في جولة جديدة من التصعيد فرضت الحكومة الصينية رسوما جمركية انتقامية على سلع أمريكية تبلغ قيمتها نحو 75 مليار دولار
في جولة جديدة من التصعيد فرضت الحكومة الصينية رسوما جمركية انتقامية على سلع أمريكية تبلغ قيمتها نحو 75 مليار دولار، بنسبة تتراوح بين 5% و10% أزيد عن المعدلات الحالية. يأتي ذلك ردا من الصين على رفع الولايات المتحدة التعريفة الجمركية على سلع صينية بقيمة 300 مليار دولار إضافية بنسبة 10%، من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ على مرحلتين في 1 سبتمبر و15 ديسمبر.
غالبا ما تكون أولى المنتجات عرضة لفرض الرسوم الصينية هي السلع الزراعية مما قد يؤثر على تصويت المزارعين الأمريكيين الذين يعدون بشكل عام من الأنصار المؤيدين للرئيس ترامب، ويبدو أن هذا ما يثير الرئيس ويجعله دائم البحث عن حل لمشكلة صادرات السلع الزراعية خاصة تلك التي تستوردها الصين
وستفرض الرسوم الصينية على نحو 5078 منتجا من الولايات المتحدة من بينها: منتجات زراعية مثل فول الصويا والنفط الخام والطائرات الصغيرة، كما ستعيد الصين أيضا فرض تعريفة على السيارات وقطع غيارها القادمة من الولايات المتحدة بنسبة 25%.
وقد أثارت هذه الرسوم الصينية الانتقامية ثائرة الرئيس الأمريكي، على الرغم من أنها وفقا لتصريح أحد المسؤولين الأمريكيين كانت أمرا متوقعا ولم تكن أمرا مفاجئا على الإطلاق. وقد رد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بفرض رسوم إضافية بنسبة 5% على نحو 550 مليار دولار من البضائع الصينية، وجاءت خطوة "ترامب"، التي تم الإعلان عنها على موقع تويتر، بعد ساعات فقط من كشف الصين عن تعريفات انتقامية على سلع أمريكية بقيمة 75 مليار دولار.
ويبدو من استطلاع الأمر أننا أصبحنا بمواجهة متوالية من الرسوم الجمركية تستطيع الولايات المتحدة فرضها على طائفة واسعة من السلع وبأحجام كبيرة، نظرا لكبر حجم الصادرات الصينية للولايات المتحدة البالغة نحو 550 مليار دولار، بينما لا تستطيع الصين مجاراتها في ذلك؛ لأن الصادرات الأمريكية إليها لا تزيد عن 110 مليارات دولار. من هنا ربما لجأت الصين إلى الاختيار بعناية فيما تفرض عليه الرسوم أولا، ويبدو هنا أنها توجهها اعتبارات تتعلق بالتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولذلك غالبا ما تكون أولى المنتجات عرضة لفرض الرسوم الصينية هي السلع الزراعية مما قد يؤثر على تصويت المزارعين الأمريكيين الذين يعدون بشكل عام من الأنصار المؤيدين للرئيس ترامب، ويبدو أن هذا ما يثير الرئيس ويجعله دائم البحث عن حل لمشكلة صادرات السلع الزراعية خاصة تلك التي تستوردها الصين مثل اللحوم وفول الصويا، أو السلع التي يعد هناك فائض كبير منها لدى المزارعين مثل الذرة على سبيل المثال.
في عام 1977 نجح جيمي كارتر في تبوأ مقعد الرئاسة باللعب على أصوله المتواضعة وكونه مزارعا للفول السوداني لكسب أصوات المزارعين الأمريكيين، ومع ذلك فبعد أربع سنوات خسر جيمي كارتر أصوات المزارعين التي ذهبت للمرشح الجمهوري رونالد ريجان؛ لأن كارتر عاقب الاتحاد السوفييتي على غزوه لأفغانستان بمنع مبيعات الحبوب له، في الوقت الذي كان المزارعون الأمريكيون يكافحون فيه بسبب انخفاض أسعار المحاصيل. وكان حظر التصدير القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لهم، ومن هنا ألقى المزارعون بثقلهم وراء ريجان الذي وعد برفع قيود التصدير. وتقول الكاتبة ريبكا شيموني في مقال منشور لها في أبريل من العام الماضي تحت عنوان "ماذا لو كلفت الرسوم الجمركية ترامب أصوات المزارعين؟" إن هذه القصة قد تعود للتكرار في حزام الزراعة الأمريكي بالنسبة للرئيس ترامب في الانتخابات المقبلة؛ حيث ينقسم المزارعون ما بين ولائهم للرئيس وغضبهم من الرسوم الجمركية التي فرضها على السلع الصينية، وما ترتب على ذلك من رسوم جمركية انتقامية صينية على السلع الزراعية.
ويمكن القول بشكل عام إن الرئيس حصل فعليا على أصوات الولايات التي بها عدد أكبر من المزارعين، وحيث يقدر أنه حصل على أصوات 67% من مزارعي الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن نسبة المزارعين في وسط الكتلة التصويتية محدود؛ حيث تبلغ 1%، إلا أنهم يذهبون للتصويت أكثر من غيرهم إذ يقدر أن 74% منهم يمارسون حقهم في التصويت.
والقضية أكثر أهمية هي في توزعهم في بعض الولايات، فهناك بشكل خاص ثلاث ولايات كسب فيها ترامب بهامش ضئيل، والتي قد تكلفه خسارته أصوات المزارعين فيها الكثير، وهذه الولايات هي ميشيغان، وويسكنسون، وبنسلفانيا. ففي كل ولاية من هذه الولايات كانت أصوات المزارعين تفوق الهامش الذي انتصر به الرئيس ترامب في انتخابات عام 2016. وفي ولاية ميتشجان على سبيل المثال فاز ترامب بفارق 10704 أصوات بينما يصل عدد المزارعين إلى 80 ألف صوت، ولو شهدت هذه الولايات الثلاث خسارة للرئيس ترامب لصالح منافسه الديمقراطي فبإمكان المرشح الديمقراطي الفوز بـ46 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي وهو ما قد يكون كافيا لفوز المرشح الديمقراطي حتى لو نجح ترامب في تحقيق نفس النتائج التي حققها في بقية الولايات في عام 2016. وبالطبع فالثقل يزداد حسب السلعة المتضررة، فالولايات التي تزرع فول الصويا ربما تتضرر أكثر من غيرها لأن الصين كانت تشتري نحو ثلث المحصول الأمريكي ودفعت أكثر من 14 مليار دولار في وارداتها منه في عام 2017. ويعد لحم الخنزير هو أهم منتج في كل من ميشيغان وويسكنسون، بينما يعد محصول فول الصويا هو ثالث أهم محصول في كل من الولايتين.
لذلك نرى الرئيس الأمريكي الواعي جيدا لخطورة هذا الأمر يسعى لمحاولة تحييد أثر الرسوم الجمركية الصينية على السلع الزراعية. وربما أول ما فعله في هذا الشأن هو رصد 12 مليار دولار لدعم المزارعين. وتعد السلع الزراعية هي مناط التركيز في اتفاقية للتجارة الحرة ما بين الولايات المتحدة واليابان من المتوقع توقيعها خلال الشهر المقبل، وهي اتفاقية أعلن عنها مؤخرا أثناء اجتماعات قمة السبعة في فرنسا خلال هذا الأسبوع. وفي تعقيبه على الاتفاق المبدأي قال ترامب إن اليابان وافقت على شراء فائض الذرة الأمريكي الذي يثقل كاهل المزارعين بسبب نزاع الرسوم التجارية بين واشنطن وبكين. وأشار رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى شراء محتمل للذرة وقال إن القطاع الخاص سيقوم به. وأبلغ ترامب الصحفيين أثناء إعلان مشترك مع آبي خلال اجتماع مجموعة السبع”إنها صفقة كبيرة للغاية، وقد اتفقنا من حيث المبدأ، إنها بمليارات مليارات الدولارات. رائعة للمزارعين". وفي السياق ذاته تدرس إدارة ترامب رفع نسب الخلط للوقود الحيوي (المنتج من الذرة بشكل رئيسي) في السنوات المقبلة لتهدئة الغضب لدى المزارعين بسبب استخدام موسع لإعفاءات مُنحت مؤخرا لمصافي التكرير الصغيرة، ومن شأن هذا النهج أن يمثل تعويضا لقطاع الزراعة ومؤيديه الذين دفعوا الإدارة إلى إلغاء بعض الإعفاءات، وتعويضا لهم أيضا عما يواجهه القطاع بسبب الحرب التجارية مع الصين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة