"الخطة البديلة".. سيناريوهات واشنطن حال فشل محادثات "نووي" إيران
"ضغوط قصوى أو عملية تخريب".. خيارات قد تلجأ إليها واشنطن وتحالف القوى الراغبة في منع إيران من امتلاك النووي حال فشل المفاوضات.
هذه الخيارات التي تأتي على خلفية "مماطلة إيران وتنصلها من التزاماتها" تقرب طهران من عواقب وخيمة قد تلجأ إليها واشنطن وتحالف القوى الراغبة في منعها من امتلاك النووي.
- عرقلة محادثات "النووي".. مؤسسة تابعة لخامنئي تقود المفاوضات
- "خلافات كبيرة".. فرنسا تعلق على محادثات إيران النووية
وبحسب ورقة بحثية أعدها "مركز الإمارات للسياسات" عن "خطة واشنطن البديلة حال فشل المفاوضات"، فإن الشعور بالإحباط أصبح هو السائد في أوساط الإدارة الأمريكية من إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وما الذي ستعمل عليه كخطة بديلة للتعامل مع الموقف.
وتُعَدُّ الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة فيما يتعلَّق بالمفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، في وقت صدرت فيه بعض الرسائل عن طهران حول عودتها إلى طاولة المفاوضات.
ومع أن القيادة الإيرانية الجديدة ما زالت تتلكأ للإعلان عن عودة رسمية إلى مفاوضات فيينا، إلا أن وفداً من وزارة الخارجية الإيرانية سيَعقِدُ اجتماعات في بروكسل خلال الأيام القليلة المقبلة لمعرفة أين وصلت الأمور في الجولات السابقة من مفاوضات فيينا.
وتُمَثِّلُ هذه الاجتماعات بالنسبة لواشنطن أول فرصة لجس نبض الفريق الإيراني المفاوض الجديد.
وتسُود آمال كبيرة في أوساط إدارة بايدن بالرغم من وجود ضغوط متزايدة لوضع خطة بديلة في حال عدم حدوث تقدُّم سريع في المفاوضات.
إحباط أمريكي
وعبَّر روبرت مالي كبير المفاوضين الأمريكيين في تصريحات له في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاريعن عن شعوره بالإحباط بسبب أساليب المماطلة الإيرانية.
وأشار إلى أن "كل يوم لا يعود فيه الإيرانيون إلى طاولة المفاوضات يعني لنا أن هذا فريق قد لا يكون مستعداً في الحقيقة للعودة إلى الاتفاق النووي. ويجب علينا الاستعداد لعالم لا يوجد فيه قيود على برنامج إيران النووي، ودراسة خيارات التعامل مع ذلك".
وهناك احتمال كبير بأن تختار إيران مساراً مختلفاً بعيداً عن المسار الدبلوماسي، ويجب علينا التنسيق مع إسرائيل وشركاء آخرين في المنطقة حول مثل هذه النتيجة".
ويعود الإحباط الأمريكي إلى سببين رئيسين: أولها الأدلة المتزايدة بشكل شبه يومي تقريباً على أن إيران قريبة للغاية من تجاوز العتبة النووية فيما يتعلق بمستويات تخصيب اليورانيوم.
ويزداد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% والذي يُعَدُّ قريباً للغاية من المستوى الضروري لصناعة القنبلة الذرية. وجاء التسارع في عملية التخصيب بفضل قيام طهران بنشر مزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة من أجل تنقية المادة الانشطارية.
كما تشتمل التطورات المثيرة للقلق على تحويل غاز هيكسافلوريد اليورانيوم المخصب إلى معدن اليورانيوم -الذي يَتَمَثَّلُ الاستخدام الأرجح له في القنابل النووية- إلى جانب عرقلة عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ودق مدير الوكالة رفائيل جروسي خلال وجوده في واشنطن في 19 أكتوبر/تشرين الأول ناقوس الخطر، موضحاً لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن الوكالة لم تعد قادرة على مراقبة نشاطات طهران النووية.
وسيشهد شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة، ومن المتوقع أن تتضمن أجندة الاجتماع النظر في توجيه توبيخ إلى إيران.
لكنَّ الأمر المهم بالنسبة لواشنطن واضح: لقد تقلَّص الآن الوقت اللازم لإيران لـ"تجاوز العتبة النووية" إلى نحو شهرين إلى 3 أشهر.
ويرى ديفيد أولبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي أن هذا الوقت قد يصل إلى شهر واحد فقط.
وعلى أي حال فإن الإطار الزمني يُمَثِّلُ وضعاً مُلِحَّاً للغاية، ويُعَدُّ أقصر بكثير من مدة السنة أو يزيد التي حظي بها العالم عندما كانت "خطة العمل الشاملة المشتركة" موضع التنفيذ.
لكنَّ إنتاج مادة اليورانيوم التي يمكن استخدامها في صنع سلاح نووي بالطبع ليس مثل امتلاك سلاح نووي، وتشير التقديرات إلى أن تركيب رأس نووية على صاروخ قد يستغرق عامين آخرين.
نشاطات التخريب
وتهدف نشاطات التخريب الإسرائيلية بشكل جزئي إلى إطالة أمد هذه العملية التي تتطلَّب تقدُّماً تكنولوجياً جوهرياً.
وقال مدير الموساد الإسرائيلي السابق يوسي كوهن الذي غادر منصبه خلال صيف العام الجاري في تصريحات له مؤخراً إن "إيران ليست حتى قريبة من امتلاك سلاح نووي" نتيجةً لما وصفه بأنه "جهود قديمة من جانب بعض القوى في العالم".
ولعل ما يعنيه كوهن أنه بالرغم من قيام إيران بإظهار قدرتها على تخصيب اليورانيوم بتركيز يكفي لصناعة سلاح نووي، غير أن إسرائيل عملت على تقليص قدرة إيران على وضع هذا الوقود في رأس حربية.
ويعود بعض هذا النجاح إلى التنسيق الوثيق بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي في عهد إدارة ترمب.
وبالرغم من مثل هذا التعاون مع إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة ليست راضية.
وفي الحقيقة فإن السبب الثاني للقلق المتزايد لدى الجانب الأمريكي حول الإخفاق المحتمل للمحادثات النووية مع إيران يعود إلى استعداد إسرائيل للقيام بعمل عسكري إلى جانب إجراءات تل أبيب التخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني.
وفي هذا السياق يجب على واشنطن استمالة تل أبيب لضمان التنسيق الوثيق بين الجانبين. ولتحقيق هذا الهدف بدأت إدارة بايدن في إظهار الحزم من خلال الإعلان عن وجود سيناريوهات بديلة في حال إخفاق الدبلوماسية.
وذهب بلينكن -الذي كان يبعث برسائل منذ مطلع صيف العام الجاري مفادها بإن صبر الإدارة الأمريكية بدأ بالنفاد إزاء التوصل إلى نتيجة في المحادثات النووية- إلى أبعد من ذلك خلال اجتماع ضم وزيري خارجية كل من الإمارات وإسرائيل في 13 أكتوبر، وذلك بتحذير طهران بأن هناك خيارات أخرى قيد الدراسة، قائلاً إن "الطريق الذي نملكه للدبلوماسية بدأ يقصر شيئاً فشئياً. لذلك نحن نتابع تصريحات إيران وموقفها بحذر شديد.. ونحن على استعداد للتحوُّل نحو خيارات أخرى في حال عدم تغيير إيران مسارها".
لكنَّ وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد كان أكثر حدة عندما حذَّر مرةً أخرى بأن إسرائيل ستتصرف من خلال القيام بعمل عسكري إذا تطلَّب الأمر لمنع إيران من تطوير سلاح نووي.
وأضاف لابيد: "هناك لحظات يتوجَّب فيها على الدول استخدام القوة لحماية العالم من الشر، ويتعين علينا التصرف إذا ما اقترب نظام إرهابي من الحصول على سلاح نووي. ويجب علينا أن نوضح بأن العالم المتحضر لن يسمح بذلك. وإذا كان الإيرانيون لا يصدقون بأن العالم جاد إزاء منعهم فإنهم سيسارعون إلى امتلاك القنبلة".
كما التقى لابيد بنائب الرئيس الأمريكي كمالا هاريس ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لنقل مخاوف إسرائيل إزاء احتمال تجاوز إيران للعتبة النووية، والحاجة لخطة بديلة عن "خطة العمل الشاملة المشتركة".
ضغوط قصوى
كل هذا يقودنا إلى تنامي الضغوط في واشنطن لوضع خطة بديلة في حال وصول المحادثات في بروكسل وفيينا إلى طريق مسدود مرة أخرى. وأصبح من الواضح الآن بأن إيران زادت من مستويات تخصيب اليورانيوم، وعملت على تصنيع أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً، ونفذت أعمالاً للحصول على معدن اليورانيوم، ووضعت عوائق جديدة أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتُعَدُّ كل هذه الخطوات انتهاكاً للاتفاق النووي لعام 2015. كما أن إقناع إيران بالتراجع عن هذه الانتهاكات مقابل تخفيف محدود للعقوبات يُعَدُّ هدفاً غير واقعي.
وما يزيد الأمور سوءاً أن إيران ليست في عجلة من أمرها للتوصّل إلى اتفاق؛ فمن وجهة نظر إيران، لاسيما بالنسبة للقيادة المُتشدّدة الجديدة بقيادة إبراهيم رئيسي، فإن أمريكا غير جدير بالثقة. والأهم من ذلك، أن الفوائد الاقتصادية لخطة العمل الشاملة المُشتركة لم تدم طويلاً لهذا السبب، وتعتقد إيران الآن أنها صمدت أمام أسوأ ضغوط اقتصادية يُمكن أن تمارسها أمريكا عليها. ومن المؤكّد أن العقوبات المصحوبة بجائحة كورونا والانخفاض في أسعار النفط حتى وقت قريب أضرّت كثيراً بإيران، حيث انكمش الاقتصاد بمقدار 6% في عام 2018 و7% في عام 2019. كما فقد الريال الإيراني 85% من قيمته منذ 2017 وقفز مُعدّل التضخّم السنوي في الآونة الأخيرة إلى 45%.
ومع ذلك، يُبدي الاقتصاد الإيراني تحسّناً الآن حيث قدّر صندوق النقد الدولي في أبريل بأن الاقتصاد الإيراني سينمو بنسبة 3% في عام 2021، وكل ذلك كان قبل الارتفاع الأخير في أسعار النفط.
وفي ظل مواجهة واشنطن لمثل هذه الجُرأة الإيرانية، سيتعيّن على إدارة بايدن اتّباع استراتيجية ذات مسارين: الأول، سيهدف إلى التنسيق الوثيق مع الحلفاء الإقليميين لتجنُّب أي مفاجأة أحادية الجانب، ولضمان التنسيق العسكري والاستخباراتي الكامل.
أمّا المسار الثاني، فسيتمثّل في الضغط الاقتصادي المُباشر على إيران من خلال محاولة إقناع الصين وروسيا بالعمل المُشترك والمُتعدّد الأطراف، والذي يتم فرضه بشكل مثالي من خلال الأمم المتحدة. وسيكون المسار الثاني أكثر صعوبة من الأول.
وتُشير كل هذه الديناميات إلى أنه من الصعب للغاية على واشنطن احتواء إيران بشكل فعّال من خلال عقوبات مُتعدّدة الأطراف في الوقت الذي تنخرط فيه في تنافس مع القوى العظمى مع كل من بكين وموسكو. وببساطة، ليس ثمة فرصة لنجاح الخطة البديلة الأمريكية الخاصة بالضغوط القصوى على إيران عندما تكون الصين على استعداد لاستثمار مئات المليارات من الدولارات في إيران، وبينما روسيا ليست في حالة مزاجية جيدة للتعاون مع إدارة بايدن.
الخطة البديلة
ومن المُرجّح أن تُستأنف المُحادثات النووية أولاً في بروكسل، ومن المُحتمل أن تستمر في وقت لاحق بجولة جديدة في فيينا.
ومع ذلك، فإن الحقائق على الأرض - في كُلٍّ من إيران والشرق الأوسط وواشنطن - تتغيَّر بسرعة، فقد أصبحت إيران أقرب من أي وقت مضى إلى العتبة النووية، ولدى إسرائيل حالياً حكومة جديدة أكثر استعداداً لاستئناف تعاون استخباراتي أقوى مع الولايات المتحدة.
وتشعر دول الخليج العربي بالقلق من انفكاك الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في أعقاب الفشل الأمريكي في أفغانستان، وهي مُستعدة لتعميق شراكتها الأمنية مع واشنطن.
فيما تؤيّد الصين وروسيا المزيد من التعاون الاقتصادي مع طهران وليس تقليله، بينما تنشغل إدارة بايدن بشكل مُتزايد بأجندة اقتصادية مُتعثّرة في الداخل.
وعلى هذا الأساس، فإن أي بَحْث عن خطة بديلة لحملة الضغوط القصوى الأمريكية على طهران يجب أن يتعامل مع هذا السياق الجديد المُعقّد.
وفي ظل غياب المُساعدة الروسية والصينية بهذا الخصوص، يبدو أن وَضْع نظام عقوبات اقتصادية جديد برعاية الأمم المتحدة ضد إيران مُستحيلاً.
وسيكون البديل هو مُمارسة الضغوط القصوى من قبل تحالف القوى الراغبة بذلك والمكوّن من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان.
وقبل الشروع في مثل هذا الضغط الاقتصادي، بالإمكان الافتراض أن واشنطن ستمنح المُقاربة الدبلوماسية أقصى فرصة مُمكنة. وفي غضون ذلك، ستستمر إيران في تخصيب اليورانيوم.
وإذا لعبت إيران دوراً في مُحاولة منها لكسب الوقت وانخرطت بشكل ظاهري في الدبلوماسية النووية، فإن ما يُمكن توقُّعه بثقة هو حدوث "عملية تخريب قصوى" باستخدام الأساليب الإلكترونية والتقليدية للحد من الأنشطة النووية الإيرانية.
aXA6IDMuMTM1LjE4OS4yNSA= جزيرة ام اند امز