إلا في عام 1812 خلال الحرب الأهلية.
في المجمل، فإن تحركات وزيرة الخزانة جانيت يلين ودعوتها للتوصل لحل عاجل أمر مهم خاصة وأنها خاطبت الكونغرس بما لها من صلاحيات، مع التأكيد على ضرورة رفع السقف العام للديون الأمريكية على وجه السرعة، وعدم الانتظار إلى مفاوضات مفتوحة بين قادة الحزبين حفاظا على وضعية الاقتصاد الأمريكي في العالم، وعدم حدوث كارثة مالية كبري لن تقتصر على الولايات المتحدة بل ستمتد إلى دول عديدة، خاصة، وأن سقف الدين بلغ أكثر من 31 تريليون دولار، وهو رقم كبير، ولم يحدث من قبل طوال الـ30 عاما الأخيرة من حكم الإدارات الجمهورية أو الديمقراطية معا فهل يقدم الرئيس جو بايدن على استخدام صلاحياته وحسم الأمر هذا هو السؤال المطروح؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة