لم يعد المسعى الإيراني في الاستيلاء على مناطق وبلدات غرب الفرات خافيا، إذ انتقلت سياسة طهران التوسعية في سوريا إلى مرحلة متقدمة
لم يعد المسعى الإيراني في الاستيلاء على مناطق وبلدات غرب الفرات خافيا؛ إذ انتقلت سياسة طهران التوسعية في سوريا إلى مرحلة متقدمة في هذا الاتجاه، مستغلة التحولات العميقة الحاصلة على مستوى البلاد والعباد، وعمقت وجودها المذهبي تحت عباءة دعم الجيش السوري في مكافحة إرهاب داعش في عموم المنطقة الشرقية من سوريا، وتحديدا المناطق الواقعة غرب الفرات وامتدادها في عمق صحراء الحماد التي تصل إلى مدينة تدمر ومحيطها، وكذلك تخوم الحدود الصحراوية العراقية السورية.
ذرائع وحجج الإيرانيين الزائفة متعددة، وهي لا تتوقف عند ادعائها بمكافحة الإرهاب، بل تتعداها إلى تحرير الجولان السوري وفلسطين التاريخية، لكن نهجها المفضوح على الأرض السورية يفصح دون أي لبس عن أطماعها المتدرجة في عموم المنطقة عبر بوابات هنا وأذرع هناك بهدف توظيف نفوذها لخدمة مشروعها التوسعي
وإذا كانت نسب وجودها متفاوتة من منطقة إلى أخرى بين قواعد وتجمعات عسكرية فإن سياستها في بعض مناطق غرب الفرات وتحديدا تلك المتاخمة للحدود العراقية أو القريبة منها تعكس نهجا مدروسا لتمددها عبر آليات تغيير ديمغرافي وجغرافي على حد سواء، تمثلت في رفع الأذان على طريقتهم في بعض المساجد على سبيل المثال، وإدخالها مئات العوائل من مسلحي شيعة أفغان إلى بعض أحيائها وتوطينهم في المنازل التي هجرها أصحابها، علاوة على إقامة مكاتب رسمية للحرس الثوري الإيراني علنا مهمتها استقطاب بعض المحتاجين من سكان تلك المناطق وتطويعهم في مليشياتهم الإيرانية مقابل تعويض مالي شهري، والأخطر انسجام تام من قبل المتطوع مع أيديولوجيتهم وسياستهم وخدمة مشروعهم العسكري والمذهبي.
في فترة سابقة على الحرب كانت الأطماع الإيرانية مقتصرة نوعا ما على الجانب الاقتصادي، لكن الأمر تطور خلال السنوات الثماني الأخيرة؛ حيث وظفت طهران معظم المرافق الاقتصادية السورية التي سيطرت عليها، أو تلك التي لها تأثير فيها لتوسيع دائرة استحواذها والتمدد عبر حضورها العسكري إلى جانب الجيش السوري في مرافق الدولة السورية، أو على الأقل فيما كان متاحا لها من تلك المرافق لتترجم ذلك كله على شكل مقايضات تقوم من جانبها على الدعم العسكري والاقتصادي مقابل الاستيلاء على الأراضي والبلدات ومكامن الإنتاج والثروة الطبيعيين، وهم لا يترددون في الإفصاح عن استراتيجيتهم تلك عبر تصريحات مسؤوليهم أو المواقف المعلنة بالقول إنهم يعوضون لأنفسهم عن الكلفة التي دفعتها طهران في ميادين القتال والحرب السورية، من خلال الحصول على عقود حكومية مما يضع السلطات السورية بناء على موقفهم هذا في دائرة الاستفهام حول ما تقوم به طهران على الأرض السورية.
لكن السؤال الجوهري يتمحور حول حقيقة دوافع الإيرانيين القريبة والبعيدة من وراء هذه السياسة؟ وهل تقتصر الأطماع الإيرانية على الساحة السورية فحسب؟ لا شك أن الأطماع الإيرانية في غرب الفرات جغرافيا وديموغرافيا تتجاوز الحدود السورية، لأهمية موقعه الجغرافي من جانب وطبيعة النسيج الاجتماعي من جانب آخر، فسكان تلك المنطقة من العرب السنة بالمطلق وحدود غرب الفرات الجغرافية تشكل في أقصاها من الشرق نقطة تلاقٍ مع الحدود الغربية للعراق، ما يعني أن هدف طهران بتأمين طريق بري من طهران إلى البصرة جنوب العراق إلى شرق سوريا، فدمشق إلى بيروت أصبح قاب قوسين من التحقق على الأرض، علاوة على هدف إيراني آخر باستثمار الحدود البرية لمد سكة حديد على طول تلك المساحات، وهو ما أفصحت عنه شركة السكك الحديدية الإيرانية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم حين أعلنت أنها بدأت عملية بناء خط حديدي يمتد من مدينة سالاماتشي الإيرانية إلى البصرة جنوب العراق، كجزء من الخط الحديدي الذي يصل إلى مدينة اللاذقية على الساحل السوري، التي لا يبعد ميناؤها عن ميناء بيروت سوى عشرات الأميال البحرية.
وإذا كانت طهران وجدت في الصراع السوري نافذة واسعة للانقضاض على مقدرات سوريا، الدولة الضعيفة بسبب الحرب التي استنزفتها، وعلى المكونات الاجتماعية السورية في المناطق التي استولت عليها، فإن ذرائع وحجج الإيرانيين الزائفة متعددة وهي لا تتوقف عند ادعائها بمكافحة الإرهاب، بل تتعداها إلى تحرير الجولان السوري وفلسطين التاريخية، لكن نهجها المفضوح على الأرض السورية يفصح دون أي لبس عن أطماعها المتدرجة في عموم المنطقة عبر بوابات هنا وأذرع هناك، بهدف توظيف نفوذها لخدمة مشروعها التوسعي من جهة وخدمة مصالحها وعلاقاتها مع العالم الخارجي ومواجهة التحديات القاسية التي تمر بها من جهة ثانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة