من أجل "أمريكا أولا".. هل خالفت واشنطن استراتيجيتها الجديدة للأمن؟

رغم أن أحد بنود الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي ينص على بناء تحالفات أقوى وأوسع من الدول الحليفة لتعزيز القدرة الجماعية على مواجهة التحديات إلا أن تصرفات واشنطن تشي بأن "الأقوال شيء والفعل أمر آخر".
منافسة مع الصين وتقييد روسيا
والأربعاء الماضي، أصدر البيت الأبيض استراتيجيته الجديدة للأمن القومي، والتي وصفها الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنها "ترتكز على العالم كما هو اليوم، وتضع المستقبل الذي نسعى إليه، وتقديم خارطة طريق لكيفية تحقيق ذلك".
حددت الاستراتيجية الأمريكية، الصين باعتبارها "المنافس الوحيد الذي لديه النية والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي بشكل متزايد"، كما وضعت الاستراتيجية هدفا رئيسيا للعمل على "تقييد روسيا الخطرة التي تشكل تهديدا فوريا للنظام الدولي الحر والمفتوح، وتنتهك القوانين الأساسية للنظام الدولي".
وكذلك إيلاء الأولوية للشراكة المتزايدة مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقتي أوروبا والمحيطين الهادئ والهندي في مجالات التكنولوجيا والتجارة والأمن، نظرا لأن كلتا المنطقتين تعززان بعضهما ومصيرهما متشابك.
فيما دعت إلى الشرق الأوسط الأكثر تكاملا "الذي يمكّن حلفاءنا وشركاءنا من تعزيز السلام والازدهار الإقليمي، ولكن مع تقليل متطلبات الموارد التي تفرضها المنطقة على الولايات المتحدة على المدى الطويل".
أمريكا والسعودية
ومنذ صدور قرار أوبك+ بخفض إنتاج النفط 2 مليون برميل الذي أكدت دول المنظمة صدوره بالإجماع ولشؤون اقتصادية بحتة لا لم تتوقف اتهامات الإدارة الأمريكية وادعاءاتها على السعودية، محملة إياها مسؤولية القرار، وأنه يعد بمثابة اصطفاف مع روسيا دون إبراز مخاوف واشنطن من توقيت القرار الذي يستبق انتخابات التجديد النصفي حيث كانت تضغط لتأجيله إلا أن الدول اتخذت قرارات فنية بحتة ولم تنظر لأمور سياسية.
فالسعودية التي قدمت 400 مليون دولار مساعدات إنسانية إلى كييف لم تنحاز لأي طرف ودعت مرارا إلى إنهاء الأزمة وعرضت الوساطة وشكرها العالم مؤخرا على إتمام صفقة تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شكر السعودية وقال إن المساعدات "دليل على ما يوليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من حرص للإسهام في تخفيف المعاناة الإنسانية، ولن ينسى الشعب الأوكراني هذه المواقف الإنسانية النبيلة التي تثبت صداقة المملكة العربية السعودية لأوكرانيا".
أمريكا وإسلام آباد
خلال العام الأخير، شهدت العلاقات الأمريكية الباكستانية نوعًا من الفتور بلغ حدّ التدهور، جراء عدة عوامل كان بينها استعادة حركة طالبان السيطرة على الحكم وزيارة رئيس الوزراء السابق عمران خان موسكو بالتزامن مع بدء الحرب على أوكرانيا.
ومع بدء تعافي العلاقات وعودتها لمكانتها، جاءت تصريحات بايدن الذي قال فيها إن نووي باكستان هو الأخطر في العالم، ما دفع إسلام آباد، أمس الأول السبت، إلى استدعاء سفير أمريكا للاحتجاج.
وتسببت التصريحات في غضب واسع داخل باكستان حيث ندد رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، ورئيس الوزراء السابق عمران خان، وعدد من الساسة الباكستانيين بتصريحات بايدن، أكدوا فيها أن باكستان دولة نووية مسؤولة، وبرنامجها النووي يحظى من بين أكثر البرامج حماية وأمنا وسلامة، كما أن لها الحق في امتلاك الأسلحة النووية كقوة ردع، مذكرين "بسجل الولايات المتحدة في استخدام الأسلحة النووية".
صياغة جديدة للعلاقات
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، طارق فهمي، قال إن سياسة الولايات المتحدة تتغير من آن إلى آخر لكن أهم ما جاء في الاستراتيجية الأمريكية العلاقات مع دول جنوب شرق آسيا وخاصة الصين التي تراها عدوا ومحاولة تقليل الفجوة في الحسابات الاقتصادية وكذلك روسيا التي يجب احتواؤها بشكل أكبر وعدم الاستمرار في المخاطر والتحديات التي تمثلها مع الأزمة الأوكرانية.
وعن حلفائها في الشرق الأوسط وخاصة السعودية، أوضح الأكاديمي المصري في حديثه لــ"العين الإخبارية" أن "هناك مناوشات من المشرعين الأمريكيين وضغط على الإدارة الأمريكية للتعامل السلبي معها بعد قرار أوبك بلس بتخفيض إنتاج النفط واتهامات بتسييس القرار".
وأضاف: "أعتقد أنه من الصعب أن تحدث قطيعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة، ولكن من الممكن منع تصدير وتجميد صفقات السلاح الأمريكي".
واستبعد فهمي تفكيك الشراكة مع السعودية الأمريكية خاصة أن دول الخليج أصبح لها خيارات متعددة في هذا السياق.
وحول باكستان، أشار إلى أن الاستراتيجية الجديدة ترى ضرورة التعامل معها برؤية مختلفة مما يبعث بالخطورة في هذا التوقيت نظرا لوجود صراعات كبرى بتلك المنطقة.
ولفت إلى أن صياغة السياسة الأمريكية من الآن سوف تبنى حسب الاستراتيجية الجديدة التي وصفها بالهامة؛ لأنها تحدد أسس وأولويات الإدارة الأمريكية في التعامل فيما تبقى من ولاية جو بايدن.
غضب مبالغ فيه
واتفق مع فهمي المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، مهدي عفيفي، حول تغير سياسة خارجية الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة.
وقال عفيفي في حديث لــ"العين الإخبارية" إن الإدارة الأمريكية تقوم بمراجعة سياستها حول العالم لإعادة تنظيم العلاقات الدولية بشكل عملي بدون وجود قوي على الأرض.
ورغم استدعاء السفير الأمريكي في إسلام آباد، أكد المحلل السياسي على قوة العلاقات الباكستانية الأمريكية وأن الاستدعاء جاء للاستفسار عن بعض التساؤلات.
وعن العلاقات مع السعودية، قال عفيفي إن الغضب بشأن قرار المملكة بالتصويت على خفض إنتاج أوبك بلس مبالغ فيه.
قبل أن يوضح أن سبب حالة الغضب الأمريكية التوقيت وإمكانية استغلاله من الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي، مع وجود بعض الدول التي تحاول التأثير على الانتخابات ظنا منها بوجود تعاطف للديمقراطيين مع دول بعينها والجمهوريين مع روسيا والصين.
ولفت إلى أن قرار المملكة العربية السعودية بدعم أوكرانيا إنسانيا بـ400 مليون دولار سيساهم في تخفيف حدة التوتر مع الإدارة الأمريكية.
أما الصين، فيرى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي أن العلاقات بين بلاده وبكين تمر بفترة من التذبذب الشديد بسبب الصعود والتغير الحادث بها مؤخرا بسبب الصعود الاقتصادي الكبير للصين.