تتوجع دمشق كثيراً وتكاد تختنق من زحمة الحرب المستعرة على ترابها، بات ياسمينها شاحباً وقاسيونها دامعاً.
تتوجع دمشق كثيراً وتكاد تختنق من زحمة الحرب المستعرة على ترابها، بات ياسمينها شاحباً وقاسيونها دامعاً، فيروز ماعادت تغني لها كما كانت من قبل ولا الجواهري يتغنى بمجدها، فقط بضعة أحرف تختزل المشهد في بلاد الياسمين أنْ يا دمشق صبرا على البلوى، قالها الأديب والشاعر العراقي الأشهر منذ سنوات متنبئاً بما تعانيه جلّق اليوم.
الإرهاب الذي يهدد أرض الكنانة ذاتُه من يقسم سورية بين شمال يسيطر عليه تركي حالم بمجد العثمانيين من جديد بعد قرون أربعة عجاف، وجنوب تسعى إيران السوداوية لاقتحامه والأخذ بثأرٍ مزعوم من مدينة الأمويين
الزائر لعاصمة الأمويين لن يجد بائع "السوس" في مكانه المعتاد بالقرب من ساحة المرجا، وعندما يسأل يُقال له ماعاد هنا، هاجر حاملاً ابريقه النحاسي ضارباً بصحنيه اللامعتين عرض الحرب التي لا ناقة له فيها ولا جمل.
شوارع الشام ضاقت أكثر واتسع حزنها، وممشى نزار بات حفرة تدلت بها شتى أنواع القذائف، ودُفنت فيها أحلام الطفولة الراغبة بسوريا المستقبل التي لا قمع فيها ولا حزن، حرية على مقاس أبنائها وليس وفق أهواء تنظيمات متطرفة أو دساتير تكتب أحرفها دول هنا وهناك.
الجامع الأموي بات يرفع الأذان خمساً مفروضات وغيرهن مودعاً شباباً اختطفتهم المعارك من أحضان أمهاتهم، سوق الحميدية أصبح يبيع الكفن أكثر من بيع التمر والزبيب وعنب الشام، حزين هو الآخر وأمست لياليه ثكلى.
في شام محمود درويش ما عاد السوري ينام على ظله واقفاً، الغريب وحده من صنع لذاته تاريخاً على أرض لم تكن ولن تكون له أبداً، تحت سفح جبل قاسيون لا يرقد يوسف العظمة فحسب، بل الآلاف من السوريين الذي غيّبتهم معارك لم يكونوا من دعاتها ولا من عرابيها.
رغم كل هذا الوجع والألم مازال بمقدور العربي سماع من دمشق هنا القاهرة، وهنا تبدأ حكاية العتب السوري على الأشقاء، من يصدق بأن القاهرة راضية أو متناسية دورها فيما أصاب شقيقتها؟
لا.. فالإرهاب الذي يهدد أرض الكنانة ذاتُه من يقسّم سورية بين شمال يسيطر عليه تركي حالم بمجد العثمانيين من جديد بعد قرون أربعة عجاف، وجنوب تسعى إيران السوداوية لاقتحامه والأخذ بثأرٍ مزعوم من مدينة الأمويين، رافعة شعارات طائفية وعرقية لا يمكن للدمشقي تحملها، فقط يئنُّ من شدة الألم ويتحسر على بلد أتعبته الحرب.
وشرق ينازع الفرقة ويكابر على ذاته ليتخلص من مشاريع القسمة التي تطرق بابه في اليوم ألف مرة دون أن تلج ولن تنجح بذلك، يقول أبناء هذا البلد الجريح وساحل بات ملعباً للروس يسرحون ويمرحون فيه على ايقاع موسيقاهم العسكرية.
ستصل إليك القاهرة يا دمشق، وإن طال غيابها قطعت على نفسها وعدا بذلك ولو بعد حين.
ظلموك يا دمشق من يُباهون العالم صباح مساء بالدفاع عنك، ظلموك من يظهرون في اليوم ألف مرة ليغتالوك معتقدين زوراً أنّهم يحمونك من قادمات الأيام، ظلموك من يصرخون أمام المنظمات الدولية وفي المحافل العالمية بأنّ دمشق محمية بوعي ناسها وأهلها.
ضاع حلمك أيتها العزيزة بين سلطة عنجهية لم تستجب لشعب أبسط ما يقال عن مطالبه بأنّها مشروعة، ورهنت البلاد لدول تنسج عزّها من شرايين السوريين المتقطعة، وتفاوض على ملفاتها عبر جماجمهم المتناثرة على طول مساحة أرض الوطن.
ومعارضة قسم منها جنح نحو التطرف وآخر باع نفسه للخارج الذي لا يرحم ولن يرحم السوريين المشردين في أصقاع الأرض باحثين عن أمن واستقرار يحفظ لهم ما تبقى من سوريتهم.
هي الحقيقة يا دمشق بقيت وحيدة يا أيتها المكحلة العينين تنازعين دون تضميد جراحك من أحد، ولكنك ستنهضين يوماً وتفتحين أبوابك السبعة لاستقبال المجد من جديد، فأقدم مدينة مأهولة على وجه المعمورة لن تستطيع ظلمات العصر إخفاء ملامح شبابها، ولن يخفي الدخان المتصاعد من آلة الحرب لون فستانك الياسميني الأبيض إلى أسود حالك كما يتمنى حسّادك، دمشق كنت وستبقين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة