تفضحهم الأزمات على مر التاريخ، قانونهم الخداع، ودستورهم مبدأ «التقية»، صفحاتهم دامغة بلون الدم.
كبيرهم الذي علمهم الفتنة مؤسس الجماعة حسن البنا قادهم إلى «البوابة السوداء»، صارت مسوغات وجودهم في الحياة قائمة على مفاهيم الدم والقتل، وإشعال الحرائق.
أتحدث عن جماعة الإخوان الإرهابية، وفروعها وحلفائها، فوسط النيران المشتعلة الآن، التي ربما تقود الإقليم إلى أنفاق مجهولة النهاية، أجد الكتائب والأذرع الإلكترونية لهذه الجماعة الإرهابية تطلق وابلا من الشائعات والأكاذيب والمعلومات المغلوطة، ضد موقف الدول العربية في التعامل مع الحرب على غزة.
شر البلية ما يضحك، ولعلني أتذكر مع المتخصصين والخبراء في ملف هذه الجماعة الإرهابية أنه منذ عام ١٩٤٨ واحتلال الأراضي الفلسطينية ونحن نسمع ونرى من هذه الجماعات شعارات فقط، يلهبون بها المشاعر ثم يختفون في الجحور، بل يستعينون بالقوى الأجنبية، مما يؤثر على النضال الوطني ضد الاحتلال.
قاموس المزايدات لدى الجماعة الإرهابية قديم ويتجدد بأشكال مختلفة، فلعلنا نتذكر مزايدتهم في عام ١٩٤٨ عندما شغلوا الرأي العام العربي بالنواح والبكاء، ودغدغة المشاعر، مما دفع الجيوش العربية للاندفاع إلى الحرب دون استعداد كافٍ، وهذا ما يحدثنا عنه التاريخ باستفاضة.
هذه الأيام تكرر الجماعة الإرهابية الخطاب نفسه بالأدوات نفسها، يستغلون القضايا الكبرى في بث الفتنة والوقيعة بين الشعوب، ظنا منهم بإثارة الشارع العربي، وعودة الفوضى والعنف من جديد، فهم يتوهمون بأن هذه الأجواء هي الأنسب لإعادتهم إلى المشهد من جديد، لكنهم يتجاهلون أن الخصومة باتت بينهم وبين الشعوب العربية ذاتها، وأنه لم تعد تنطلي على العقل العربي هذه المهاترات البائسة التي جربها الشارع العربي من قبل، وأفضت إلى نتائج لا تزال آثارها العميقة في المنطقة بالكامل.
وهنا، وفي هذا التوقيت، أقول بدقة وبوضوح: إن مزايدات الجماعة الإرهابية تستهدف تقويض مؤسسة الدول الوطنية، واختطاف قرارها في الحرب والسلام، وإدارة العلاقات الخارجية، والعلاقات الداخلية، ومحاولة شق صفوف الرأي العام العربي، بما يهدد الاستقرار الاجتماعي والوحدة العربية، وضرب مصداقية المؤسسات الوطنية أمام المجتمع الدولي، ولذا يقومون بتكوين مليشيات مسلحة لتنفيذ مهام الفوضى والسطو على المجتمعات.
رأينا ذلك فيما يسمى بـ«الربيع العربي»، وكيف انضموا إلى القوى الخارجية، التي أرادت تغيير المؤسسات الوطنية للدول بالقوة الخشنة، وعشنا -وما زلنا نعيش- تأثيرات هذا النمط الإرهابي في الدول التي أصابتها لعنة الفوضى، ولعلنا نضرب أمثلة بما حدث في سوريا، ولبنان، واليمن والسودان، والعراق وليبيا، ومن قبلها الجزائر في التسعينيات، بل في عموم الإقليم.
إذن، نحن أمام مفهوم إرهابي قديم ومستمر، ربما تتغير أدواته من حيث الزمان والمكان، فهذه الجماعة تتخذ -في تأكيد مزايداتها المستمرة- ملاذات آمنة في عواصم غربية كبرى، تبث أخطارها لضرب الترابط المطلوب والصحيح، بين مؤسسات الدول وشعوبها، من أجل خلق حالة معينة تفضي إلى شطب الاستقرار من الخرائط العربية.
وهنا، لا بد من وقفة مع هذا النمط من الإرهاب الفكري، الذي سرعان ما يتحول إلى إرهاب مادي حقيقي، ومن ثم فإن هذه اللحظات الفارقة تحتاج إلى تغذية مناعة الوعي لدى الشعوب، لا سيما أن مزايدات هذه الجماعة الإرهابية تصاعدت في الآونة الأخيرة، منطلقة من أكاذيب وتشكيك في تلك الجهود العربية التي تهدف إلى استعادة الاستقرار في المنطقة والإقليم، والوصول إلى التسوية الشاملة للقضية الفلسطينية، بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة، لكن كل هذا لا يأتي على هوى مخططات هذه الجماعة التي تنتعش تاريخيا في أجواء الأزمات والحروب، وبالتالي فلو أننا في كل هذه القضايا توصلنا فيها إلى حل عادل -وسوف يحدث- فماذا ستفعل هذه الجماعة الإرهابية؟
في الحقيقة.. أرى أن مزايدات هذه الجماعة مجرد "ظاهرة صوتية"، وأنهم في الواقع لا يقدرون على الحل أو الربط في أي قضية، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي.
يكفي القول إن التاريخ كان شاهدا حيا على هذا الفشل الذريع في كل تجاربهم، ولعلني أقول -عن حق وبثقة- إن وجودهم في أي مجتمع يصاحبه الخراب، فأينما حلت هذه الجماعة لا ينبت العشب.
**الكاتب: رئيس تحرير الأهرام العربي
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة