من يفوز بحرب أوكرانيا؟.. 4 عوامل تحدد "الجواب النهائي"
عام كامل ينقضي بعد يومين، حمل في طياته كرا وفرا وعقوبات، لكنه لم يكن حاسما في الحرب الدائرة بأوكرانيا، ما يثير التكهنات حول مستقبل الصراع في عامه الثاني.
وخلال العام الأول للحرب، شنت روسيا هجوما كبيرا في النصف الأول واستولت على ما يقرب من 20% من الأراضي الأوكرانية، قبل أن تعيد كييف الكرة وتطلق هجومها المضاد وتستعيد ما يقرب من نصف هذه المناطق.
نجاح الهجوم المضاد لكييف كان مدفوعا بالأساس بدعم غربي كبير، شمل أنظمة دفاع جوي مثل "آيريس تي" و"باتريوت"، وصواريخ مضادة للدبابات محمولة على الكتف، ومدافع ذاتية الدفع "هاوتزر 2000"، ومدرعات ودبابات سوفيتية الصنع، وملايين الذخائر.
ومع قرب نهاية العام الأول للحرب، بدأت كييف تحصل على دعم نوعي، ليس ذا طابع دفاعي بحت مثل الدعم الغربي السابق، ولكنه "هجومي"، إذ شمل دبابات "ليوبارد 2" و"ليوبارد 1" الألمانية الصنع.
كما يشمل الدعم الغربي، دبابات تشالنجر 2 البريطانية، وإم 1 أبرامز الأمريكية، وصواريخ بعيدة المدى، لكن كل هذا الدعم لن يظهر أثره في ساحة القتال إلا في العام الثاني للحرب، وبالتحديد مع وصول هذه الأسلحة للجبهات في مارس/آذار المقبل.
تكثيف وضع التسلح في أوكرانيا، كما ونوعا، في ظل تقارير عن تحضير روسيا هجوما واسعا جديدا ضد أوكرانيا في الذكرى الأولى لاندلاع الحرب أو الربيع المقبل على أقصى تقدير، يفتح التكهنات بشدة في العام الثاني.
وفي هذا الإطار، قامت مجموعة من خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بدراسة العوامل المحددة لمستقبل الصراع، استنادا إلى نهج يقيم المسارات المحتملة للحرب بدلاً من وضع تنبؤات مباشرة، وما هو ما تعرضه "العين الإخبارية" في التقرير التالي:
حياة أو موت
إميلي هاردينغ، نائب مدير المركز وخبير أول في الأمن الدولي، وضعت يدها على مسألة "حياة أو موت"، وقالت: "يعتمد نجاح أو فشل جهود كييف الحربية على حقيقة واحدة: أوكرانيا لا تملك القدرة على تسليح نفسها بنفسها لهذه المعركة".
وتابعت "استجاب الغرب، وعلى الرغم من البداية البطيئة والمترددة في بداية الحرب، كثف أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) تقديم أنظمة أسلحة فعالة وقوية بشكل متزايد. ويجري في الوقت الحالي الحديث عن إمكانية تسليم مقاتلات حديثة لأوكرانيا".
لكن، وفق هاردينغ، لم يمر سوى عام واحد فقط على معركة طويلة قد تستمر سنوات، ما يعني أن كييف بحاجة إلى دعم أكبر ومستمر، ما يضع ضغوطا مادية وسياسية؛ خاصة في داخل كل دولة، على أعضاء "الناتو".
وأردفت: "كما أن منح الأسلحة لكييف بكثافة جاء على حساب المخزونات الاحتياطية لجيوش دول الناتو"، مضيفة "في مرحلة ما، سيبدأ المخططون العسكريون الأوروبيون والأمريكيون في الشعور بالضغط والتساؤل عما يجب أن يذهب إلى أوكرانيا وما يجب الاحتفاظ به في احتياطاتها لمعركة مستقبلية محتملة، إذا تصاعد هذا الصراع بشكل كبير".
لذلك، تقول الخبيرة ذاتها "في الصراع الحالي أكثر من غيره، ستحدد فرص أوكرانيا في النصر من خلال الأسلحة الغربية ومدى الالتزام الغربي بإرسالها.. لذلك، تراهن موسكو على أن الوقت في صالحها".
دروس التاريخ
بنيامين جنسن، الخبير البارز أيضا في الأمن الدولي، وضع يده على محدد آخر لمستقبل الصراع، يمكن أن يحدد بشكل كبير المنتصر فيه، وهو "مدى حفاظ القوات الروسية المهاجمة على تماسكها".
وفي هذا الصدد يقول الخبير الدولي: "تتطلب القوة العسكرية مؤسسة قتالية متماسكة بقدر ما تتطلب الدبابات والطائرات، لكن يميل الجنود على الجبهة إلى عكس الانقسامات والصراعات على السلطة في مجتمعاتهم".
وتابع "يمكن أن يؤدي الضغط الذي ينشأ من الخسائر في ساحة المعركة، والأزمات المتزايدة على الجبهة الداخلية إلى تقويض القوة العسكرية، من خلال تآكل تماسك الجيش على الجبهة"، مضيفا "في تاريخ روسيا نفسها دليل على ذلك، وخاصة وصول الثورات في 1905 و١٩١٧ إلى المؤسسة العسكرية".
ومضى قائلا: "انهيار التماسك على الجبهة كانعكاس لما يحدث من صراع في المجتمع، حدث أيضا في الجيش الألماني في نهاية الحرب العالمية الأولى في 1918، حين سرع تمرد في البحرية الألمانية والاحتجاجات المتتالية، لتسريع نهاية الحرب بهزيمة برلين".
وأوضح "تاريخيا، يرتبط تماسك الجيوش بعلاقة عكسية بالوضع الداخلي في البلاد وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع: كلما كان المجتمع غير متكافئ وطبقي، زاد احتمال أن يكون أداء الجيش ضعيفًا بل يعجل انهياره".
التهديدات النووية
هيذر ويليامز، مدير مشروع القضايا النووية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ذهبت إلى العامل الثالث، الذي هو مدى استمرار موسكو في التلويح بالسلاح النووي، كمحدد لمستقبل الصراع.
وقالت "سواء استمرت الحرب في أوكرانيا لأشهر أو سنوات، ستستمر الأسلحة النووية في الظهور في خلفية الصراع"، مضيفة "ظهر التلويح بالأسلحة النووية في الخطاب الروسي أكثر من مرة في العام الأول للحرب".
ومضت قائلة "اعتمد فلاديمير بوتين على التهديدات النووية لسببين رئيسيين، أولها ردع الناتو عن التدخل المباشر في أوكرانيا، ويمكن القول إن جهود الرئيس الروسي قد حققت بعض النجاح في منع التدخل العسكري الغربي المباشر خوفًا من التصعيد".
لكن السبب الثاني لتهديدات بوتين النووية -تقول الخبيرة- "أكثر خطورة: من خلال إبداء استعداده لاستخدام الأسلحة النووية، يشير بوتين أيضًا إلى التزامه بالانتصار في الحرب بأي تكلفة".
هنا يبرز امتلاك بوتين لسلاح فعال؛ هو السلاح النووي التكتيكي، الذي يمكن استخدامه في منطقة معينة، ويمكن أن يحسم الحرب، لكنه يمكن أن يحرك أزمات جيوسياسية على المستوى العالمي، وفق المصدر ذاته.
ومن هنا، قالت ويليامز "يتعين على الولايات المتحدة كما يتعين على قادة "الناتو" الاستمرار في الاعتماد على تدابير الحد من المخاطر وقنوات الاتصال المفتوحة في الأزمات، مثل المكالمة التي جرت في أكتوبر/تشرين أول الماضي بين وزير الدفاع لويد أوستن ونظيره الروسي، سيرغي شويغو"، لتجنب هذا السيناريو.
"النهاية"
المحدد الرابع لمستقبل الصراع في أوكرانيا، يرسمه الخبير الاستراتيجي، إليوت كوهين، وهو كيفية وضع نهاية واضحة للحرب؛ فيقول : إن "الحكمة التقليدية تقول: مفاوضات، بالطبع، وهذا ما قاله رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، والعديد من المسؤولين في الولايات المتحدة خلال العام الأول للحرب".
لكن جلوس القادة المرهقين من الحرب إلى طاولة المفاوضات، يمكن أن ينتج 3 نتائج مختلفة تحمل تأثيرات مختلفة أيضا على الصراع، إذ يمكن أن تكون المفاوضات "عبارة عن اتفاق على بنود الاستسلام" (وهو ليس تفاوضًا كبيرًا)، أو محاولة للتوصل لوقف إطلاق النار (يؤدي فقط إلى استراحة مؤقتة)، أو مفاوضات سلام واسعة تنتج اتفاق سلام واسع وحاسم، وفق المصدر ذاته.
كوهين يرى أن سرعة لجوء الأطراف للتفاوض وأي نوع من التفاوض تسلكه، يعتمدان على المحددات السابقة، ويقول "من المتصور، إذا تباطأ الغرب في تسليح أوكرانيا، فقد تكون كييف هي التي تزحف بضجر إلى الطاولة".
مستدركا: "لكن يمكن أن يكون الروس هم من يفعلون ذلك، إذا استمر الدعم الخارجي بقوة لكييف، وحافظ الأوكرانيون على قدرتهم الهائلة على التكيف ومواصلة القتال، ورأت روسيا انهيارات في قوتها، ونجح الغرب عبر خطوط الاتصال مع روسيا، في تحييد التهديدات النووية".
بيد أن كوهين يرى سيناريوهين واضحين لأي تفاوض بين أوكرانيا وروسيا في الفترة المقبلة، أولهما هو التوصل إلى حل وسط يكون أساسا لسلام صامد، وهو ما يراه مارك ميلي وغيره من المسؤولين الأمريكيين.
أما السيناريو الثاني والأكثر توقعا، هو أن تفضي المفاوضات إلى وقف لإطلاق النار؛ أي تجميد الصدام العسكري لفترة، على حد قول كوهين.