توابع الحرب تفتك بأطفال السودان.. وروشتة من «تقدم» لإنهاء الأزمة
على وقع الحرب في السودان، تزايدت حدة المأساة الإنسانية، وبات الأمراض وسوء التغذية يفتكان بالأطفال في إقليم دارفور غربي البلاد.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ قرابة 11 شهرا أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وورق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
ويقول المتحدث الرسمي باسم التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال، "ما بين كل 10 عائلات هناك 8 عائلات تتناول وجبة واحدة فقط في اليوم وغالبا ما تكون غير مكتملة بالعناصر الغذائية الأساسية".
وأوضح رجال، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن مخيم "كلمة" للنازحين بولاية جنوب دارفور استقبل من شهر يناير/كانون الثاني حتى فبراير/شباط، 62 حالة من سوء التغذية الحاد، في حين ارتفعت نسبة التردد من شهر مارس/آذار وأبريل/نيسان الحالي إلى حد يفوق قدرة استيعاب المركز.
وأشار إلى أن المخيم يستقبل يوميا في العناية المكثفة ما بين (14 - 18) حالة من سوء التغذية الحاد، ويموت (2- 8) أطفال أقل من عمر 6 أعوام كل 12 ساعة بالمخيم بسبب أمراض سوء التغذية والإسهال وأمراض أخرى غير معروفة.
كما اطلعت "العين الإخبارية" على صور أطفال من مخيم "نيرتتي" الجنوبي للنازحين الذين يعانون من سوء التغذية الحاد بسبب ندرة الغذاء ونقص التطعيم للأطفال حديثي الولادة والأدوية المنقذة للحياة.
وتقول الأمم المتحدة، إن نحو 25 مليونا، أي نصف عدد سكان السودان، يحتاجون لمساعدات، كما فر نحو 8 ملايين شخص من منازلهم، وقد تفتك مجاعة كارثية في الأشهر المقبلة بنحو 5 ملايين شخص.
وبدأت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
وبحسب آخر تقديرات حكومية في 2019، بلغ عدد هؤلاء النازحين أكثر من مليون و900 ألف.
مراقبة وقف إطلاق النار
مع تصاعد وتيرة الحرب، دون حل سياسي يلوح في الأفق، طالبت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، بتشكيل قوة مشتركة من دول المنطقة، لمراقبة وقف العدائيات ووقف إطلاق النار وفتح المسارات الآمنة وضمان انسياب المساعدات الإنسانية.
وعقدت هيئة قيادة "تقدم"، في الفترة من 2 إلى 4 أبريل/نيسان الجاري، اجتماعات مكثفة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، توصلت خلالها إلى رؤية لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة السودانية.
وقالت "تقدم"، في الرؤية التي اطلعت عليها "العين الإخبارية"، إن "السيناريو الأسوأ والذي يشكل مهددًا وجودًيا للدولة السودانية في ذاتها، هو احتمال تفكك الجيش والدعم السريع وفقدان قيادتهما السيطرة على القوات".
وتعهدت التنسيقية المدنية (تقدم) بالعمل على دفع أطراف الحرب إلى وقف العدائيات لأسباب إنسانية، من أجل تمكين المنظمات من تقديم الإغاثة واستئناف العملية التعليمية.
وقالت إن عدم إنهاء الحرب يفتح الباب أمام غياب أي شكل من أشكال السلطة المركزية ويخلق حالة من التشظي يسيطر فيها أمراء الحرب على مناطق معينة مع تطور صيغة جديدة لاقتصاد الحرب.
آثار الحرب السلبية
وشددت التنسيقية على أن آثار الحرب الاجتماعية السلبية ظهرت بجلاء، في حياة السودانيين داخل البلاد وفي مراكز النزوح وبلدان اللجوء.
ودافعت "تقدم" عن توقيعها إعلان أديس أبابا مع قوات الدعم السريع في 2 يناير/كانون الثاني هذا العام، لاشتماله على مبادئ وحدة البلاد وإعادة بناء الدولة السودانية وتأسيس الجيش المهني.
وأوضحت أن "قبول قوة حاملة للسلاح وتسيطر على مساحات واسعة من الأراضي بهذه المبادئ يعد نصرا سياسيا لقوى مدنية لا تحمل أي سلاح".
وأضافت: "الخطأ الشائع حول إعلان أديس أبابا بعدم جلوس تقدم مع طرف من أطراف الحرب حتى تحتفظ بمبدأ الحياة كوسيط، لكن الحقيقة الغائبة أننا لسنا وسطاء وإنما أصحاب مصلحة يحق أن تكون رؤى ندعو لها الأطراف المقاتلة".
وأشارت إلى أن "الجيش لو التزم بتعهد عقد لقاء معها، فإن إعلان أديس أبابا ستكون له قيمة سياسية كبرى، لأنه سيشكل أساسًا صلبًا للتوصل إلى حلول متوافق عليها بين طرفي الحرب".
وتعهدت تنسيقية (تقدم) بالضغط على قوات الدعم السريع لتنفيذ إعلان أديس أبابا، بما في ذلك وقف الانتهاكات ضد المدنيين في مناطق سيطرته والابتعاد عن المناطق التي لا يوجد فيها الجيش والتشكيلات العسكرية.
خطورة انتشار السلاح
الأكثر من ذلك، أعربت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية عن قلقها البالغ إزاء تزايد مؤشرات فقدان الجيش والدعم السريع السيطرة على قواتهما، وما قد يُشكله ذلك من مخاطر جسيمة على وجود الدولة السودانية.
وأضافت "رغم أن هناك ما يؤشر إلى حدوث ذلك إلى حد ما، فإن مآلات هذا السيناريو ستكون لها تبعات كارثية على السودان والإقليم والعالم".
وشددت على أن هذا السيناريو "ينبغي أن يدفع القوى المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة لمقاربة مغايرة للتعامل مع الطبيعة المتغيرة للحرب، على رأسها مرحلة وقف عدائيات لأسباب إنسانية يتبعها وقف شامل لإطلاق النار وإجراءات بناء الثقة لإطلاق عملية سياسية".
وأشارت إلى أن النزاع أدى إلى انقسام مجتمعي حاد على أسس عرقية ومناطقية وصل إلى درجة الاستهداف والقتل والتصفية على أساس العرق خارج أطر القانون.
وحذرت من أن الاحتفاء بالعنف يخلق أرضية خصبة لانتشار ظاهرة الإرهاب، في ظل انتشار السلاح بحجج المقاومة الشعبية والاستنفار من جهة، والفزع من جهة أخرى.
تحقيق السلام والمصالحة
وطرحت "تقدم" عدة مقترحات لإنهاء النزاع من أجل الحفاظ على وحدة البلاد وضمان قيام دولة مدنية، تبدأ بإطلاق عملية سياسية يُشارك فيها جميع الفرقاء سوى النظام السابق وواجهاته والداعم للحرب.
كما تضمنت المقترحات اتخاذ تدابير لحماية المدنيين وتأسيس جيش قومي من القوات العسكرية شريطة أن ينأى عن الأمور السياسية والاقتصادية مع قبولهم والمنظومة الأمنية بمبادئ الإصلاح.
وقالت التنسيقية إن رؤيتها تشمل ضرورة التوافق على برنامج قابل للتنفيذ لتحقيق العدالة الانتقالية ويسمح بتحقيق السلام والمصالحة والتعويضات وجبر الضرر.
واقترحت أن تناقش العملية السياسية القضايا الإنسانية بما في ذلك الإغاثة والصحة والتعليم، إضافة إلى الترتيبات الأمنية والعسكرية، علاوة على القضايا السياسية التي تشمل ترتيبات ما بعد الحرب وهياكل فترة الانتقال ودستورها وآليات السلطة فيها والعدالة.
وتخطط تقدم لبدء العملية السياسية بالتزامن مع توصل طرفي النزاع إلى اتفاق وقف إطلاق نار في أي منبر تفاوضي، شريطة أن يشارك المدنيون في التفاوض.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حربا خلفت نحو 13 ألفا و900 قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.