مسرح دمى متنقل.. متنفس أطفال إدلب بعيدا عن الحرب
عشرات الأطفال يتسمرون أمام المسرح بين ركام الأبنية المدمرة في سراقب في الهواء الطلق وقد ارتسمت على وجوههم ابتسامات عريضة.
يضع وليد أبوراشد على رأسه باروكة المهرج صفراء اللون، ويحمل لوحه الخشبي وكيسه المليء بالدمى ويسير بين مباني مدينة سراقب المدمرة وخلفه يتراكض عشرات الأطفال المتلهفين لمشاهدة عرضه المسرحي الجديد.
يتنقل وليد (26 عاماً) منذ سنوات بين مناطق عدة في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا للترفيه عن الأطفال العالقين في دوامة الحرب والمعارك، في منطقة لا تزال بمعظمها خارج سيطرة قوات النظام وتشهد بين الحين والآخر حملات عسكرية دموية، آخرها قبل أشهر.
بعد انتهاء دوامهم المدرسي، يتسمر عشرات الأطفال أمام المسرح بين ركام الأبنية المدمرة في سراقب في الهواء الطلق وقد ارتسمت على وجوههم ابتسامات عريضة.
وعبر فتحتين استحدثهما في لوح خشبي، يحرّك وليد دميتين على شكل أسد وفأر، فيصفّق الأطفال بحرارة، وعلى وقع موسيقى تصدح من هاتفه الموصول بمكبر صوت، يردد الأطفال أغنية "ما أحلى أن نعيش في خير وسلام".
ينتهي العرض، وقال وليد وهو يجمع أغراضه: "المسرح جزء أصيل من ثقافة وحضارة إدلب"، مضيفاً: "سأحارب الطغاة من خلال الفن".
تقترب ملاك ابنة العاشرة من المسرحي، وقالت مبتسمة: "نصادف العم وليد ونحن عائدون من المدرسة. يجعلنا نضحك وينسينا أجواء القصف والخوف".
الكرفان السحري
قبل اندلاع النزاع السوري عام 2011، كان وليد يطمح إلى الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وقال: "نلت عام 2011 جائزة أفضل ممثل مسرحي في إدلب، وبدأت ترتسم ملامح مستقبلي الفني".
وأضاف: "لكنني اخترت الوقوف إلى جانب الثورة والانخراط في جموع المتظاهرين، فالمسرح لا يمكن أن يقدم رسالة تحت حكم نظام قمعي".
وبدلاً من الدراسة، انضم وليد إلى فرقة "الكرفان السحري" التي قدمت عروضاً مسرحية للأطفال في مخيمات النازحين، المنتشرة بشكل أساسي قرب الحدود التركية.
بعدها، نظم وليد أول عرض لمسرح الدمى في مخيم للنازحين في ريف اللاذقية الشمالي المحاذي لإدلب، وأوضح: "لم أقدر على حبس دموعي بعد التصفيق المطوّل الذي حظيت به فور انتهاء العرض".
عروض في الملجأ
يرتشف من كأس الشاي أمامه، وعلّق: "في تلك اللحظة اتخذت قرار مواصلة تقديم العروض في أي بقعة سورية أستطيع الوصول إليها".
تحول وليد مع مرور الوقت إلى نجم مسرح في مدينته سراقب، وحوّل قبو منزله إلى مساحة لتقديم عروضه المسرحية للأطفال، ليكون بديلاً عن الساحات العامة.
لم يكن اختيار وليد لمكان العرض البديل عشوائياً، فالملجأ مصمم بما يناسب تقديم عمل مسرحي فيه، سقفه مقوس، وتكسو جدرانه أحجار رخامية تعكس ضوءاً خافتاً يشع من فوانيس نحاسية معلقة في كل ركن، وتصطف الدمى بأصنافها العديدة إلى جانب قصص قصيرة وروايات وكتب في خزانة الغرفة الحجرية.
لا يريد وليد أن ينقطع عن عمله المسرحي أبداً، رغم انقطاع التيار الكهربائي المتواصل وارتفاع كلفة المولدات والوقود اللازم لتشغيلها.
ويجلس وليد على أنقاض منزل مدمر، مؤكداً: "أعدكم أن هذه الأعمال لن تتوقف".