شعوب العالم تعيش حالة قطيعة كلية باستثناء بعض الاجتهادات الفردية في التواصل.
صدام الحضارات أو صراع الحضارات الذي تنبأ به صامويل هنتنجتون في كتابه الذي صدم العالم وقتها عند صدوره سنة ١٩٩٣، والذي أكد أن الخلافات والصراعات بين الدول ما بعد الحرب الباردة لن تقوم على اختلاف القوميات بل "ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر" في المستقبل.
وإن صدق هنتيجتون في تنظيره في جزء ما فهو لم يتوفق في أساس نظريته.
المشكل أن الصدام لم يقع فعليا بين الحضارات كما تنبأ المنظر الأمريكي، لكن ما وقع نتيجة الخلافات الثقافية التي تنبأ بتأثيرها هو القطيعة الكاملة بين دول العالم والشعوب.
ولئن تحدث السياسيون وتواصلوا لدعم وبناء التعاون والمصالح العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية بين الدول، إلا أن الشعوب تعيش حالة من القطيعة الكاملة.
فلم تشهد شعوب العالم تواصلا، بل تعيش حالة قطيعة كلية باستثناء بعض الاجتهادات الفردية في التواصل.
الذي حدث بيننا وبين "هم" قطيعة جعلتنا نعجز عن فهمهم ونرفض تقبل "هم"، كما فشلنا في تقديم الصورة المضيئة من ديننا ومجتمعنا وعقلنا وأخلاقنا، والمشكلة ليست في لغة الكلام بل في خطاب العقل بين البشر مع انقطاع التواصل الذهني رغم وسائله المتاحة
على الرغم من أننا نعيش العصر الذهبي لوسائل التواصل الاجتماعي، سرعة وانفتاحا وأداء، وحتى اللغة لم تعد عائقا مع توفر تقنيات الترجمة الفورية على النت، لكن المشاكل الثقافية والتقسيم العالمي هو الذي فصل بيننا كبشر.
هو تقسيم ثقافي بالتأكيد أفرزته تقسيمات جغرافية وتاريخية، فالآن نرى العالم مناطق أهمها:
منطقة الشرق الأوسط..
الغرب (على رأسه أمريكا وأوروبا الغربية ثم الشرقية
روسيا)..
آسيا: التي نراها عملاقا يتحرك الآن ولم نستوعب بعد شكلها ولم نفهم لغتها، وهنا أتحدث عن خطاب العقل بيننا.
وبقية دول العالم التي لا يعرف عنها عالمنا العربي إلا من خلال رحلات سياحية استثنائية أو أخبار عابرة أهمها الكوارث الطبيعية، وهي عادة بعيدة عن اهتمامنا كشعوب في منطقة الشرق الأوسط.
وطبعا لا ننسى "العدو التقليدي" وهو "إسرائيل" ومن حالفها.
تقسيمنا وتقسيمهم لـ"نحن" و"همْ" هو أساس كل ما نمر به الآن.
المشكل الأساسي فينا "نحن" أننا لا نريد تحمل أية مسؤوليات أو نواجه مشاكلنا ونعمل على حلها، بل وجدنا كشعوب أنه من الأسهل أن نحمل "هم" كل خيباتنا وهزائمنا وآفاتنا.
نحن: على حق دائما، ديننا الإسلام ومن ليس منا فهو "كافر" تنتظره النيران.
لغتنا العربية ونحن أكثر الشعوب فصاحة ورقيا و"خير أمة أخرجت للناس" لأن لغتنا لغة القرآن.
نحن أشراف لأننا نحجب نساءنا ونرغمهن على طاعة الرجال الذين لا يعلو على كلامهم كلام، ولا حق لأطفالنا في التعبير عن آرائهم لأن في ذلك استنقاص لقيمة "الكبار" وقلة أدب.
نحن نأكل اللحم الحلال على الرغم من أننا نغش في الميزان، ونبيع الكثير من الكلام، ونعيش زمنا ضاعت فيه الثقة بيننا لأن وعودنا بيننا وبين "هم" حتى وإن وثقت في معاهدات أو عقود هي رهان مزاج فلان أو علان.
نحن عاطفيون نخرج للشوارع إذا تعرض أحد "هم" لنبينا والإسلام، نحرق الأعلام نصرخ نندد نتوعد، ثم نعود لبيوتنا نأكل وجبتنا الدسمة وننام.
نحن مشتتون أصدقاء وإخوان.. وديننا الجديد رغم الإنكار هو "المال".
نحن أخلاقنا ومبادئنا تائهة بين دين نقي سمح وتقاليد الخيام.
"هم" الدين بالنسبة لهم حالة شخصية قيمة ذاتية ومساحة حرية لا حق لأي كان اختراقها حتى من الأهل والإخوان.
لغتهم هي الكلمات التي توصل المعنى، ونجحوا في جعل الإنجليزية اللغة الأولى في العالم دون جهد، أو ربطها بالدين ولا الحلال والحرام.
هم الشرف لديهم في احترام المرأة ومنحها مساحة من الحرية لأخذ القرار، وللطفل حق التعبير مع تعلمه الكلام.
واجتماعيا ينزل الرجل على ركبتيه ليطلب القرب من خطيبته وهي حركة ولغة جسدية تقول إنه سيحترمها ويقدرها منذ أن تضع الخاتم في يدها إلى أن تنزعه، ووعد الزوجين للإخلاص بينهما التزام ذاتي أمام الرب لا دخل فيه للأقارب أو الأصدقاء والمجتمع والأعمام.
هم يتمتعون بحرية الكلام ولا يعبئون بمن يتعرض لدينهم، لأن الإيمان في قلوبهم، وعلاقتهم بربهم وآلهتهم على اختلافها تتمتع بقدسية أرقى من الكلام.
"هم" المال همهم يعملون على تحصيله ليل نهار كل من منصبه، لكن بقوانين الشرف، فمن أعطى كلمته أعطى رقبته.
حتى الأعمال الخيرية عندهم تعمل تحت مؤسسات منظمة تضمن أن ما تبرعت به من مال يصل لمن أردت، وللغاية التي تريد الاستثمار فيها بين الأطفال والأيتام والكلاب وأبحاث السرطان وغيرها من التشعبات التي قد نقيمها على أنها سخيفة.
الذي حدث بيننا وبين "هم" قطيعة جعلتنا نعجز عن فهمهم ونرفض تقبل "هم"، كما فشلنا في تقديم الصورة المضيئة من ديننا ومجتمعنا وعقلنا وأخلاقنا.
والمشكلة ليست في لغة الكلام بل في خطاب العقل بين البشر مع انقطاع التواصل الذهني رغم وسائله المتاحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة