واسيني الأعرج لـ"العين الإخبارية": أدين باللغة لجدتي.. والرواية التاريخية هي الأصعب
الروائي الجزائري يقول إن الإنترنت يهدد بفقداننا إنسانيتنا لأننا نصير نسخاً من بعضنا البعض عندما نجلس جميعاً خلف شاشة الكمبيوتر نفسها.
يُسجِّل الأديب الجزائري واسيني الأعرج حضوراً مميزاً دوماً بأعماله الروائيّة العديدة التي تفوز أو تُرشَّح إلى قوائم معظم الجوائز الأدبيّة الكبرى، التي تحقق مقروئية واسعة، وآخرها "مي.. ليالي إيزيس كوبيا"، التي تفاعل فيها مع السيرة الذاتيّة للكاتبة مي زيادة.
"العين الإخبارية" التقت واسيني الأعرج ودار معه حوار حول الكتابة والحراك الشبابي في الجزائر، وإلى نص الحوار:
متى بدأت علاقتك باللغة العربيّة؟
ربّما كانت جدتي لها علاقة كبيرة بالأمر، فأخي الأكبر لم يتعلَّم العربيّة جيّداً، لذا أصرَّت جدتي على تعليمي إياها بشكل جيّد، فالوعي الشعبي باللغة والحضارة لا يستهان به، فجدتي كانت تمتلك وعياً فطرياً كبيراً، وكنت قريباً للغاية منها، خاصة بعد رحيل أبي، وارتبطت بها كثيراً، وكنت أراها لغة غير مضمونة، لكنها دوماً كانت تقول لي إن أردت أنت لهذه اللغة أن تستمر فعليك التمسك بها.
كنت أستيقظ في الخامسة صباحاً للذهاب إلى الفقيه لتعلِّم اللغة العربيّة ثم أنطلق بعدها إلى المدرسة، أما أخي فكان يستيقظ في الثامنة للذهاب إلى المدرسة مباشرة.
ما زالت بعض التفاصيل المرتبطة بهذا المعلم تحضرني روائحها؛ كالصلصال الأبيض ورائحة القلم الذي نكتب به الذي كان يصنع من القصب، وأصبحت كل هذ الطقوس طقس واحد عام متشابك في وعيي.
وماذا عن بداية القراءة؟
هناك لحظة فارقة في حياتي، كنت ذات يوم في "الكُتّاب" عند الفقيه حيث أخذ الأولاد كل المصاحف، ولم يتبق غير كتاب واحد مهترئ تركه الصبية لأنني وصلت متأخراً، فأقنعت نفسي أنَّه القرآن ولا يهم مدى أناقة النسخة.
وعندما عدت إلى البيت وقرأت شعرت أن علاقتي باللغة تغيَّرت وأصبحت حسّية، وليست عبارة عن كلمات فحسب، بعدها سرقت الكتاب وفي أحد الأيام سألني ابن خالتي عمّا أقرأ فأجبته "أقرأ القرآن"، فطلب مني أن أعطيه الكتاب وأخذ يسخر مني لأنه في النهاية كان كتاب "ألف ليلة وليلة".
إلى اليوم ما زلت أشتم رائحة هذا الكتاب "طبعة بولاق المصرية القديمة- الطبعة الحجرية"، مما أضفى عليه الكثير من القداسة بلغته وبرائحته، كما أنه يبدأ بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، ولم أكن أعرف وقتها أنه طقس عادي تبدأ بها الكثير من الكتب.
كيف تنظر إلى المكان في هذا العالم المفتوح؟
الكائن البشري يغيّر الأمكنة، فعندما تقرأ أو ترى فيديوهات مثلاً في العالم المعلوماتي فهو شيء جيّد، لكن السفر ينقلك إلى عالم آخر لا يمكن أن يوفّره لك الإنترنت.
العالم المعلوماتي يهدد بفقداننا إنسانيتنا لأننا نصير نسخاً من بعضنا البعض عندما نجلس جميعاً خلف شاشة الكمبيوتر نفسها، كما أن السفر إلى بلدان أخرى كالصين أو فرنسا أو غيرها يدفعنا لعقد المقارنات والتساؤل حول بعض الاختلافات في النظافة أو النظام أو عدم قيام المؤسسات المدنيّة بدورها في مجتمعاتنا.
تكتب الرواية التاريخيّة لكنك قلت سابقاً إنَّ هناك بعض المواقف النقدية الجاهزة تجاهها.. هل يمكننا الاستفاضة في الأمر؟
نعم بالطبع، هناك بعض النقاد الذين يعلنون عداءهم للرواية التاريخيّة بوصفها سرداً للتاريخ ليس به أي إبداع، رغم أنّه في ظنّي أن كتابة الرواية التاريخيّة من أصعب أشكال الكتابة، وتعود صعوبتها إلى أنَّ المادة التاريخيّة تحتاج جهداً كبيراً في تحقيق موثوقيتها، وهذا لن يتم إلا بعد قراءة هذه المادة، وأتساءل هل هو التاريخ الحقيقي فعلاً، أم هو ما كتبه المسؤول الكبير؟، ففي كل حادثة أجمع بين الروايات، الرسميّة منها والغربيّة والشعبيّة، حتى أكوّن منظوراً شخصياً خاصاً بي، وأستطيع من خلاله أن أقول إنني وصلت إلى الحقيقة التي تساعدني في النص، لكن في الوقت نفسه دون أن أدعي أنَّها الحقيقة المطلقة.
هل يمكن للغة وحدها أن تُشكِّل هويتنا؟
لا.. فمسألة الهويّة لا تكتفي بالانتماء للأرض فحسب مثلاً، لأنّها تحتوي على بشر آخرين غير منتمين للجنسية نفسها، ولا الانتماء لثقافة لأن هذه الثقافة متاحة للجميع أيضاً، وهناك عناصر دوماً خفيّة في كل هويّة.
شاركت في الحراك الجزائري.. كيف تراه؟
مبدئياً أنا آتي مع زوجتي كل يوم خميس لنشارك في الحراك طوال يوم الجمعة ونعود الساعة 11 ليلاً إلى باريس مرة أخرى، وأكرر هذا أسبوعياً، وفي كل جمعة ينزل إلى الشوارع نحو 20 مليوناً، أي ما يعنى نصف سكان البلد، ورغم الصورة المشهورة عن شعب الجزائر من تهور وميل للعنف، فإنَّهم ينزلون إلى الشوارع بشكل حضاري دون قطرة دم سالت ولا سيارة أحرقت.
أما الرئيس بوتفليقة، فأنا واحد من الذين انتخبوه وكنت أتوقّع ذلك الإنسان الذكي الذي يملك تاريخاً وشارك في الثورة ويتحدث 4 لغات ويعتبر أصغر وزير خارجية في وقته، أن يستجيب لخطاب الشعب، لكنه بعد 10 سنوات من السلطة عدَّل الدستور وفعل مثل الآخرين، وهو في النهاية رئيس لم يتحدث إلى شعبه لمدة عهدة كاملة، 5 سنوات كاملة لم يتحدث بكلمة يا أخي هذا كيف يسير ببلد؟
ما الفارق بين الموروث والتاريخ؟
الموروث هو سياق عام وليس محددا في الزمان ويحتوي على كل عناصر المنتج الثقافي والحضاري، بمعنى أنَّه تدخل فيه الأشياء الفلكلورية والأغاني والموسيقى وما إلى ذلك، أما التاريخ فهو الموجز البشري في لحظة من اللحظات التاريخيّة، ماذا فعل البشر داخل هذه الرقعة؟ الصراعات بين السياسات والأحزاب والشخصيات إلى آخره، الصراع ضد المستعمر.
ما الذي يشغلك أكثر.. طريقة السرد أم أسلوب الحكاية؟
الحكاية مهمّة بالطبع، لكن السرد هو الأهم، وهذا هو ما يوصلّك للقارئ، فمهما كانت قصتك رائعة لا بد لها من وسيط سردي رائع أيضاً، حتى يتحقق لك ما تريد من تواصل مع القارئ.
aXA6IDMuMTMzLjEzOS4yOCA= جزيرة ام اند امز