من المتوقع أن يصدر هذا القرار قريبا استجابة للوعد الانتخابي الذي قطعه ترامب على نفسه، خاصة أنه سيخوض الانتخابات المقبلة في 2020.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومنذ بدايات حملته الانتخابية يصنف جماعات الإسلام السياسي عموما والإخوان خاصة بأنهم من الجماعات التي تضمر الكراهية والشر لأمريكا والعالم الحر. وهو ينظر إلى الإخوان كتنظيم سياسي عسكري يستخدم الأساليب التقنية والبراجماتية والانتهازية في إدارة أموره، وهي لا تختلف عن الحركات المسلحة كداعش والقاعدة وحزب الله والنصرة وغيرها.
سوف تكون لهذا القرار تداعيات سلبية واسعة على الدول الداعمة للإرهاب الإخواني، كتركيا وقطر، التي ستواجه خيارين إما تنفيذ القرار الأمريكي وإما إيواء تنظيم إرهابي
أما الرئيس السابق باراك أوباما، فكان عكس ذلك تماما، رافضا لتصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي، بل أسهمت سياسته في وصول الإخوان إلى بوابة الحكم في أكثر من بلد عربي، ومصر أبسط مثال على ذلك. ويمكننا التأكيد أن أوباما لم يكن الوحيد في دعمه للإخوان، بل سبقه في ذلك الجمهوري رونالد ريجان الذي استقبل تلاميذ حسن البنا وسيد قطب في البيت الأبيض، وكان سببا في التكوين السياسي للتنظيم.
وعن إدارة الرئيس ترامب، يجب أن نذكر أول مستشار تم تعيينه للأمن القومي مايكل فلين، وصف الإسلام السياسي بأنه "سرطان في جسم العالم الإسلامي" وهو ما أعاد ذكره جون بولتون أيضا. أما ريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق فأكد في كلمه له بالكونجرس أنه بعد تدمير تنظيم داعش، يجب علينا التركيز على تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين وهو ما ردده أيضا مايك بومبيو، وزير الخارجية الحالي. ويكفي هنا من خلال قراءة توجهات إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية يعكس قناعة لدى البيت الأبيض بأن القضاء على الجماعة الإخوانية والتضييق عليها وتجفيف مصادر تمويلها هو الطريق نحو القضاء على الإرهاب، وهي رؤية مشتركة لكثير من الدول العربية كالمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين، فالتنظيم خلق الذخيرة الأيديولوجية للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة.
في 30 أبريل 2019، أعلنت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض أن الرئيس ترامب تباحث مع فريقه للأمن القومي وقادة المنطقة الذين يشاطرونه القلق من تنظيم الإخوان، وأن مشروع التصنيف يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية من وزارة الخارجية إلى العدل والخزانة الأمريكية وصولا إلى الكونجرس. ويقوم حاليا مكتب مكافحة الإرهاب بجمع ودراسة المعلومات عن تورط الإخوان وتنظيماتها المختلفة في عمليات إرهابية لاستيفاء جميع المعايير القانونية قبل إجراءات تصنيفها كإرهابية، ووفق الفصل 219 من قانون الهجرة والجنسية والفقرة 1182 من قانون الإدراج، هناك ثلاثة معايير يحددها القانون الأمريكي للمنظمة التي يضعها على لائحة المنظمات الإرهابية، وهي: أن تكون المنظمة أجنبية، وأن تكون المنظمة ضالعة في النشاط الإرهابي، ويجب أن تشكل نشاطات المنظمة تهديدا لأمن مواطني الولايات المتحدة أو الأمن القومي، بما فيه الدفاع القومي، والعلاقات الخارجية، والمصالح الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يصدر هذا القرار قريبا استجابة للوعد الانتخابي الذي قطعه ترامب على نفسه، خاصة أنه سيخوض الانتخابات المقبلة في 2020، وسيكون لدى الإخوان المسلمين 30 يوماً من تاريخ صدور الإعلان للطعن عليه في إحدى المحاكم الفيدرالية بواشنطن.
وبعد ذلك ستوجه أمريكا تحذيرات محلية ودولية بمنع التعامل والتعاون مع المنظمة المذكورة بأي شكل كان، وفرض عقوبات على مَن يتعاملون معها مثلما فعلت مع الحرس الثوري الإيراني. وهنا تتحرك أيضا وزارة الخزانة الأمريكية بالتوازي مع هذا القرار لتصنيف أبرز الشخصيات والقيادات في التنظيم على قوائم الإرهاب وتطالب دول العالم بملاحقتهم وعدم التعامل معهم، مثلما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية على قائمة سوداء 25 شخصا وكيانا إيرانيا.
والجدير بالذكر أن فكرة تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، بدأت في 2015 حيث قام مجموعة من النواب -دياز بلارت وجومرت ويبر وبلاك وبوميو- بتقديم مشروع قانون يعتبر جماعة الإخوان تنظيم إرهابي. كما تم تقديم 49 طلبا منفصلا من أعضاء في الكونجرس يطالبون الإدارة الأمريكية بإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولي، وقد قامت اللجنة القضائية في الكونجرس منتصف عام 2016 بناء على هذا العدد الضخم من الطلبات ومشروعات القوانين المقدمة، بإصدار قرار يلزم الإدارة الأمريكية "إدارة أوباما" آنذاك إما بالإذعان لهذه الطلبات ودعوة وزارة الخارجية إلى اعتبار جماعة الإخوان منظمة إرهابية من أجل حماية الأمن القومي الأمريكي بشكل أفضل أو تقديم رد مقنع لرفضها.
وفي يناير 2017، قدّم السيناتور تيد كروز، العضو الجمهوري عن ولاية تكساس، والنائب ماريو دياز بلارت العضو الجمهوري عن ولاية فلوريدا، للمرة الخامسة، مشروع قانون إدراج جماعة الإخوان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وطالبا بتصنيفها منظمة إرهابية أجنبية استناداً إلى اعتناقها أيديولوجية عنيفة تستهدف تدمير الغرب. وفي نوفمبر من العام نفسه، وجَّه 32 عضواً من كبار أعضاء الكونجرس الأمريكي خطاباً لوزير الخارجية، آنذاك، ريكس تيلرسون، يحثونه على التحرك بشأن مشروع القرار "H.R.377" الذي يدعو إلى تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية. وقال النائب دياز بلارت، حينها، إنّ الإخوان يمثلون تهديداً عالمياً، مضيفاً أن جماعة الإخوان تدعم وتمول الشبكات الإرهابية حول العالم ومنها القاعدة وحماس. ودعا البيت الأبيض إلى ضرورة الاعتراف بأن الإخوان جماعة إرهابية كجزء من الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي.
وعقدت اللجنة الفرعية للأمن القومي في الكونجرس الأمريكي جلسة استماع في 11 يوليو 2018 بواشنطن لاستكشاف التهديد الذي يشكله الإخوان المسلمون على الولايات المتحدة ومصالحها وكيفية مواجهته بفاعلية، وتوصلت اللجنة إلى أن الإخوان تنظيم راديكالي إرهابي أفرز شبكة من الفروع في أكثر من 80 دولة. لذلك لا بد من تصنيفها جماعة إرهابية كونها تشكل خطرا حقيقيا على المصالح الأمريكية.
ويحاول الجمهوريون استخدام قوة حضورهم الآن في الكونجرس ومجلس الشيوخ لتمرير هذا الإعلان الذي يشمل في الحيثيات جماعة الإخوان وفروعها في كل دول العالم، وأيضا جماعات للإخوان في عمق المجتمع الأمريكي.
ويفرض إدراج الإخوان في قائمة الإرهاب الأمريكية، تجريم أي اتصالات سياسية أو اقتصادية أو مالية مع الجماعة وأعضائها بموجب القانون الأمريكي، ومن ثم القضاء على محاولات الإخوان للتغلغل داخل الكونجرس والإدارة الأمريكية كما كان الوضع عليه في عهد أوباما، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية على عناصرها والشركات التابعة أو الداعمة لها، وعلى كل شخص أو منظمة أو شركة أو دولة تقيم علاقات مع الإخوان، وتقييد سفر العناصر المنتمية لها. وستخضع الجماعة للملاحقة القضائية الفيدرالية وتجميد ممتلكاتها وأصولها، ما يسهم في تجفيف مصادر تمويلها في العالم كله، والتضييق على تحركات قيادات التنظيم الدولي، كما ستخضع الكيانات الإعلامية التابعة للجماعة لإجراءات صارمة.
وهكذا سيتم وضع الإخوان في خانة جديدة تماما بعيدا عن العمل السياسي في أي دولة، ما يسهم في خلق رأي عام عالمي واسع بخطر الإخوان وفتح المجال لقيام دول أخرى كثيرة لاتباع النهج الأمريكي واتخاذ القرار ذاته، ما يقلص من أنشطة الجماعة عالميا، وينهي وجودها بألمانيا وسويسرا وقطر وتركيا وبريطانيا وماليزيا وغيرها من الدول. كما سينهي مشروع الخلافة التركي، ومشاركة الإخوان حاليا في حكم بعض الدول العربية والإسلامية والقضاء على تطلعاتهم للوصول إلى الحكم، ما يزيد من عزلة الجماعة المحظورة.
وسوف تكون لهذا القرار تداعيات سلبية واسعة على الدول الداعمة للإرهاب الإخواني، كتركيا وقطر، التي ستواجه خيارين إما تنفيذ القرار الأمريكي وإما إيواء تنظيم إرهابي. وستكون هناك إجراءات حاسمة من بينها تجفيف مصادر التمويل وملاحقة وفرض عقوبات على الدول التي تؤوي عناصر أو منظمات إخوانية وتمول الإرهاب. وسيكون لهذا التصنيف تأثير على الموقف الأوروبي الذي يعيش حراكا، وبخاصة في الآونة الأخيرة، نحو تسليط الضوء على العلاقة بين الفكر الإخواني والتنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني أن قطر وتركيا لن تواجها ضغطا أمريكيا فقط بل ضغطا أوروبيا أيضاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة